كشف الفيلم الوثائقي- الذي أنتجته دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة باسم ”جاسوس الموساد في اليمن ” بالوثائق والاعترافات- الغموض عن قضية أخطر جواسيس الموساد الإسرائيلي في اليمن.
وتضمن الفيلم الوثائقي- الذي بثته عدة قنوات يمنية الجمعة- قرار جهاز الموساد الإسرائيلي
إرسال أحد كبار ضباطه في مهمة عاجلة إلى اليمن، منتصف يونيو1971م، وبتكليف من القيادة الإسرائيلية.. للتخطيط لتنفيذ عملية عسكرية إسرائيلية في اليمن ، بحجة تعرض سفينة إسرائيلية للاستهداف في باب المندب ، كما كشف وثائقي “جاسوس الموساد في اليمن”، كيف
دفعت عملية القبض عليه كيان العدو الإسرائيلي إلى استنفار قواته وإرسال مجموعة مسلحة
إلى صنعاء لإنقاذه أو تصفيته، وذلك قبل أن يعترف بكل ما في جعبته من أسرار ومعلومات.
وكانت وثيقة مسربة من الدائرة العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعنوان
“مهاجمة وتدمير ناقلة النفط الإسرائيلية كورال سي”، وكلف للمهمة أربعة من عناصر الجبهة.
وتضمن الأمر القتالي تعليمات عامة حول إجراءات تنفيذ العملية ومدتها وكيفية التعامل مع أي تغيرات غير محسوبة، وفي محاولة اشتداد المطاردة برا أو بحرا يكون الالتجاء إلى أقرب شاطئ عربي وتسليم النفس مع السلاح إلى الحكومة العربية الملتجأ إليها. فكانت اليمن
هي الدولة المختارة، حيث وصل منفذو العملية إلى اليمن ، بعد نصف ساعة من استهداف السفينة، كان هناك إصابة اللانش التابع لهم في تبادل إطلاق النار وإصابة الناقلة الإسرائيلية.
وتعرضت ناقلة النفط كورال سي الإسرائيلية للاستهداف أثناء مرورها في a باب المندب،
في تلك الفترة نفذت المقاومة الفلسطينية عدة عمليات ضد العدو الإسرائيلي ومصالحه
في فلسطين المحتلة، غير أن عملية باب المندب كانت أخطرها.
وفور وصول أنباء العملية إلى تل ابيب، وبعد إجراءات مناقشة وبحوثات، قررت قيادة الكيان
تكليف جهاز الموساد بالملف اليمني، وتمثلت المهمة بشن ضربة عسكرية ” تأديبية” لليمن،
من خلال جمع المعلومات عن الدولة والمجتمع وكل ماله علاقة بالملف الفلسطيني.
المؤامرة على اليمن
وتكشف وثائق الفيلم واعترافات ضابط الموساد حقيقة الصراع العربي الاسرائلي الذي لا يقتصر على فلسطين المحتلة فقط أو دول مجارة للعدو الصهيوني ، بل كانت اليمن رغم بعدها الجغرافي ، تحت المجهر الإسرائيلي ، منذ أكثر من خمسين عاما .
ولم تكن عملية باب المندب السبب الرئيسي للمؤامرة على اليمن، بل كانت قد بدأت
المؤامرة، منذ خروج الاحتلال البريطاني بالثورة من جنوب اليمن، بعد فشل بريطانيا
في الحفاظ على احتلالها، للجنوب ، حيث ظلت إسرائيل تضغط على ضرورة البقاء في
عدن من خلال الحفاظ على قاعدة عسكرية لها ، أو حتى الاحتفاظ بجزيرة ميون اليمنية.
وقالت القيادة الإسرائيلية حينها “إذا سقطت جزيرة ميون في دولة غير صديقة فقد يؤدي ذلك إلى موقف خطير”، ولأجل ذلك تشكلت استراتيجية اسرائيلية تقوم على أن تكون السلطة في اليمن صديقة لإسرائيل من أجل تأمين الملاحة.
وإذا لم تكن السلطة اليمنية كذلك، فقد يلجأ الكيان الى حيلة أخرى كاحتلال ميناء الحديدة والجزر اليمنية، ولهذا السبب قرر جهاز الموساد إرسال أحد أبرز ضباطه الى اليمن.
حيث عمدت الى إرسال أحد أبرز ضباط جهاز الموساد، وكان اسمه ”باروخ زكي مزراخي”،
وأخذ هوية باسم “أحمد سعيد السباغ” مغربي الجنسية، بذريعة أنه تاجر ألعاب الأطفال،
وسائح مغربي يهوى التقاط الصور.
ووصل باروخ “السباغ” إلى عدن في يونيو 1971م، حاملا في جعبته المؤامرة الإسرائيلية
على اليمن، وكان قد بدأ عملية التجسس، بالتقاط صور عن ميناء الحديدة، و بعض الجزر اليمنية.
القبض على جاسوس الموساد وجنون إسرائيل
وقبل أن يغادر باروخ اليمن بيوم واحد، وقع بالصدفة في قبضة أحد الضباط اليمنيين برتبة نقيب، الذي بدوره سلمه إلى الجهات الأمنية، وكاد الجاسوس أن يفلت من قبضة السلطة، وبشكل رسمي، لولا تدخل نائب القائد العام للقوات المسلحة اليمنية، وفق الوثائق .
وأثناء التحقيق معه ضبطت السلطات اليمنية بحوزته ملفات خطيرة، كما كشف جاسوس
الموساد النوايا الإسرائيلية لاحتلال الساحل الغربي والسيطرة العسكرية المباشرة على باب المندب.
وتتضمن الأسرار والمعلومات، “خطة الضربة العسكرية ” التأديبية” لليمن وتدمير ميناء الحديدة” إضافة إلى تقاريره عن المجتمع اليمني وقبائله والتزامه الإسلامي.. إلى مكونات المجتمع وكل ما يخص المجتمع اليمني شمالا وجنوبا.
وأثناء مقاومة جاسوس الموساد للتحقيقات، واختلاقه قصصاً درامية توهت المحققين
اليمنيين، ما أدى بالرئيس إبراهيم الحمدي إلى الاستعانة بالمخابرات المصرية التي بدورها
كشفت تقنية التصوير البانورامية وتمكنت من انتزاع اعترافات خطيرة عن هوية الجاسوس
الأصلية ومهمته الحقيقية في اليمن.
وبعد أن أخذت السلطات اليمنية حينها من الجاسوس كل ما تريد معرفته، وما هو المخطط الإسرائيلي لليمن ، طلب الرئيس المصري أنور السادات من اليمن تسليم الجاسوس لمصر للاستفادة منه وما لديه من معلومات.
محاولات إسرائيلية مستميتة لإخراج جاسوس الموساد
وكانت هناك محاولات إسرائيلية مستميتة لإخراج جاسوس الموساد باروخ، عبر إغراءات مالية وشحنة أسلحة للسلطات اليمنية، لكن محاولاته باءت بالفشل ، ليقرر إغلاق ملف جاسوس الموساد باغتياله عبر مجموعة من الموساد تسللت إلى اليمن ونفذت أول عملية لها في صنعاء في 21 من يوليو 1971م، أرادت من خلالها اغتيال الضابط المصري وكذلك الجاسوس باروخ.
حيث قامت بنصب كمين محكم في منطقة غرب العاصمة اليمنية مستخدمة الزي الخاص
بالأمن اليمني، لكن المهمة انتهت بالفشل ونجا الضابط بأعجوبة، ثم تمكنت السلطات اليمنية
من القبض على أحد أعضاء الخلية والذي بدوره أرشد على بقية الأعضاء، ودفع الضغط الشعبي والتوجه العربي ضد الكيان الصهيوني وقتها السلطات إلى إعدام كل أعضاء مجموعة الموساد المتسللة.
وكان جاسوس الموساد قد حاول عدة مرات الانتحار، كما حاول كيان العدو الإسرائيلي
ضرب الطائرة التي كانت ستنقل الجاسوس من اليمن إلى مصر، إلا أنه تم تبديل خطة
التهريب عبر الغواصة إلى الطائرة بمساعدة من الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.
وكانت ضربة مدوية للموساد بعد نجاح اليمن في إيصال الجاسوس إلى مصر،
التي استفادت من أخطر معلومات يمتلكها الجاسوس في حرب أكتوبر 1973م.
إسرائيل تحقق أهدافها في اليمن
وبعد فشل العدو الاسرئيلي في استعادة ” بارخ” أو اغتياله، تضاعف تهديد كيان العدو الإسرائيلي لليمن والتي كان من أبرزها اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وذلك عقب تشكيله قوة عسكرية للدفاع عن باب المندب.
وتمكن العدو الإسرائيلي بالفعل ، من تحقيق هدفه عقب اغتيال الحمدي بإيجاد سلطة صديقة لإسرائيل طوال أكثر من ثلاثين عاما ، ظل خلالها كيان العدو يعزز من دوره وتواجده في اليمن بصورة مباشرة وغير مباشرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، تكشفت نتائجها جليا بعد العدوان الأمريكي السعودي على اليمن ، حيث كان لإسرائيل دور في هذا العدوان .
كما كشف قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين في أكثر من مناسبة وأكثر من خطاب،
حقيقة الدور الإسرائيلي وخطط إسرائيل لإيجاد موطئ قدم لها في اليمن ، وحذر العدو
الإسرائيلي من ارتكاب أي حماقة في اليمن ، وأكد أن صواريخ اليمن وطيرانه المسير
ستصل إلى تل أبيب .
ولم يمض الوقت طويلا حتى تكشفت الحقائق بشكل جلي للجميع ، وخصوصا للمشككين ،
عندما بدأ العدو الإسرائيلي يتواجد فعليا في جزيرة سقطرى ، وبدأ ببناء قاعدة استطلاعية
وعسكرية له في الجزيرة ، للتحكم في طريق الملاحة الدولية عبر البحر العربي والمحيط الهندي ، حيث سهللت الإمارات- التي تحتل الجزيرة- المهمة للعدو الصهيوني ، بإرسال خبرائه العسكريين من الموساد برفقة ضباط إماراتيين عبر الطيران الإماراتي الذي حمل أيضا الكثير من
أجهزة الرقابة والمعدات العسكرية والحربية ، التي جرى إنزالها في الجزيرة، لبناء القاعدة
الإسرائيلية التي تكفلت الإمارات ببنائها ، ناهيك عن التواجد الإسرائيلي في جزيرة ميون وباب المندب .. وبذلك تكون إسرائيل حققت أهدافها القديمة الجديدة بتواجدها المباشر في اليمن والتحكم في طرق الملاحة الدولية عبر المحيط الهندي والبحر العربي وصولا إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب .
المصدر: الثورة اليمنية