يعود أول وصف محتمل لظاهرة الشفق القطبي الفاتنة إلى ما يقارب 3 آلاف عام، ومع ذلك، ما يزال العلماء يكشفون ظواهر شفقية غير مسجلة من قبل.
وقد تكون “ستيف” أحدث مثال على الظواهر الضوئية الغامضة، التي اكتشفت حديثا، مع ظهور أول منشور علمي حولها في عام 2018، والتي ما تزال تحمل الكثير من الغموض الذي يحير العلماء إلى يومنا هذا.
وما يعرف عن الظاهرة حتى الآن هو أنها على الأرجح ليست شفقا قطبيا على الإطلاق، ويبدو أن دراسة حديثة لا تؤكد ذلك فقط، بل وتقدم تفسيرا محتملا حول أصولها وطبيعتها.
وفي 17 مارس 2015، اخترق قوس من الضوء الأحمر الدموي السماء على ارتفاع مئات الأميال فوق نيوزيلندا.
وعلى مدار النصف ساعة التالية، لاحظ أحد مراقبي السماء الهواة ذلك القوس وهو يتحول أمام عينيه إلى واحد من أكثر الألغاز الجوية المحيرة على الأرض، العرض الضوئي الغريب المعروف باسم “ستيف” (STEVE)، وهو ما كشفته الصور التي تم إصدارها حديثا.
وإذا كنت لا تعرف معنى “ستيف” (STEVE)، فهي اختصار للعبارة الإنجليزية Strong Thermal Emission Velocity Enhancement، أي “تعزيز سرعة الانبعاثات الحرارية القوية”.
وأكد العلماء الذين درسوا هذه الظاهرة، أن “ستيف” لم يكن شفقا قطبيا، وهو التوهج متعدد الألوان الذي يظهر عند خطوط العرض العالية عندما تصطدم جزيئات الطاقة الشمسية بالذرات المرتفعة في الغلاف الجوي للأرض. وبدلا من ذلك، كانت “ستيف” ظاهرة منفصلة وفريدة من نوعها “غير معروفة تماما” للعلم.
وعلى عكس الأضواء الشمالية (الشفق القطبي)، التي تميل إلى الوميض في نطاقات عريضة من الضوء الأخضر أو الأزرق أو المحمر اعتمادا على ارتفاعها، تظهر ظاهرة “ستيف” عادة كشريط واحد من الضوء الأبيض-الأرجواني، الذي يرسل خطوطا مستقيمة لأعلى لمئات الأميال.
وفي بعض الأحيان يكون مصحوبا بخط أخضر متقطع من الأضواء يُعرف بظاهرة “سياج الوتد” (picket fence). ويظهر كل من “ستيف” ورفيقه السياج أقل بكثير في السماء من الشفق القطبي النموذجي، في جزء من الغلاف الجوي يُعرف باسم المنطقة تحت الذرية، حيث من غير المحتمل أن تتعدى الجسيمات الشمسية المشحونة.
والآن، قام بحث جديد نُشر في مجلة Geophysical Research Letters بربط “ستيف” بهيكل آخر تحت ذري، يُعرف باسم أقواس الشفق الأحمر المستقرة (SAR)، لأول مرة.
وفي الدراسة الجديدة، قارن الباحثون لقطات من New Zealand Skywatch’s مارس 2015 مع ملاحظات الأقمار الصناعية المعاصرة وبيانات من جهاز تصوير السماء بالكامل في مرصد ماونت جون التابع لجامعة كانتربري القريبة. وأعطى الجمع بين هذه المصادر الثلاثة الباحثين نظرة شاملة على مظهر “ستيف” غير المتوقع في تلك الليلة.
وبدأ عرض السماء، أحمر اللون، في ذلك المساء بظهور قوس الشفق الأحمر المستقر، وغطى ما لا يقل عن 185 ميلا (300 كيلومتر) فوق دنيدن في نيوزيلندا.
وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية أن ظهور القوس تزامن مع عاصفة مغناطيسية أرضية قوية – وهي تساقط جزيئات شمسية مشحونة في الغلاف الجوي العلوي للأرض – استمرت لمدة نصف ساعة تقريبا.
ومع انحسار العاصفة، أفسح القوس الأحمر المجال تدريجيا للخط البنفسجي المميز لـ “ستيف”، والذي اخترق السماء في نفس المكان تقريبا.
وقبل أن يتلاشى عرض “ستيف” مباشرة، لمع هيكل السياج الأخضر في المشهد.
ووفقا للباحثين، هذا هو أول حدث مسجل لجميع الهياكل الثلاثة التي تظهر في السماء معا، واحدة تلو الأخرى – وربما تكشف عن أدلة جديدة حول تكوين وتطور ظاهرة “ستيف”.
وكتب الباحثون في الدراسة الجديدة: “تختلف هذه الظواهر عن الشفق القطبي، حيث يبدو أن بصماتها الضوئية ناتجة عن طاقة حرارية وحركية شديدة في الغلاف الجوي للأرض، بدلا من أن تنتجها جسيمات نشطة تتساقط في غلافنا الجوي”.
وتشير ملاحظات الأقمار الصناعية للحدث إلى أن العاصفة المغناطيسية الأرضية ليلا ربما لعبت دورا رئيسيا في هذا العرض لأضواء السماء.
وأشار الباحثون إلى أنه خلال العاصفة، ظهرت تيارات نفاثة سريعة الحركة من الجسيمات المشحونة إلى جانب قوس الشفق الأحمر المستقر. وتُعرف هذه التيارات من الجسيمات الساخنة والسريعة، والمعروفة باسم انجراف الأيونات تحت الذرية (SAID)، عادة في المنطقة تحت الصوتية في السماء أثناء العواصف المغنطيسية الأرضية. وأظهرت ملاحظات الأقمار الصناعية أيضا أن حرارة التيار وسرعته اشتدت عندما ظهرت ظاهرة “ستيف” بعد نحو 30 دقيقة.
وبحسب للباحثين، يمكن أن تكون “آلية التوليد المعقولة” لـ”ستيف” هي التفاعل بين هذه التيارات الأيونية سريعة الحركة وجزيئات النيتروجين في المنطقة تحت الذرية، عندما تصطدم الجسيمات الساخنة المشحونة بجزيئات النيتروجين، تصبح الجزيئات متحمسة، وينبعث منها ضوء بنفسجي لحرق طاقتها الزائدة”.
المصدر: لايف ساينس
المصدر: وكالات