يتعرض مستشفى سرطان الأطفال في دلتا النيل، في مصر، إلى خطر الإغلاق، بسبب ارتفاع التكاليف ونضوب التبرعات، وسط أزمات مالية واقتصادية تعاني منها البلاد.
ومنذ عامين، يعاني المستشفى من أزمات مالية متكررة، ومن المتوقع أن تعلن إدارته الإغلاق نهائيا بسبب عدم القدرة على تحمل التكاليف الباهظة لعلاج مرضاه.
وتاليا تقرير كامل لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، يتناول تفاصيل حول ما يعاني منه مستشفى السرطان للأطفال في طنطا بدلتا النيل:
من المقرر أن يغلق أبوابه بشكل نهائي مستشفى سرطان الأطفال الرئيسي في طنطا، إحدى مدن دلتا النيل على بعد مائة كيلومتر من العاصمة المصرية القاهرة.
لم يزل المستشفى يعاني على مدى العامين الماضيين بسبب سلسلة من الأزمات المالية المتكررة، ولكنه سوف يغلق بشكل نهائي لأنه لم يعد قادراً على تحمل التكاليف الباهظة لعلاج مرضاه.
كان المستشفى، الذي تأسس قبل خمسة عشر عاما (ويعرف أيضاً بالرقم 57357، وهو رقم الحساب البنكي الذي يتلقى عليه المستشفى التبرعات) يمثل شعاعاً من أمل للآلاف من الأطفال الذين يعانون من مرض السرطان في دلتا النيل.
اقرأ أيضا: WP: فاسدون ينهبون مستشفى سرطان الأطفال بالعراق
قبل عام 2007، كان الأطفال يضطرون للسفر مسافة مائة كيلومتر إلى القاهرة من أجل العلاج.
إلا أن مستشفى طنطا لم يعد الآن قادراً على تحمل تكاليف علاج مرضاه وسوف يبدأ في صدهم عن أبوابه.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مدير المستشفى الدكتور محمود فوزي: “لم نعد قادرين على تحمل تكاليف الأدوية التي يحتاجها المرضى”.
وأضاف: “ما نتلقاه من أموال لا يكفي بتاتاً لشراء تلك الأدوية أو تغطية تكاليف الطعام الذي يقدم للمرضى أو لدفع رواتب الموظفين”.
التبرعات
كان مستشفى 57357 يعالج مرضاه –وجلهم من أطفال الريف ممن عائلاتهم فقيرة ولا تتمكن من دفع تكاليف علاجهم– مجاناً، معتمدا على تبرعات أثرياء المصريين لتغطية تكاليف تشغيله.
كان المستشفى يحصل على ما يقرب من 25 مليون جنيه مصري (ما يعادل 1.3 مليون دولار) كل عام، ويقدم العلاج لما لا يقل عن ثلاثة آلاف طفل من مرضى السرطان كل عام، بحسب ما يقوله المسؤولون فيه.
إلا أن الأمور ساءت قبل عامين مع تفشى جائحة “كوفيد-19” في مصر وحول العالم. أدت الجائحة إلى زيادات ضخمة في تكاليف الأدوية التي يحتاجها المستشفى لعلاج مرضاه.
في تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، قال عاصم غلب، مدير العمليات في المستشفى: “غدا المستشفى بسبب ذلك في موقف مالي بالغ الصعوبة”.
وأضاف: “إلى جانب ارتفاع أسعار الأدوية، تراجعت التبرعات بشكل كبير”.
ولتجسير الهوة بين الإيرادات والنفقات، فقد اقترض المستشفى مالا من مؤسسة “57357”، وهي منظمة غير ربحية تدير أيضا مستشفى 57357 لسرطان الأطفال في القاهرة أيضا.
ثم ما لبثت تكاليف تشغيل مستشفى “57357” في طنطا أن ارتفعت أكثر فأكثر، مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وارتفعت التكاليف السنوية إلى 120 مليون جنيه مصري (ما يعادل 6.4 مليون دولار)، تقريبا أكثر من خمسة أضعاف المبالغ التي كان المستشفى يتلقاها على هيئة تبرعات.
وتوجب على المستشفى البحث عن حل لأزمته لأن المستشفى الرئيسي في القاهرة كان هو الآخر يمر بأزمة مالية فاقمت من شدتها الحرب على أوكرانيا أيضا.
وقال شريف أبو النجا، المدير التنفيذي لمؤسسة “57357”، وأستاذ سرطانيات الأطفال في المعهد الوطني للسرطان، إن المستشفى الرئيسي في القاهرة كان على مدى العامين الماضيين يدفع مبالغ أكبر من أجل الحصول على المستلزمات، بما في ذلك الأدوية والمعدات الطبية.
وقال إن خمسة من الموردين أبلغوا إدارة المستشفى بأنهم سيرفعون أسعار منتجاتهم بنسبة 20 بالمائة.
الحرب الروسية الأوكرانية
وأضرت الحرب في أوكرانيا بالاقتصاد المصري، إذ حرمت البلد من ملايين السياح الذين كانوا يتوافدون عليه من كل من روسيا وأوكرانيا.
وأعاقت الحرب الواردات من البلدين، وخاصة الحبوب مثل القمح، وأجبرت مصر على دفع مبالغ إضافية مقابل مستورداتها من الحبوب لأن الأسعار في الأسواق العالمية قد ارتفعت بشكل حاد.
وبدورها، تثقل الأسعار المتضخمة بالنسبة للمستهلكين المصريين كاهل الناس وتحد من قدرتهم على تخصيص مبالغ يتبرعون بها لصالح المؤسسات الخيرية مثل مستشفى “57357”.
تقدمت مصر بطلب قرض من صندوق النقد الدولي للتعامل مع التحديات الاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
وتسعى مصر للحصول على دعم من حلفائها العرب في الدول النفطية الثرية. وتعهدت بعض هذه البلدان باستثمارات بمليارات الدولارات، بما في ذلك من خلال الاستحواذ على أصول وشركات تملكها الدولة.
وتسلط التكلفة التي تتكبدها مستشفيات سرطان الأطفال بسبب الحرب في أوكرانيا الضوء على آثار الحرب على قطاع الصحة المصري بالمجمل.
وتقدم المستشفيات المصرية التي تديرها الدولة علاجا طبيا مجانيا لعشرات الملايين من الناس.
ويدفع المصريون الأكثر ثراء تكاليف العلاج في مؤسسات طبية خاصة ما فتئ عددها يتزايد خلال السنوات القليلة الماضية.
وحتى قبل الحرب، كانت المستشفيات التي تديرها الدولة تجد صعوبة بالغة في تلبية الاحتياجات المتزايدة.
اقرأ أيضا: دراستان: بعض مرضى السرطان لا يحتاجون “الكيماوي”
أخضعت جائحة “كوفيد-19” هذه المستشفيات، التي كانت أصلاً تعاني من عجز في المال ونقص في العاملين وتم تحويل معظمها إلى مراكز عزل، لضغوط شديدة.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس إدارة نقابة الأطباء: “تعاني معظم المستشفيات من نقص في العاملين في المهن الطبية، مما يفقد هذه المستشفيات القدرة على القيام بمهامها بشكل سليم”.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، انتقل عشرات الآلاف من الأطباء المصريين للعمل في بلدان أخرى، حيث يتلقون أجوراً أكبر ويتمتعون بظروف عمل أفضل، مما ترك المستشفيات المحلية تعاني من نقص حاد في الموظفين.
البحث المحموم عن حلول
خصصت مصر ثلاثة بالمائة من ميزانيتها لعام 2023، والتي بدأت هذا الشهر، للقطاع الصحي، وهذا يعادل 128.1 مليار جنيه مصري (حوالي 6.8 مليار دولار) مقارنة بمبلغ 108.8 مليار جنيه مصري (حوالي 5.8 مليار دولار) في العام الماضي.
إلا أن هذه الأموال لن تكون كافية لتلبية احتياجات المستشفيات التي تديرها الدولة.
وعن ذلك قال الزيات: “إن المستشفيات في أمس الحاجة إلى المزيد من المال حتى تتمكن من شراء الأدوية والمعدات”.
يحوي مستشفى 57357 في طنطا، والمكون من أربعة طوابق، ستين سريراً لمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان، وتتوفر لديها عيادات خارجية تستقبل ما بين عشرين إلى ستين مريضاً كل يوم.
لم يكف مدراء المستشفى عن البحث بإلحاح عن حلول لأزمة التمويل الحالية.
حتى الآن، لم يزل المستشفى، والذي هو عبارة عن منظمة غير ربحية، يرفض إلزام المرضى بدفع تكاليف العلاج الذي يتلقونه.
ولذلك فإن إغلاق المستشفى سيكون بمثابة نكبة تحل بآلاف الأطفال من مرضى السرطان في دلتا النيل.
وقال الدكتور فوزي: “لو أغلقنا المستشفى فسوف نضطر إلى تحويل جميع هؤلاء المرضى إلى المستشفى الرئيسي في القاهرة”.
وأضاف: “سوف يكون ذلك مكلفاً ومرهقاً جداً للمرضى ولعائلاتهم”.
حالات الإصابة بالسرطان تتزايد في مصر
إن السرطان مشكلة كبيرة في مصر. ففي عام 2020 سجلت 134,632 حالة جديدة في البلد.
لا توجد دراسات حديثة حول مدى انتشار السرطان بين الأطفال في البلد.
ولكن وفقاً لدراسة أجريت في عام 2012، فقد بلغت نسبة الأطفال الذين شخصوا وثبتت إصابتهم بالسرطان 12.8 من كل مائة ألف طفل، مع معدل نمو سنوي قدره 1.3 بالمائة.
وتبذل جهود الآن لإنقاذ مستشفى 57357 في طنطا، ولقد أجرى مسؤولون حكوميون لقاءات أزمة سعياً منهم لإيجاد حلول.
ويأمل المسؤولون في مستشفى طنطا بأن تثمر هذه الجهود.
وعن ذلك قال مدير العمليات في المستشفى عاصم غلب: “لدينا أمل في أن تساعدنا تلك الجهود على التغلب على الأزمة الحالية”.
وأضاف: “يخدم المستشفى عدداً كبيراً جداً من مرضى السرطان في دلتا النيل وإغلاقه سيكون كارثة”.
المصدر: العربي 21