رفض الرئيس الإيطالي “سيرجو ماتاريلا” الاستقالة التي قدمها رئيس الوزراء “ماريو دراغي” الخميس على خلفية تصدّع ائتلافه الحاكم بعد مقاطعة حركة “خمس نجوم” جلسة تصويت على الثقة، ما يدخل البلاد في أزمة سياسية ويضعها أمام احتمال تنظيم انتخابات عامة مبكرة.
وأعلنت الرئاسة الإيطالية أن الرئيس “لم يقبل الاستقالة، ودعا رئيس الوزراء إلى المثول أمام البرلمان (…) بغية إجراء تقييم للوضع”، وسط تقارير تفيد بأن “دراغي” سيمثل الأسبوع المقبل أمام البرلمان لمعرفة ما إذا يحظى بالغالبية اللازمة للبقاء في المنصب.
وكان “دراغي” قد أعلن خلال جلسة للحكومة أنه سيقدم استقالته للرئيس، مشيرا إلى أن الشروط اللازمة لاستمرار الائتلاف الحكومي “لم تعد قائمة” وأن “ميثاق الثقة الذي تقوم عليه الحكومة لم يعد موجودا”.
وباتت البلاد تترقب الخطوة التالية لـ “دراغي” في خضم أزمة تأتي على وقع سعي الحكومة الإيطالية للتصدي لتضخم متسارع وإجراء إصلاحات يطلبها الاتحاد الأوروبي مقابل الحصول على تمويل لمرحلة ما بعد الجائحة.
وكان زعيم حركة خمس نجوم “جوزيبي كونتي” قد أعلن الأربعاء، أن أعضاء مجلس الشيوخ من حزبه لن يشاركوا في جلسة التصويت على الثقة الذي طلبته في البداية السلطة التنفيذية.
وحازت الحكومة الثقة في التصويت الذي أجري الخميس، لكن “دراغي” سبق أن حذّر مرارا من أنه لن يبقى في رئاسة الحكومة من دون دعم الحركة، ما يضع الإيطاليين أمام احتمال التوجه إلى صناديق الاقتراع.
ويضم الائتلاف الحكومي كل القوى السياسية الممثلة في البرلمان باستثناء حزب “فراتيلي ديتاليا” اليميني المتطرف.
وكان دراغي قد تولى رئاسة حكومة “وحدة وطنية” في مطلع العام 2021، مهمتها التصدي للجائحة والأزمة الاقتصادية التي نجمت عنها.
لكن رئيس الوزراء يعتبر أن حكومته من دون دعم “خمس نجوم” تصبح “سياسية” وهو ما لا يدخل ضمن التفويض المعطى له لرئاسة الحكومة.
وقال الخميس: “لطالما قلت منذ خطاب التنصيب الذي ألقيته في البرلمان أن الحكومة ستبقى قائمة فقط في حال تمتعت برؤية واضحة لتحقيق البرنامج الحكومي الذي منحت القوى السياسية ثقتها على أساسه”.
“تسوية اللحظات الأخيرة؟”
وكانت الجلسة قد عقدت للمصادقة على مشروع قانون يتضمن تدابير تبلغ قيمتها حوالي 23 مليار يورو لمساعدة العائلات والشركات في مواجهة التضخم، ويتضمن أيضا إجراء لتسهيل بناء محرقة للنفايات في روما.
وتعارض حركة خمس نجوم بناء محارق تعتبر أنها مكلفة ومسببة للتلوث وغير فعالة ولا تشجع السكان على فرز النفايات.
وفازت “خمس نجوم” في الانتخابات التشريعية الأخيرة في 2018 بحصولها على 32 % من الأصوات وأغلبية نسبية في البرلمان، ولم تكفّ منذ ذلك الحين عن التراجع في نوايا التصويت ولا تتجاوز نسبة التأييد لها اليوم 10 أو 11%. وقد انسحب منها عدد من النواب.
وانشق ثلث نوابها (حوالي 50 نائبا) وتبعوا زعيم الحركة السابق وزير الخارجية الحالي “لويجي دي مايو” الذي أنشأ مؤخرا حزبه الخاص “معا من أجل المستقبل”.
الكرة في ملعب “دراغي”
وسجّلت بورصة ميلانو تراجعًا بأكثر من 3% بعد ظهر الخميس، في مؤشر على اضطراب الأسواق على خلفية التوترات في الحكومة.
ويسعى رئيس الدولة إلى تجنب حملة تستغرق وقتا طويلا واقتراع في وقت تواجه البلاد عواقب الغزو الروسي لأوكرانيا وموجة جديدة من وباء كوفيد ويفترض أن تُعَد ميزانية 2023 وتطبق كل الإجراءات المطلوبة من الاتحاد الأوروبي للاستفادة من نحو مئتي مليار يورو ممنوحة لروما في إطار نظام الاتحاد الأوروبي.
وسعى اليمين المتطرف إلى استغلال الأزمة مع مطالبة حزبي “الرابطة” المناهض للمهاجرين والمنضوي في الائتلاف الحكومي، و”فراتيلي ديتاليا” بالدعوة لانتخابات مبكرة.
لكن من غير المرجح أن يدعم أي من الحزبين حكومة تصريف أعمال أو حكومة برئاسة دراغي لا تشارك فيها حركة “خمس نجوم”.
ومن شأن مثول “دراغي” أمام البرلمان في جلسة تصويت جديدة على الثقة ان تمنحه الدعم اللازم للاستمرار في المنصب، كما انه قد ينال ثقة حركة “خمس نجوم” التي ربما تسعى لتجنب انتخابات مبكرة قد ينجم عنها تضاؤل كتلتها.
وقال “لورنزو كودونيو” كبير اقتصاديي الخزانة الإيطالية السابق والأستاذ في كلية لندن للاقتصاد “لا أعتقد أنها تريد إسقاط الحكومة ولكنها تريد أن تكون مركز الاهتمام وأن تبدأ في التقدم في استطلاعات الرأي عبر جعل المعارضة تبدو وكأنها ليست في الحكومة”.
المصدر: وكالات