صفقة غاز بين قطر والصين وتأثير كبير على العلاقة القطرية الصينية
في 22 مارس/آذار، تم عقد صفقة طاقة دولية ذات أهمية كبيرة دون أن تحظى باهتمام مناسب من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي، حيث أبرمت قطر للبترول اتفاقية للغاز الطبيعي المسال لمدة 10 أعوام مع شركة البترول والكيماويات الصينية “سينوبك”،من أجل تزويد الصين بـ 2 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.
وفي حين أن هذه الاتفاقية سيكون لها تأثير كبير على علاقات الطاقة القطرية الصينية، فمن المرجح أن يتجاوز تأثيرها المحتمل هذه الشراكة لتؤثر أيضا على منطقة الخليج بشكل عام. وفي الواقع، يمهد الاتفاق لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية المستقبلية للهيدروكربونات من خلال تعزيز المصالح المشتركة التي تربط بين الصين وروسيا وقطر.
الموقف القطري
وتشكل العلاقات في مجال الطاقة الركيزة الأساسية للعلاقات القطرية الصينية. ومن المتوقع أن العلاقات ستصبح أقوى وأكثر تنوعا مع توسع التجارة بين البلدين. ومنذ سبتمبر/أيلول 2009، عندما تم تسليم الدفعات الأولى من الغاز الطبيعي المسال القطري إلى الصين، أصبحت الدوحة أحد الموردين الرئيسيين للغاز الطبيعي المسال إلى الصين، وسوف تعزز الاتفاقية الحالية دور قطر في استراتيجية تنويع واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال.
وبالنسبة لقطر، تشير الصفقة إلى 3 تحولات مهمة للغاية
أولا، تمثل هذه الاتفاقية خروجا تقنيا عن الغرب. ومنذ دخولها سوق الغاز الطبيعي المسال في أوائل التسعينيات، اعتمدت قطر بشكل كبير على الشركات الغربية، لا سيما “إكسون موبيل” و”رويال داتش شل” و”توتال”، التي أصبحت المزود الرئيسي للتقنيات الضرورية لصناعة الغاز الطبيعي المسالفي قطر. والآن، يبدو أن قطر مستعدة لتقليص هذه التبعية وزيادة علاقاتها مع الصين. وبالرغم أن هذا التحول تقني بطبيعته، إلا أنه سيعني بلا شك تحولات سياسية معينة أيضا.
ثانيا، ستستمر الدوحة في توسيع شراكاتها الاقتصادية والسياسية بعيدا عن الغرب. وستواصل تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. واكتسبت هذه العملية، التي بدأت تتخذ شكلا واضحا في عام 2014، زخما أكبر بعد عام 2017.
وازداد هذا الاتجاه بعد الحصار الذي تعرضت له قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر. وعندما شعرت قطر بالعزلة وتفوق خصومها عدديا، بدأت في استخدام قوتها الاقتصادية عبر صندوق الثروة السيادي لزيادة الاستثمارات في الاقتصادات الإقليمية والمشاريع الكبرى.
ثالثا، سيتم إعطاء الأولوية للتعاون مع الصين بشكل أكبر ووضعه في مستوى نوعي جديد. وعلى الأرجح، ستتجاوز هذه الشراكة (المبنية بشكل أساسي على روابط الطاقة) عنصر النفط والغاز لتمتد إلى مجالات أخرى ذات اهتمام مشترك أيضا.
وتجدر الإشارة إلى أن قطر قد استثمرت بالفعل في الأعوام الماضية في العديد من المشاريع غير المتعلقة بالطاقة في الصين، بدءا من قطاعات الرعاية الصحية والبنية التحتية والعقارات إلى الخدمات المصرفية. ونظرا لتزايد مشاركة قطر في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، فمن المرجح أن تزداد التسهيلات اللازمة لتبادل العملات والمعاملات المالية والتعاون بين البنوك المركزية المعنية.
قطر تستطيع إشباع “جوع الطاقة” في الصين
وبالنسبة للصين، فإن صفقة الطاقة الجديدة مع قطر لها أهمية استراتيجية لسببين رئيسيين.
أولا، نظرا لتصميم بكين على تحقيق “حياد الكربون” بحلول عام 2060 بسبب المخاوف الاقتصادية في المقام الأول وليس البيئية، من المتوقع أن تركز الصين على الغاز الطبيعي المسال الذي ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون بشكل أقل من النفط.
وكجزء من أجندتها “الخضراء”، أعربت بكين رغبتها في الابتعاد تدريجيا عن واردات النفط والغاز الطبيعي. ومع ذلك، يظل الغاز الطبيعي المسال أحد أولويات بكين الرئيسية. ووفقا لبعض التقديرات، من المتوقع أن تتفوق الصين على اليابان كأكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم بحلول عام 2022.
وأشار تحليل أجرته وكالة “فيتش” إلى أن اهتمام الصين بالغاز الطبيعي المسال لم يتأثر بجائحة “كوفيد-19” وما صاحبها من أزمة اقتصادية عالمية. على العكس من ذلك، أشارت الوكالة إلى ارتفاع واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 10.3% خلال الربع الأول من عام 2021، وهو تطور رائع بالنسبة لموردي الغاز الطبيعي المسال إلى الصين وخاصة قطر.
ثانيا، ترى الصين أن قطر لها دور مهم للغاية في مبادرة “الحزام والطريق” لا ينفصل بالطبع عن مصالح الصين المتعلقة بالطاقة. وتم توضيح هذه النقطة صراحة من قبل السفير الصيني لدى قطر “تشو جيان” في عام 2019،. قبل إبرام الصفقة الحالية بفترة طويلة. وعند تعيينه، أشار “تشو” إلى هدف بكين الإقليمي الرئيسي المتمثل في “دمج مبادرة الحزام والطريق مع رؤية قطر الوطنية 2030”. وأشار السفير كذلك إلى أن قطر كانت من أوائل الدول التي انضمت إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وكانت أيضا عضوا مؤسسا للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
وفي خطابه، أعرب “تشو” عن فكرة أساسية أخرى في نهج الصين تجاه قطر، قائلا: “تنمية الصين هي فرصة لقطر. يمكننا دمج استراتيجيات التنمية لدينا، وتعزيز تعاوننا في مجال الطاقة باعتباره النواة الرئيسية،. وفي مجال البنية التحتية باعتباره مفتاحا رئيسيا، وفي مجال الاستثمار المالي باعتباره نقطة انطلاق جديدة، وكذلك تعزيز التبادلات الشعبية. بهذه الطريقة، يمكننا بناء مجتمع يتمتع بطاقة مشتركة، ومصالح مشتركة، ومصير مشترك”.
النظر إلى ما وراء العلاقات بين الصين وقطر
وفي حين أن صفقة الطاقة بين الصين وقطر قد وسعت العلاقات بين البلدين بشكل كبير،. فمن المرجح أن يكون لها تأثير على دول أخرى مثل أستراليا وروسيا، وكلاهما لاعبان رئيسيان في سوق الغاز الطبيعي المسال. ولديهما صلات مهمة مع الصين في هذا الصدد.
وبالنسبة لأستراليا التي أثرت تطورات سياسية مؤخرا على علاقاتها الاقتصادية مع الصين. بما في ذلك التعاون في مجال الغاز الطبيعي المسال، سيكون لصفقة الطاقة المذكورة أعلاه عواقب سلبية. وبصرف النظر عن تراجع صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين، تواجه أستراليا خطر التهميش في سوق آسيا والمحيط الهادئ،. خاصة مع صفقة جديدة طويلة الأجل أُبرمت بين قطر وبنجلاديش وكذلك باكستان.
وبالنسبة لروسيا، يمكن أن يكون للصفقة القطرية الصينية تأثير متناقض. ومن ناحية، فإن الدور المتنامي لقطر كمورد رئيسي للغاز الطبيعي المسال إلى الصين يشير إلى احتمالية اشتداد المنافسة مع روسيا.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الاتفاقية بالإضافة إلى تنامي التزام قطر تجاه الأسواق الآسيوية. سيسمح لروسيا بتأمين إمدادات ثابتة من الغاز الطبيعي المسال والغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي. الذي ما يزال مهتما بموارد الطاقة الروسية بالرغم من الخطاب العدائي الأخير.
وبينما سيشكل العقد القادم طبيعة صناعة الغاز الطبيعي المسال العالمية،. سيستمر السوق في الاعتماد على المنافسة القوية من اللاعبين الأربعة الرئيسيين والجهات الفاعلة الناشئة. ومع ذلك، تشير الأحداث الأخيرة إلى أن الدور القيادي من المحتمل أن يكون لقطر.