منظمة: انتهاكات حقوق الإنسان في أقسام الشرطة المصرية ممنهجة

قال تقرير حقوقي مصر، إن أقسام ومراكز الشرطة تفتقر للمعايير الدولية التي نظمت حقوق السجناء، والتي تتضمن الحد الأدني للمعيشة الآدمية للمحتجزين، لافتا إلى أن انتهاكات الإهمال الطبي والاعتداء الجسدي والتعذيب والاخفاء القسري وغياب الرقابة والمحاسبة، يتم بشكل ممنهج.

جاء ذلك في تقرير عنوان “أجساد خارج حسابات الدولة”، نشرته “الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” (غير حكومية)، الإثنين، يسلط الضوء على أوضاع الاحتجاز داخل أقسام الشرطة في مصر، حيث وثق أوضاع المحتجزين وما يتعرضون له من انتهاكات، خلال الفترة بين عامي 2016 و2021.

وخلص التقرير الذي صدر في 42 صفحة، إلى أن وزارة الداخلية تتعامل مع المحتجزين الذين يمرون على تلك الأقسام، باعتبارهم “ملفات” يجب قيد حركتها داخل الجهاز الإداري والأمني، وليس على أنهم مواطنون تتولى الأقسام التي يحتجزون بداخلها مسؤولية توفير حقوقهم التي كفلها القانون، ورعاية احتياجاتهم الإنسانية.

وحسب التقرير، فإن المحتجزين على خلفية تهم جنائية، خاصة الفئات الأكثر فقراً منهم، هم أصحاب النصيب الأكبر من الاعتداءات والانتهاكات، مقارنة بالمحتجزين على خلفية تهم سياسية، ما أرجعه التقرير إلى توقع الشرطة حدوث تصعيد في حالة أي اعتداء بحق محتجز سياسي.

وقال إن ما أمكن توثيقه من انتهاكات بحق مُحتجزي التهم الجنائية يُعد “مروعا”، لافتا إلى تعرّض أحدهم إلى التعرية الكاملة أثناء تفتيشه عند وصوله للقسم، فضلا عن تعرض أقارب المحتجزين للضرب المُبرح أثناء انتظارهم في طابور الزيارة.

ووثقت الجبهة حالات تسبب هذا النوع من الضرب فيها بنزيف للمحتجزين، وفي إحدى تلك الحالات ترك المحتجز في الشمس مقيدا دون رعاية طبية.

وفقاً للتقرير الذي لفت أيضاً إلى حادثة تأديب إحدى المُحتجزات في قسم المرج عن طريق الضرب على أيدي ضباط كلهم من الرجال، وهو ما يمثل عامل ترهيب إضافيا على النساء في ظل غياب أي آليات تأديبية أخرى.

وعلى صعيد الرعاية الصحية، بيّن التقرير أن الشهادات التي وثقها تكشف عدم القيام بكشف طبي من قِبل أطباء أو ممرضين على المحتجزين عند دخول أقسام الشرطة، سواء كان ذلك بعد نقلهم من مقر احتجاز رسمي آخر، أو بعد ضبطهم لأول مرة.

ولفت إلى حالة محتجزة لم تتعرض لرعاية صحية بعد وصولها لأحد أقسام الشرطة، بعد تعرضها لتحرش جنسي وضرب وصعق بالكهرباء في أحد مقار الأمن الوطني، وفقًا لشهادة من المحتجزة نفسها.

وتابع: “تزداد حساسية غياب الرعاية الصحية في الأقسام، في ظل رصد وصول أعداد المحتجزين في القسم الواحد إلى المئات، وكان أكبر تعداد مسجل هو 800 محتجز الذين تواجدوا في قسم المرج”.

وأكد أن الأقسام لا تقدم أيه أدوية، بل يتحمل المحتجزون نفقة جلب أدوية من الخارج حتى لو كانت لإسعاف محتجزين آخرين.

في حين أفادت بعض المعلومات المتوفرة لدى “الجبهة المصرية”، أن الأقسام تتخوف من السماح بالأدوية في أحيان كثيرة، خشية أن تستخدم في تصنيع المخدرات، إلا أن التقرير أشار إلى انتشار المخدرات داخل كافة الأقسام بعلم وتواطؤ من أفراد الشرطة وأمناء الشرطة، حيث “أفاد بعض المحتجزين السابقين أن أفراد الشرطة يكونون ضالعين بشكل مباشر في إدخال المخدرات للمسيرين” مقابل مبالغ مالية، ويقوم هؤلاء بدورهم بتوزيعها داخل غرف الحجز.

وتجد تلك المخدرات، وفق التقرير، طريقها إلى الأحداث كذلك، والمسيرين، هم محتجزون مقربون من أفراد الشرطة تعينهم، بشكل غير رسمي، لممارسة سلطة إدارة غرف الاحتجاز على المحتجزين.

أما على صعيد الرعاية الصحية للحوامل، فقد وثقت الجبهة بشكل غير مباشر، نماذج محتجزات تواجدن داخل الحجز أثناء فترة الحمل وبعد الوضع، واحتُجزت إحداهن لمدة 5 أشهر على الأقل من حملها، ووضعت طفلها أثناء احتجازها، وظل الطفل فيه لعدة أشهر.

وقال التقرير إن المقابلات التي أجريت مع محتجزات سابقات، أفادت بأن النساء الحوامل والأمهات الحاضنات لأطفالهن يمكثن داخل الأقسام في “أوضاع كارثية”، فضلا عن بقاء النساء الحوامل والرضع في غرف مكدسة وسيئة التهوية ولا تدخلها أشعة الشمس، ودون إمكانية للتريض، في ظل انتشار أدخنة السجائر والمخدرات.

اقرأ ايضاً
منظمة بريطانية تنتقد أوضاع العمال في فنادق قطر قبل المونديال

كما تغيب تمامًا، وفق التقرير، أي متابعة ورعاية صحية للنساء أثناء فترة الحمل وبعد الوضع، وكذلك للرُضع بعد الولادة.

ووثقت الجبهة وجود رضيع وُلد أثناء احتجاز والدته داخل قسم المرج، ومكث معها في القسم، دون أن يتلقى التطعيمات الضرورية له.

كما لفت التقرير إلى ضبابية الإطار القانوني الحاكم للاحتجاز في أقسام الشرطة، الذي يعود إلى أن النصوص المنظمة لحقوق المحتجزين ركزت بشكل أساسي على السجناء، أي من يودعون داخل سجون والتي لا تدخل في تعريفها أقسام الشرطة.

ومع ذلك فالمادة (1 مكرر) من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي (قانون السجون سابقًا) نصت على أن مَن يُحتجز بشكل قانوني لا بد أن تسري عليه أحكام ذلك القانون، وأيضًا ما يترتب على القانون من لوائح وقرارات، أبرزها قرار وزير الداخلية رقم (79) لسنة 1961 باللائحة الداخلية للسجون، وقرار رقم (691) لسنة 1998 بشأن معاملة السجناء.

وفي حين حددت نصوص أخرى في قوانين الإجراءات الجنائية والعقوبات والشرطة ضمانات محددة لسلامة الإجراءات القانونية وحقوق المحتجزين في كثير من مراحل الاحتجاز، إلا أن التركيز على السجون أيضًا أدى إلى عدم تنظيم إجراءات الإفراج بشكل كاف يضمن ألا تقع انتهاكات للحقوق أو استمرار تواجد محتجزين داخل الأقسام دون سند قانوني بعد صدور قرار قضائي بإخلاء سبيله، حيث تطرق القانون لموعد نقل المحتجز خارج السجن بعد انتهاء مدة العقوبة دون تنظيم للعملية التالية على ذلك من نقل إلى مقرات شرطة مختلفة قبل الإفراج عنه من مقر الشرطة الأقرب إلى محل سكنه.

ويعتبر هذا التقرير، بمثابة تقرير ختامي لمشروع “مرصد أقسام الشرطة”، الذي عملت عليه “الجبهة المصرية”، بين يونيو/حزيران 2021 ومايو/آيار 2022، الذي وثق أوضاع الاحتجاز داخل 24 قسم شرطة من مختلف محافظات مصر.

وتم جمع شهادات بشأن أوضاع حجز النساء في 10 أقسام مختلفة، وشهادة عن أوضاع حجز الأحداث من أحد أقرباء محتجز سابق مر على القسم، وهو دون السن القانوني، وشهادة عابر جنسي، وشهادتين من محتجزَين سابقين ينتميان لأقليات دينية مختلفة.

ولم تتمكن الجبهة، وفق التقرير، من الوصول لمهاجرين أو لاجئين لتوثيق تجربة احتجازهم، ولكن قدر الإمكان تم جمع معلومات من مشاهدات المحتجزين السابقين الذين تحدثوا إلى الجبهة حول تجارب الأجانب في ثلاثة أقسام مختلفة.

ومنذ توليه السلطة عام 2014، عبر انقلاب عسكري منتصف العام 2013، يزج الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، وهو قائد سابق للجيش، بالآلاف من معارضيه خلف القضبان، فضلا عن التوسع في تلفيق التهم وتجاوز مدد الحبس الاحتياطي والمنع من السفر، وحجب الصحف، ومصادرة الأموال.

كما تواجه مصر، انتقادات عالمية جراء أوضاع مراكز الاحتجاز، وأنماط الانتهاكات التي يتعرض لها الأشخاص داخل السجون، مثل الإهمال الطبي، والأحوال المعيشية غير الآدمية المتمثلة في التكدس وسوء التغذية، إلى جانب المعاملة القاسية أو المهينة، والتعسف في التمكين من الحق في الزيارة والتريض ومواصلة الدراسة”.

وتزايدت اتهامات الإهمال الموجّهة إلى السلطات المصرية في السنوات الأخيرة بعد وفاة العديد من السجناء، من بينهم الرئيس السابق “محمد مرسي” والمخرج الشاب “شادي حبش”، والقياديان السابقان بجماعة الإخوان “عصام العريان” و”مهدي عاكف”.

ورغم الصعوبات التي تواجه المنظمات الحقوقية المصرية، وحتى الرسمية منها مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان في الحصول على موافقات من وزارة الداخلية لزيارة أماكن الاحتجاز والتأكد من أن المحتجزين ينالون حقوقهم المكفولة بالقانون، فإن الشهادات الواردة من المحتجزين أنفسهم أو أسرهم أو محاميهم تكشف عن رؤية مغايرة عما تحاول السلطات ترويجه.


المصدر: متابعات قطرعاجل

شاهد أيضاً

«نيلي»... وحدة إسرائيلية سرية جديدة لاغتيال عناصر «حماس»

«نيلي»… وحدة إسرائيلية سرية جديدة لاغتيال عناصر «حماس»

نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن وحدة خاصة تشكلت من عناصر أمنية واستخباراتية لتعقب وقتل عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *