يلجأ مسؤولو الخدمات الطبية في غزة إلى المتطوعين للمساعدة في إدارة خدمة الطوارئ التي تتجه نحو الانهيار، في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية، بينما تشق سيارات الإسعاف بصعوبة بالغة طريقها عبر الحطام إلى المواقع التي تعرضت للقصف وسط شح في إمدادات الوقود.
وتعمل الأطقم الطبية وأطقم الطوارئ دون الحصول على ما يكفيها من الراحة وتنتشر في المناطق الأكثر خطورة لتكون شاهدة على أهوال الموت والإصابات البالغة وما يصاحبها من مآسٍ. ودعت وزارة الصحة في غزة جميع مَن تدرّبوا على الإسعافات لمساعدة المستشفيات وفرق الطوارئ، ولكن على الرغم من استجابة العشرات، فإن المنظومة لا تزال في حاجة ماسة إلى مزيد من العاملين.
وقال لؤي الأسطل، وهو عامل طوارئ متطوع في خان يونس بجنوب القطاع: «لم أعد إلى منزلي منذ أول يوم في الحرب. هنا أتحمم وأنام وأتناول طعامي». وتقول السلطات الصحية في القطاع الذي تديره «حماس» إن الغارات الجوية والقصف المدفعي الإسرائيلي أوديا بحياة ما يزيد على 8000 شخص منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، حين اقتحم مقاتلو حركة «حماس» الحواجز الأمنية وقتلوا أكثر من 1400 إسرائيلي واحتجزوا أكثر من 200 رهينة.
وبعد أن بدأت إسرائيل عملياتها البرية يوم الجمعة، يخشى العديد من سكان غزة، زيادة حجم الدمار.
وأمرت إسرائيل، المدنيين بمغادرة النصف الشمالي من قطاع غزة والتوجه إلى الجنوب، لكنها تواصل قصفها المكثّف على القطاع وما زال الكثيرون يرفضون الرحيل.
وأدى القصف على الطريق الرئيسية بين الشمال والجنوب في غزة، اليوم (الاثنين)، إلى انقسام القطاع إلى قسمين، مع تعرض أي محاولة للفرار جنوباً لخطر القصف. وقالت وزارة الصحة إن 116 من أفراد الأطقم الطبية قُتلوا في القصف المتواصل منذ السابع من أكتوبر، إلى جانب 18 من رجال الإنقاذ في الحماية المدنية.
وتحدث الأسطل، المتطوع الذي تدرّب على الإسعافات عندما كان طالباً جامعياً لكنه ظل عاطلاً عن العمل حتى بدأت الحرب، عن حادثة كاد أن يلقى فيها بعض زملائه حتفهم جراء غارة جوية أدت إلى كسر نوافذ سيارة الإسعاف التي يستقلونها. وقال: «تحطم زجاج السيارة وأصيب بعض المتطوعين».
كما تطارد الأسطل ذكرى محاولته إنقاذ امرأة دُفنت حتى رقبتها بعد غارة جوية. وقال الأسطل (33 عاماً): «كان رأسها مصاباً، وهرعتُ لعلاج الجرح». وأضاف أنها طلبت منه تحريرها من تحت الأنقاض حتى تتمكن من العثور على ابنها، لكنها توفيت بعد دقائق، بينما كانت لا تزال محاصرة. وقال: «أشعر بالأسى لأنني لم أتمكن من إنقاذها».
قال نسيم حسن، مسؤول خدمة الإسعاف في خان يونس، إن الخدمة لم تعد قادرة على استيعاب الحالات وصارت هناك حاجة إلى مسعفين مدربين. وأضاف: «فتحنا الباب أمام المتطوعين واستجاب الكثير من الشبان لهذا النداء وهم في الخدمة منذ بدء الحرب».
وإلى جانب القصف، فرضت إسرائيل حصاراً على القطاع الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة لتنقطع معه إمدادات الكهرباء والوقود. ودخلت شحنات محدودة من المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة منذ الأسبوع الماضي بعد ضغوط دولية على إسرائيل.
وقال السائق المتطوع ساري النجار: «سيارات الإسعاف على وشك التوقف عن العمل لأن الوقود المتبقي لدينا محدود جداً. لدينا مشكلات في الاتصالات. نفقد الاتصال بسيارات الإسعاف التي تغادر هذا المقر».
وانقطعت خدمات الهاتف والإنترنت في غزة لمدة يومين تقريباً في مطلع هذا الأسبوع، مع بدء دخول دبابات إسرائيلية إلى القطاع. وبدأت الاتصالات في العودة تدريجياً، بدءاً من أمس (الأحد).
ومن دون إمدادات طاقة يمكن الاعتماد عليها، لا يستطيع الكثيرون من السكان شحن الهواتف، مما يزيد من الصعوبات التي تواجهها أطقم الإسعاف التي تحاول تحديد موقع عمليات الإنقاذ وتنسيقها.
وتجمع آلاف الناس في مستشفيات مدينة غزة بشمال القطاع، حيث احتمى العديد منهم بخيام مؤقتة على أمل الحصول على بعض الأمان من القصف. وقال مسؤولون طبيون إن الغارات الجوية بالقرب من مستشفيات رئيسية في مدينة غزة، ومنها مستشفيات الشفاء والقدس، والصداقة التركي، تسببت في أضرار.
وتتهم إسرائيل «حماس» بوضع مراكز قيادة وأسلحة بالقرب من المستشفيات، وهو ما تنفيه الحركة.
وتساءل حاتم سلطان، الذي يقيم بالقرب من مستشفى الشفاء، أكبر مركز طبي في الجيب؛ حيث تصل سيارات الإسعاف باستمرار حاملة مصابين جراء الغارات الجوية، عن المكان الذي يمكنهم الاحتماء به.
وقال: «إلى أين يجب علينا أن نذهب؟ الموت مصير حتمي».