قبل نحو شهر من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، المقررة 15 و16 تموز/ يوليو المقبل، للسعودية، ولقائه المحتمل بقادة الخليج ومصر والأردن والعراق، يؤدي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارة خارجية يبدأها بمصر ثم الأردن وتركيا، ما يثير التساؤل عن أهم الملفات التي يناقشها بالقاهرة.
وبحسب وكالة “رويترز” فإن ابن سلمان، الذي يقوم بأولى جولاته خارج إقليم الشرق الأوسط منذ نحو 4 سنوات؛ سيلتقي برئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الاثنين، لبحث قضايا، تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة، والاستعدادات لزيارة بايدن، للسعودية.
“7 زيارات لمصر”
وزار ابن سلمان، مصر 3 مرات عام 2015، التقى فيها السيسي في 14 نيسان/ أبريل، و29 تموز/ يوليو، و15 كانون الأول/ ديسمبر، لتتكرر الزيارة بصحبة الملك سلمان بن عبدالعزيز في 7 نيسان/ أبريل 2016، والتي جرى خلالها توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين.
ولم يشهد العام 2017، أية زيارة لابن سلمان إلى مصر، لكنه زارها مطلع آذار/ مارس 2018، بأول زيارة له للقاهرة كولي للعهد، لتتكرر زيارته للقاهرة في تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام.
وفي 11 حزيران/ يونيو 2021، كانت الزيارة السابعة لمصر، حيث التقى ابن سلمان، والسيسي بمدينة شرم الشيخ، فيما تكررت بالطبع لقاءاتهما في الرياض، والتي كان آخرها زيارة السيسي للسعودية في آذار/ مارس الماضي.
“الاقتصاد.. أهم الملفات”
ولكن، زيارة ابن سلمان إلى القاهرة، الاثنين، تأتي في ظل تصدر ملفات هامة اقتصادية وسياسية تجمع القاهرة والرياض، وأخرى تخص دولا إقليمية بينها تركيا، وإسرائيل.
الاقتصاد، أولى تلك الملفات وفق مراقبين، خاصة وسط معاناة مصر اقتصاديا وماليا، وسعيها للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، وسط تراجع أرصدة الاحتياطي الأجنبي، بنحو 1.629 مليار دولار، لتبلغ 35.5 مليار دولارا نهاية آيار/ مايو الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي.
وبرغم إيداع السعودية في آذار/ مارس الماضي، 5 مليارات دولار بالبنك المركزي المصري، والإعلان عن استثمارات 10 مليارات دولار بين “صندوق مصر السيادي”، و”صندوق الاستثمارات السعودي”، إلا أن السيسي وفي 13 حزيران/ يونيو الجاري، طالب دول الخليج وبينها السعودية بتحويل ودائعها بمصر إلى استثمارات.
وتضع السعودية، عينيها على العديد من الأصول والشركات والمشاريع المصرية، وذلك في سباق محموم مع الإمارات التي تستحوذ على الكثير من الأصول المصرية متفوقة على المملكة في هذا الإطار.
وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع، قالت في 9 حزيران/ يونيو الجاري، إن القيادة السياسية بالبلدين تدعم وتساند تعزيز حركة الاستثمارات بالبلدين، فيما كانت الوزيرة قد تحدثت في يونيو/ حزيران 2021، عن 30 مليار دولار استثمارات سعودية بمصر.
“القاهرة أنقرة”
ثاني الملفات الهامة بحسب مراقبين، هي العلاقات المصرية التركية، التي تشهد تباطؤا لافتا بخطوات التطبيع الجاري بين البلدين منذ 2021، بسبب الكثير من القضايا الخلافية التي تفجرت إثر رفض تركيا الانقلاب العسكري بمصر منتصف عام 2013.
وعلى الرغم من التصريحات الإيجابية الصادرة من أنقرة من آن إلى آخر، وزيارة وزير المالية التركي نور الدين نباتي للقاهرة 26 أيار/ مايو الماضي، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تصل مرحلة التطبيع الدبلوماسي وتعيين السفراء.
ويرى مراقبون، أن طاولة بحث ابن سلمان في تركيا قد تكون بينها العلاقات بين القاهرة وأنقرة الملف الهام للأخيرة، خاصة وأن ولي العهد السعودي يسعى للتوافق مع تركيا بعد غلق ملف مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده في اسطنبول تشرين الثاني/ أكتوبر 2018.
وما يرشح ابن سلمان لهذا الدور، هو تحرره من الجمود الذي طاله وفرضته واشنطن عليه منذ أزمة مقتل خاشقجي، إلى جانب رغبة تركية سعودية في نسيان خلافاتهاما وبدء صفحة جديدة، وزيارة قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض 28 نيسان/ أبريل الماضي.
“تيران وصنافير”
ثالث الملفات الهامة، والتي جرى تفجيرها قبل أسابيع في صحف عبرية وأجنبية وهو ملف تسليم جزيرتي “تيران وصنافير” بشكل نهائي للسعودية، والحديث عن دور إسرائيلي بهذا الملف، ووساطة أمريكية بين الرياض وتل أبيب.
وفي 24 أيار/ مايو الماضي، كشف موقع “والا” العبري، أن واشنطن تتوسط سرا بين إسرائيل والسعودية ومصر لتأمين تسوية يكتمل على أساسها نقل الجزيرتين لسيادة الرياض، وبحث وضع قوات المراقبة الدولية الموجودة بالجزيرتين منذ اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية 1978.
وهي التقارير التي تدفع للتكهن حول ما إذا كان هذا الملف سيكون حاضرا في مباحثات ابن سلمان والسيسي، خاصة وأنه يأتي في ظل رغبة أمريكية لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
“ملفات شائكة ومتشابكة”
وفي توقعه لماهية الملفات التي قد يناقشها ابن سلمان والسيسي، قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية ممدوح المنير، إن “زيارة ولي العهد السعودي لمصر بمستهل جولته الخارجية تأتي في ظل معالجة ملفات شائكة، الرياض والقاهرة محورها”.
وفي حديثه لـ”عربي21“، أضاف أن “السيسي يريد الدعم المالي السعودي، وأوصل رسائله بهذا المضمون بكل الطرق المباشرة وغير المباشرة، بالأسلوب الرسمي، وغير الرسمي كذلك؛ وبالتالي أعتقد أن هذا سوف يكون الملف الأهم على طاولة النقاش بين ابن سلمان والسيسي”.
وعما يثار عن ملف جزيرتي “تيران وصنافير”، قبيل حضور بايدن إلى السعودية، يعتقد الباحث المصري أن “السعودية من جانبها تريد استكمال انتقال الجزيرتين لملكيتها الكاملة؛ وهي الورقة التي ترغب فيها تل أبيب بشدة لتحييد الممر الملاحي الأهم بالنسبة لها”.
ويرى أنه “في المقابل فإن الرياض تريد مزيدا من الدعم الصهيوني في مواجهة إدارة بايدن، والتي يغلب على العلاقة بينهما التوتر خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية”.
ولخلص المنير، الموقف بقوله: “نحن إذا أمام ملفات متشابكة، السيسي يريد المال من ابن سلمان، وتل أبيب تريد تيران وصنافير من السعودية، وابن سلمان يريد علاقات جيدة مع واشنطن” .
وعن احتمالات تلبية ولي العهد السعودي طلب السيسي بتحويل ودائع المملكة إلى استثمارات في مصر، يتوقع الباحث المصري، أن “يقبل ابن سلمان بتحويل جزئي وليس كلي لودائع الرياض إلى استثمارات كما طلب السيسي حتى ينهي ملف تيران وصنافير سريعا”.
ويعتقد أن “تحويل ابن سلمان كامل الودائع إلى استثمارات غير ممكن لأنها ستفقده ورقة رابحة في الضغط على النظام في مصر”.
وأشار إلى أنه “في ظل لهفة ابن سلمان، على تحسين علاقته بإدارة بايدن، وتصفير المشكلات معها خصوصا ملف خاشقجي، الذي يمثل صداعا مزمنا له، لن يتأخر عن تسديد أي فاتورة لتل أبيب كي تساعده في ذلك، سواء عبر الجزيرتين المصريتين أو فتح الأجواء السعودية للطيران الصهيوني أو مزيد من التطبيع”.
وبشأن وساطة ابن سلمان، بين مصر وتركيا لاستعادة العلاقات بينهما، يعتقد المنير، أنه سيكون مطروحا للنقاش أثناء الزيارة، ولكنه يظل ملفا هامشيا وغير حيوي؛ فليس من مصلحته تقاربا تركي مصري، ولكنه سيطرح حتى يجد ابن سلمان شيئا يقوله لأردوغان حين يجلس معه بعد زيارته القاهرة”.
“مركب واحد”
وفي قراءته لاحتمالات قيام ابن سلمان بدور الوسيط بين السيسي وأردوغان، قال مدير “منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية” بالقاهرة، محمد حامد: “العلاقات المصرية التركية كما هي وليست بحاجة لوساطة لأن هناك محادثات مباشرة بالفعل لتطبيع العلاقات”.
وفي حديثه لـ”عربي21“، توقع أن يكون هدف “الزيارة لمصر التنسيق الشامل بكافة الجوانب للقمة العربية الأمريكية بالسعودية، وتسليم مصر دعوة رسمية بالزيارة لحضور القمة “.
وأشار الباحث المصري، إلى أن “ملف الاقتصاد حاضر دوما بين القاهرة والرياض؛ ومصر ترغب في تعزيز الاستثمارات السعودية لديها، شرط جديتها مع تغيير الاستراتيجية المصرية في التعامل مع المستثمر ومكافحة البيرقراطية والفساد، وهذه أصبحت أولوية قصوى للدولة المصرية حاليا”.
اقرأ أيضا: قمة لمصر والأردن والبحرين بشرم الشيخ قبيل جولة ابن سلمان
ويرى أن “مصر والخليج في مركب واحد هدفه الحفاظ على استقرار المنطقة وتعزيز المنافع الاقتصادية بهدف الاستفادة المتبادلة التي تعم على كافة شعوب المنطقة”.
وعما يثار عن ملف تيران وصنافير، ووجود ما ينفي أو يؤكد ما قالته الصحف العبرية، ومدى تطرق اللقاء لهذا الملف، قال إن “الترسيم الحدودي تم فعلا عام 2016، ولا مجال لفتحه مرة أخرى، والجزر سعودية حاليا”.
وتحدث حامد، عن وجود “وساطة أمريكية لحل هذا الملف الشائك بين السعودية وإسرائيل، وأن وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير، وألمح له أكثر من مرة بقوله إن السعودية ملتزمة بالملحق الأمني لاتفاقية (كامب ديفيد) الذي يشمل المنطقة (ج) الخاصة بالجزيرتين”.
المصدر: العربي 21