تعيش محافظة شبوة، شرقي اليمن، فوضى أمنية، وسط غياب أي حضور للسلطات الحكومية هناك، بعد أن عاشت المحافظة النفطية استقرارا نسبيا ونشاطا تنمويا خلال العامين الماضيين.
يأتي ذلك، في وقت يتزايد فيه حضور الميليشيات المسلحة المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، و ينحسر دور القوات الأمنية الحكومية، وفقا لمصادر عدة، لمصلحة تلك التشكيلات التي قدمت إلى شبوة، منذ أواخر العام المنصرم وبداية العام الجاري.
لا يتوقف الأمر عند هذه الأحداث، بل برزت المخدرات وانتشارها وخاصة “مادة الشبو”، كعنوان جديد، يعصف بهذه المحافظة، ويفاقم محنة سكانها المحليين، حيث تزدهر التجارة بهذه المادة المخدرة.
وتشير معلومات من مصادر متعددة رسمية ومحلية بأن “الشبو” بدأ في الانتشار السريع في مدينة عتق، عاصمة شبوة، وعددا من المديريات التابعة لها، وسط تحذيرات من آثاره الكارثية التي تهدد المجتمع المحلي في المحافظة.
“تفكيك أجهزة الدولة”
وتعليقا على هذا الأمر، قال صالح الجبواني، وزير النقل اليمني السابق، إن ما يحدث في محافظة شبوة نتيجة للقرار التعسفي الذي أصدره الرئيس المعزول عبدربه منصور هادي بتغيير محافظ المحافظة حينها، محمد صالح بن عديو بناء على أوامر سعودية إماراتية.
وأضاف الجبواني في تصريح لـ”عربي21” إن قرار هادي أواخر العام المنصرم بناء على رغبة الرياض وأبوظبي، أعاد بالمحافظة إلى حظيرة المليشيات الإماراتية من خلال جلب ألوية العمالقة وما يسمى قوات “دفاع شبوة” وهي قوات من خارج المحافظة.
واتهم وزير النقل اليمني السابق، القيادة الحالية لشبوة بـ”تفكيك الجهاز العسكري والأمني الذي كان يقوم بحفظ الأمن والنظام العام في المحافظة الغنية بالنفط”.
وأكد المسؤول اليمني السابق: “يبدو أن انتشار المخدرات والفوضى في المحافظة هي سياسة إماراتية كنوع من (التأديب) لهذه المحافظة التي انتفضت في وجه الدولة الخليجية ومليشياتها في آب/ أغسطس 2019 وطردتها منها”.
وأشار إلى أنه “كانت شبوة شرعية 100 بالمئة، ولا توجد أي قوات من خارج المحافظة إلا بؤرتين الأولى منشأة بالحاف الغازية على بحر العرب والثانية معسكر العلم شمال شرقها”.
ومضى الجبواني قائلا: “واليوم تعج محافظة شبوة بالمليشيات المسلحة من خارجها، ولم تقم بأي مهام حتى أن عتق (عاصمتها وكبرى مدنها) تعيش كل ليلة حرب قبلية منذ فترة ولم تحرك المليشيات ساكنا”.
وشدد أن الوضع الفوضوي الذي تعيشه المحافظة “نتيجة منطقية لسياسة التحالف وعملائه فيها، الذين تآمروا على قياداتها الوطنية السابقة، وإبعادها خارج البلاد”.
وكان الرئيس اليمني قد أصدر أواخر ديسمبر/ كانون أول 2021، مرسوما رئاسيا، بإبعاد بن عديو عن منصبه كمحافظ لشبوة، وتعيين مقرب من دولة الإمارات بديلا عنه.
وبرز محافظ شبوة السابق كواحد من المسؤولين اليمنيين، الذين تصدروا واجهة الدعوات والمطالب بإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في المحافظة، وتحديدا في منشأة بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي عبر بحر العرب.
“إبعاد الوحدات الحكومية”
وفي الأشهر الأخيرة، أبعدت وحدات من الجيش والشرطة من عدد من المقار والمرافق الحكومية في مدينة عتق، بتوجيهات من قيادة السلطة المحلية الموالية لأبوظبي ـ بحسب مصادر محلية مسؤولة ـ وسلمت إلى ميليشيات “دفاع شبوة”، وهي خليط من ميليشيات انفصالية وأخرى موالية لطارق نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، ، الذي أصبح عضوا في مجلس القيادة الرئاسي في نيسان/ أبريل الماضي.
كما عصفت بالمحافظة أحداث أمنية عدة في الأسابيع الماضية، من اشتباكات مسلحة، وهجمات على خطوط نقل النفط والغاز، في مشهد يثير قلق الأوساط المحلية الشبوانية.
وفي نهاية أيار/ مايو الماضي، قتل 5 عناصر وأصيب 9 آخرون من قوات “دفاع شبوة” (غير نظامية) المدعومة من الإمارات بانفجار وكمين في محافظة شبوة.
وذكرت اللجنة الأمنية (أعلى سلطة أمنية بالمحافظة) أن ثلاثة جنود قتلوا وأصيب خمسة آخرون، في هجوم استهدف دورية أمنية تابعة لقوات دفاع شبوة في مدينة عتق، عاصمة المحافظة النفطية.
وفي أيار/ مايو الماضي، أخلت وحدة عسكرية من اللواء 107 في الجيش الحكومي قطاع جنة النفطي في مديرية عسيلان، شمال شبوة، حيث كانت مكلفة بمهام حماية وتأمين هذا القطاع الذي تشغله شركة هنت الأمريكية، وسلمته لميليشيات اللواء السادس عمالقة، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي، بأوامر من قيادة التحالف في الرياض.
“عبث وإحلال ميليشيات”
من جانبه، اتهم مصدر محلي مسؤول قيادة التحالف بالمسؤولية عن الحالة الأمنية المتدهورة في محافظة شبوة، بفعل سياساتها العبثية وإحلال الميليشيات بدلا عن الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية.
وقال المصدر في تصريح لـ”عربي21” مشترطا عدم كشف هويته لحساسية الأمر، إن التحالف عمل على نقل الملشنة والفوضى والدمار والخراب في عدد من المدن، كما هو حال، مدينة عدن ( العاصمة المؤقتة) إلى شبوة، التي شهدت استقرارا أمنيا ونشاطا تنمويا حتى أواخر العام 2021.
وتابع: “يجري نقل هذه الحالة إلى مواقع شركات النفط والغاز لتدمير بنيتها التحتية وإيقافها عن العمل بدلا من التركيز على فتح ميناء بالحاف لتصدير الغاز المسال، الذي حولته دولة الإمارات إلى ثكنة عسكرية منذ العام 2016”.
اقرأ أيضا: ما هي فرص استمرار الهدنة “الهشة” في اليمن؟
وأوضح المصدر المحلي المسؤول أن ما هو مؤسف، أنه يتم تعطيل هذه المصادر الاقتصادية والحيوية بأياد محلية، وهي ميليشيات مسلحة، شكلت وسلحت ومولت، ويجري، إحلالها بدلا عن القوات الحكومية.
وأكد المصدر على أن قبول وحدات الجيش والأمن بتسليم مقارها ومواقعها، يأتي بناء على توجيهات من جهات رسمية، التي للأسف، تنفذ سياسات السعوديين والإماراتيين، لافتا إلى أن القوات الحكومية ليس لديها ترف الرفض لهذه الأوامر، رغم أن المخطط واضح بإقصائها وإبعادها وإضعافها في النهاية.
ونيسان/ أبريل الماضي، فجّر مسلحون، خطا لنقل الغاز في محافظة شبوة جنوب شرق اليمن، في حادثة لا تعد الأولى من نوعها في المحافظة الغنية بالنفط.
واستهدف المسلحون المحليون المجهولون خط نقل الغاز في منطقة تقع على بعد 80 كلم عن ميناء بلحاف جنوبي مدينة عتق، عاصمة المحافظة، على الرغم من أن التصدير متوقف منذ العام 2015، وفق ما صرح به مصدر يمني مسؤول لـ”عربي21″ وقتئذ.
المصدر: العربي 21