خلصت دراسة بحثية نشرها المركز العربي للأبحاث في واشنطن، إلى أن
المسلحين المتشدّدين في شبه جزيرة سيناء ما زالوا نشطين، ويُشكّلون تهديدا خطيرا
للأمن القومي المصري، وذلك على الرغم من انخفاض وتيرة الهجمات خلال السنوات
الأخيرة.
وطالبت الدراسة، التي أعدّها أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
والباحث بالمركز العربي في واشنطن، خليل العناني، الحكومة المصرية بـ “اتخاذ
إجراءات لحماية جنودها ومدنييها من هجمات المسلحين، بما في ذلك فصل القادة
العسكريين المسؤولين عن الفشل الذي طال أمده في سيناء، بدلا من استخدام الحرب على
الإرهاب كأداة لجذب الدعم السياسي محليا أو خارجيا”.
وأشارت الدراسة، التي قامت “عربي21” بترجمتها، إلى مقتل ما
لا يقل عن 16 جنديا مصريا، خلال أيار/ مايو المنصرم، في هجومين منفصلين في شبه
جزيرة سيناء، وتم تبني الهجمات من قِبل ولاية سيناء، الفرع المصري لما يسمى بتنظيم
الدولة، والذي كان نشطا في شنّ هجمات على الجيش المصري على مدى السنوات الثماني
الماضية.
هجمات دامية
وأضافت “كانت ضربات أيار/ مايو الماضي الأكثر دموية خلال السنوات
الأخيرة؛ عقب فترة من الهدوء والتأكيدات المستمرة من قِبل الحكومة المصرية بأنها
قضت على الإرهاب في سيناء. ومع ذلك؛ فإن عودة اعتداءات ولاية سيناء يثير العديد من
التساؤلات حول القدرات والتكتيكات العسكرية للجماعة، وما إذا كانت موجة جديدة من
الهجمات تلوح أفق مصر، وحول مدى ما إذا كانت إستراتيجية مصر في مكافحة التمرد
قابله للتطبيق أو فعالة”.
ونوّهت الدراسة إلى أنه “خلال الأعوام العشرة الماضية كانت سيناء
بؤرة الهجمات الإرهابية في مصر والقاعدة التي يشن منها المسلحون الإسلاميون تمردهم
ضد الحكومة المصرية، واستهدفت هجماتهم بشكل أساسي قوات الأمن، بما في ذلك المواكب
العسكرية ونقاط التفتيش والمنشآت، وحدثت في الغالب في مدن شمال سيناء، وبشكل بارز
في العريش والشيخ زويد ورفح”.
وأردفت: “كان نتاج العمليات العسكرية المصرية، انتقال أنشطة
ولاية سيناء خلال السنوات القليلة الماضية إلى الجزء الغربي من شمال سيناء، لا
سيما إلى مدينة بئر العبد؛ التي شهدت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 واحدة من أعنف
الهجمات المتطرفة في تاريخ مصر. عندما اقتحم مقاتلو ولاية سيناء مسجد الروضة؛ مما
أدى إلى إصابة 128 شخصا وقتل أكثر من 300 شخص بينهم 27 طفلا”.
اقرأ أيضا: الجيش المصري يعلن مقتل 5 عسكريين بينهم ضابط في سيناء
تكتيكات قتال المتمردين
وتابعت الدراسة: “على مدى السنوات القليلة الماضية؛ طوّر
المسلحون إستراتيجياتهم وقدراتهم وتكتيكاتهم في قتالهم ضد القوات العسكرية
والأمنية المصرية، وكذلك ضد المدنيين الذين يتعاونون مع الجيش المصري. ومنذ مبايعة
ولاية سيناء لتنظيم الدولة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، كثفت هجماتها ضد الجيش
والشرطة المصرية”.
وأكملت: “على الرغم من أن أعداد القتلى والجرحى من المسلحين
والقوات المصرية غالبا ما تكون موضع خلاف؛ فقد ادعى الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي أنه منذ عام 2013، قُتل أكثر من 3000 من أفراد الجيش والشرطة في الحرب ضد
الإرهاب، بينما أصيب أكثر من 12000”.
كما أشارت الدراسة إلى أن “السيسي ذكر أنه منذ عام 2013، أنفق
الجيش المصري أكثر من 80 مليار جنيه مصري – أي ما يعادل أكثر من أربعة مليارات
دولار أمريكي – لمحاربة التمرد في سيناء”.
وأكملت: “تعكس هذه الأرقام ضراوة حرب مصر على الإرهاب، وتكشف
أيضا عن تحسن ملحوظ في التكتيكات القتالية والقدرات العسكرية لولاية سيناء؛ فالقوة
العسكرية للجماعة غير مسبوقة ولا مثيل لها في تاريخ حركات التمرد في مصر، والذي
يمتد إلى الخمسينيات من القرن الماضي”.
وأوضح أن ولاية سيناء “تستخدم طريقتين للحرب: الأولى تشمل
الهجمات على المدن والبلدات باستخدام مزيج من السيارات المفخخة والتفجيرات
الانتحارية والاغتيالات المستهدفة، والثانية تتمثل في حرب العصابات باستخدام وحدات
متحركة تستخدم تكتيكات الكر والفر ضد قوات الأمن والأهداف العسكرية”.
هذه التكتيكات مكّنت المسلحين، وفق الدراسة، من الانخراط في “حرب
غير متكافئة ضد الجيش المصري، الذي يبدو أنه يفتقر إلى الخبرة في التعامل مع هذه
الأنواع من التكتيكات، والذي يعتمد في حد ذاته على استراتيجيات عسكرية أكثر
تقليدية”.
وقالت الدراسة: “تثير جودة وارتقاء عمليات المسلحين تساؤلات حول
قدراتهم الاستخباراتية ومدى قدرتهم على التسلل إلى الجيش المصري”.
وأوضحت أن “ولاية سيناء تتبنى على ما يبدو أسلوب الاستنزاف في
قتالها ضد الجيش المصري؛ حيث يسعى مقاتلوها، الذين فشلوا في الاستيلاء على الأراضي
أو السيطرة على المدن أو الاستيلاء على القرى، إلى إرهاق القوات المسلحة المصرية
وترويع جنودها وردع السكان المحليين الذين يتعاونون معهم. ويبدو أن هذا التكتيك
يعمل لصالحهم حتى الآن”.
استراتيجية مكافحة التمرد
ولفتت الدراسة إلى أن “الجيش المصري نفذ على مدى العقد الماضي
عدة عمليات لمكافحة التمرد في شبه جزيرة سيناء من أجل التخلص من المسلحين
الإسلاميين، إلا أن هذه العمليات لم تحقق نجاحا كبيرا؛ مما يثير عدة تساؤلات حول
جدوى إستراتيجية الحكومة، فضلا عن قدرتها على الحفاظ على الأمن والاستقرار في
سيناء”.
وشدّدت الدراسة على ضرورة أن تقوم السلطات المصرية بـ “معالجة أي
استراتيجية لمكافحة التمرد من حيث الأسباب الجذرية الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية للإرهاب في سيناء وبقية البلاد، خاصة أن تبني رد عسكري أحادي التوجه
أثبت أنه غير كاف وغير فعال في القضاء على خطر الإرهاب، بل أدى إلى تفاقم الوضع في
سيناء”.
وقالت: “يجب أن تأخذ أي استراتيجية لمكافحة التمرد في الحسبان
السكان المحليين في سيناء وتدعم حقوقهم الإنسانية الأساسية”، مشيرة إلى أن
“بعض العمليات العسكرية في سيناء تلحق الضرر بمعيشة السكان وتجعلهم ينفرون
فعليا، وتوفر للمتطرفين أرضا خصبة للتجنيد والتعبئة ضد الدولة المصرية”.
وذكرت أن “محاربة الإرهاب ليست مسؤولية الحكومة فحسب، بل هي عبء
يجب أن يتحمله المجتمع ككل. لذلك هناك حاجة ماسة لمزيد من الانفتاح السياسي
والحرية، الأمر الذي يمكن أن يحشد المجتمع المصري وراء حكومته لدعم حربها ضد
الإرهاب. وما لم تعالج هذه القضايا ستظل مصر عالقة في حلقة مفرغة وستكافح الإرهاب
دون تحقيق أي نجاح حقيقي”.
وكانت أول حملة عسكرية كبيرة لمكافحة الإرهاب للقوات المسلحة المصرية
في سيناء قد انطلقت عقب اندلاع ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وذلك في أعقاب
تصاعد أنشطة المتشدّدين في شبه الجزيرة.
ومنذ عام 2011 وحتى اليوم، نفذ الجيش المصري 7 عمليات عسكرية لمواجهة
المسلحين المتمردين في سيناء. هذه العمليات حملت أسماء: (نسر1، ونسر2، وحق
الشهيد1، وحق الشهيد2، وحق الشهيد3، وحق الشهيد4، والعملية الشاملة).
المصدر: العربي 21