في ظل تعنت النظام المصري بحق المعتقلين السياسيين ورفضه إنهاء الوضع
المزري لأكثر من 60 ألف مصري أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين، من المنتظر أن
تشهد السجون والمعتقلات المصرية في الذكرى الـ70 لثورة 23 تموز/ يوليو 1952، موقفا
موحدا من آلاف المعتقلين رفضا لأوضاعهم.
وفي 7 تموز/يوليو الجاري، دعت “رابطة الشباب المحبوسين”،
لتدشين “يوم المعتقل المصري”، السبت 23 تموز/يوليو الجاري، مطالبة جميع
المعتقلين بالسجون للدخول في إضراب رمزي محدود عن الطعام لمدة 24 ساعة، وتنظيم
وقفات احتجاجية خلف أبواب الزنازين الـ4 عصرا ولمدة ساعة.
الرابطة، التي لم تعلن عن هوية أعضائها، أكدت أن هذه هي خطواتها
الأولى وأنها ستعلن عن فعاليات لاحقة حال عدم الاستجابة لمطالب المعتقلين المشروعة
في الحرية ورفع الظلم الواقع عليهم، داعية المصريين لدعم حملتها عبر وسمي يوم المعتقل
المصري والحرية للمعتقلين.
ومنذ ذلك الحين يواصل نشطاء ومنظمات حقوقية إعلان التضامن مع
المعتقلين السياسيين وذويهم المشاركين في فعاليات “يوم المعتقل المصري”،
الذي جرى اختياره بالتزامن مع ذكرى ثورة يوليو وإطاحة ضباط الجيش بالملك فاروق عام
1952.
“خطوة للضغط”
وفي تقديره لاحتمالات نجاح دعوة “يوم المعتقل المصري”،
وتنظيم المعتقلين إضرابا جماعيا عن الطعام ووقفة احتجاجية مؤثرة، يرى الحقوقي
المصري خلف بيومي، أن “نجاح تلك الدعوة تم بالفعل إذ أصبح معلوما للجميع أن
المعتقلين أعلنوا رفضهم الانتهاكات المتكررة والممنهجة ضدهم وأكدوا رفضهم السكوت
على ذلك”.
مدير مركز “الشهاب لحقوق الإنسان” في رؤيته لما يمكن أن
تحققه الدعوة من مكاسب للمعتقلين، أوضح لـ”عربي21″، أن “المكاسب
المرجوة والمتوقعة تتوقف على درجة مدى تفاعل باقي السجون مع تلك الدعوة”.
وأشار إلى “ما يعلمه الجميع عن الإجراءات التعسفية التي تمارسها
من مصلحة السجون تجاه كل حالة من حالات رفض الانتهاكات”، مضيفا: “كما
يتوقف نجاح الدعوة أيضا على حالة التفاعل مع الحملة من الأهالي والنشطاء والقوي
السياسية، فضلا عن المنصات الإعلامية”.
وبشأن ما قد تمثله الدعوة من ضغط على النظام محليا ودوليا يساهم فك
رموز هذا الملف المؤلم، قال بيومي، إن “النظام بالفعل مضغوط داخليا وخارجيا؛
وهذه الدعوة ستنجح وتمثل ضغطا عليه إذا ما تضافر معها الجميع”.
وفي توقعه للطريقة التي قد يقابل بها النظام هذه الدعوة وهل يتبعها
موجة قمع جديدة بالسجون وموجة اعتقالات خارجها؟، أكد الحقوقي المصري أن
“الرابطة بدأت عملها منذ الإعلان عن نفسها وأطلقت عدة بيانات وحددت إجراءات
يوم المعتقل المصري وبينها الإضراب”.
وأضاف: “حتى الآن لم يرد إلينا كمنظمات حقوقية أن مصلحة السجون
تعاملت مع أحدهم بصورة من صور العنف، وحتى الآن لا نقف على من خلفها بالضبط؛ ولكن
نتمنى أن يتغير رد فعل وزارة الداخلية ومصلحة السجون مع مطالب المعتقلين”.
وتابع: “وأتمنى أن يكون هناك تعامل جاد معها من خلال إيفاد بعض
الضباط للاستماع لوجهة نظرهم وتخفيف حدة التعامل معهم وتقليل الانتهاكات التي تتعلق
بمصلحة السجون والتي تتعلق بالاعتقال العشوائي والإخفاء القسري والمحاكمات
الاستثنائية للمعتقلين”.
ولفت إلى أن “بعضها أمور ليس لها علاقة بالشرطة ولا مصلحة السجون
وفي بعض الحالات ورغم أنها الطرف الأصيل في الانتهاكات إلا أن هناك أطراف أخرى
مشاركة بالانتهاكات مثل النيابة العامة وأجهزة أمنية أخرى، ونتمنى أن يكون التعامل
إيجابي ويعطي فرصة بوجود أمل في التغيير”.
اقرأ أيضا: سجون مصر.. انتهاكات النظام تتخطى الأحياء إلى الأموات
“آلة القمع”
وفي أحدث التقارير الدولية التي ترصد أزمة المعتقلين في مصر، قالت
صحيفة “نيويورك تايمز”، الجمعة: “رغم سجن الحكام السابقين للسيسي
المعتقلين، إلا أنه حول أداة إدارية روتينية إلى آلة مصر الرئيسية للقمع”.
وبينما كان السيسي يتحضر للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن السبت في
السعودية، أشارت الصحيفة إلى اعتقال السلطات المصريين من الشوارع والبيوت،
واحتجازهم بأماكن غير معروفة ودون محامين، وعندما يظهرون يتم اتهامهم بالإرهاب
وسجنهم لمدد لا نهائية، دون منحهم الفرصة لإثبات براءتهم أمام القضاء.
وتحدثت عن أوضاع مزرية، مؤكدة أن “ظروف الاعتقال دائما ما تكون
فظيعة، زنازين مكتظة، وحرمان من الفراش والطعام والدواء، وتعرض للتعذيب”،
لافتة لوفاة مئات من المعتقلين بسبب الظروف السيئة والحرمان من العناية الطبية
والمعاملة القاسية.
“رد على الأكاذيب”
من جانبه، رأى الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبوخليل، أن “هذه
الدعوات مهمة جدا”، مشير إلى أنه “أول من نشرها ودعمها لأنها ترد على
أكاذيب النظام، والتي كان آخرها قول السيسي في ألمانيا الاثنين، إن مصر جنة
الحريات ودعوته للعالم للحضور والمشاهدة”.
أبوخليل، وفي حديثه لـ”عربي21″، أكد أن “تلك الدعوة
مهمة جدا وتعلي من صوت المعتقلين، وأن هناك يوم للمعتقل المصري، وهناك إضرابات عن
الطعام، وخصوصا أن حالات الوفيات التي نرصدها داخل السجون تزيد بصورة مضطردة
وكبيرة جدا نرصها أولا بأول”.
وأشار إلى أن “معاناة المعتقلين وظروف الاعتقال وعمليات القتل
الممنهج مستمرة على مدار 9 سنوات في المعتقلات ومراكز الاحتجاز، بعيدا عن ما يدعيه
النظام عن الحياة في دار الإصلاح والتهذيب في وادي النطرون”.
وعن دور تلك الدعوة في إثارة ملف المعتقلين المصريين دوليا، أعرب
الحقوقي المصري عن أسفه الشديد من “ازدواجية المعايير الغربية”، مشيرا
لتنكر الرئيس الأمريكي جو بايدن لانتقاداته السابقة لملف السيسي الحقوقي ولقائه
السبت في السعودية، إلى جانب زيارة السيسي لألمانيا الاثنين”.
وأكد أن “ملف المعتقلين غير مطروح دوليا الآن، وأن المصالح بين
الدول هي ما تحكم العلاقات”، ملمحا إلى “تجاوز إيطاليا أزمة مقتل جوليو
ريجيني في مصر عام 2016″، مضيفا: “فلا خير من بايدن ولا ديمقراطيين أو
أوروبيين، فنحن في عالم منافق”.
أبوخليل، أعرب عن مخاوفه في المقابل من دعوة يوم المعتقل المصري من أن
“السيسي بعد لقاء بايدن، وبعدما أخذ اللقطة من الحوار الوطني، قد تتزايد
الانتهاكات، ويحدث تنفيذ إعدامات جديدة”.
وتصف “منظمة العفو الدولية” و20 منظمة غير حكومية أخرى
الوضع الحقوقي لمصر بأنه “كارثي”، مشيرة لوجود “ناشطين سلميين
ومدافعين عن حقوق الإنسان ومحامين وأساتذة جامعيين وصحفيين محبوسين لمجرد ممارستهم
حق التعبير عن الرأي”.
وفي كانون الثاني/ يناير 2021، قدرت المنظمة عدد المعتقلين والمسجونين
بمصر بنحو 114 ألف سجين، في رقم يمثل أكثر من ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي
أكد السيسي في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أنها تتسع لـ55 ألف سجين.
وحتى آذار/ مارس 2021، أكدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن
عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حوالي 120 ألفا، موضحة أن منهم
65 ألف سجين ومحبوس سياسي.
ووفق المنظمة الحقوقية فإن عدد المحبوسين احتياطيا يبلغ نحو 37 ألفا،
ويصل عدد المحكوم عليهم نحو 82 ألف سجين.
وبحسب المركز المصري للشفافية، جرى اعتقال أكثر من 16 ألف شخص في
الفترة ما بين 2020- 2021، ولا يشمل هذا الرقم شمال سيناء، فيما تتواصل عمليات
الاعتقال لتطال أغلب القرى والمدن، وجميع الفئات والتوجهات.
“جوانب أخرى”
من جانبه، قال الناشط والمحامي الحقوقي عبدالرحمن عاطف: “لا شك
أن حملة يوم المعتقل المصري ستؤثر إيجابيا على خروج المعتقلين والتخفيف عنهم؛ لكن
هناك جوانب أخرى تؤكد عدم رغبة النظام في إخلاء المعتقلات من سجناء الرأي
والمعارضين للنظام”، محذرا من عودة اعتقال من أخلي سبيله مرات أخرى.
وفي حديثه لـ”عربي21″، أوضح رؤيته مشيرا إلى أنه
“بالتزامن مع تلك الدعوة، وبعد إطلاق دعوة (الحوار الوطني) أظهر النظام قبح
وجهه برفض دعوة جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي، لذلك الحوار”.
ولفت كذلك إلى “الحديث الإعلامي لوزير العدل عمر مروان، الأحد،
وتأكيده أنه ليس من الممكن العفو الرئاسي عن معتقلين محبوسين احتياطيا لم يتم
إصدار حكم بحقهم، لأن العفو ينطبق على المحكومين فقط”.
ويرى عاطف، أن “تلك القوانين التي يتحدثون عنها هم من قاموا
بكسرها، باعتقالاتهم المصريين خارج إطار القانون وأحكام الضبط والإحضار، بجانب
الإخفاء القسري، وهذه كارثة ثانية”.
وتابع: “إذا كنا سننادي بالعفو عن المعتقلين، أو إخراجهم من
السجون في وجهة نظري فيجب أن نذًكر نظام السيسي بأن هناك قتل خارج إطار القانون
يجب أن يتوقف أيضا، وهناك إخفاء قسري، وحالات تعذيب بشكل مستمر، يجب وقفها
كذلك”.
“إذا كنا نبحث عن العدالة، فالعدالة كلها وليس جزء منها، لأن
اليد التي ستُطلق سراح المعتقلين هي اليد التي ستقوم بإعادة اعتقالهم مرة
أخرى”، بحسب الناشط المصري.
وفي نهاية حديثه يرى أنه “إن لم يتبني القائمين على الحوار
الوطني حملة (يوم المعتقل المصري)، ويؤكدون أنهم الضامن للمعتقلين المفرج عنهم،
فإن النتائج معلومة في أول حراك ميداني ضد النظام، وكأن شيئا لم يكن”.
المصدر: العربي 21