بات بورسلين باللون الخشبي وحجر رمادي يغطي واجهة منزل السعودي “هيثم المديني” الذي أضاف مسبحا ومنطقة جلوس وأرجوحة وأشجارا في ساحة بيته، ليضاهي البيوت ذات التصميمات العصرية التي تعكس “انفتاحا معماريا” يغزو أحياء الرياض.
وقبل أقل من سنتين كان منزله في حي الياسمين في شمال الرياض بواجهة قاتمة يكسوها طلاء تقليدي باللون البيج ومن دون أي وسائل رفاهية في ساحته الكبيرة، كسائر المنازل المجاورة ذات النوافذ الصغيرة في شارعه وفي السعودية عموما.
وفي خضم حملة الانفتاح الاجتماعي والتحديث في السعودية، باتت تنتشر بيوت مصممة بطرازات عصرية بواجهات ملوّنة تضم نوافذ وواجهات زجاجية أكبر من المعتاد، خصوصا في وسط العاصمة وشمالها.
وقال “المديني” (52 عاما) لوكالة فرانس برس “كان لدي خياران: إمّا بناء بيت جديد أو ترميم القديم. اخترنا ترميم البيت لأنني مرتاح في المنطقة ولجيراني، فضلا عن (مسألة) التكلفة”.
وبعدما كانت ساحة منزله جرداء، باتت شجرتا تيرميناليا مستوردتان من تايلاند تحيطان بباب المنزل، فيما زُرعت شجرة زهورها صفراء حول أريكتين تتوسطان منضدة خشبية لتصبح مكانا مفضلا لجلوس المديني بعد انحسار حرارة الشمس.
وقال مدير الموارد البشرية والأب لسبعة أبناء وهو يسير فوق الأرضية المفروشة بالحصى الأسود والتي وُضع عليها بورسلين أبيض سميك “بات هناك استغلال أمثل للمساحات في المنزل… أخذنا خطوة تجاه تحسين طريقة حياتنا”.
وأشار إلى أن أبناءه وأحفاده يستمتعون بهذا “التغيير” في المنزل.
وتبرز كشافات الإضاءة الموضوعة بعناية في أطراف المبنى أو على الأرضية تفاصيل واجهة المنزل ليلا مقارنة بالبيوت المجاورة المعتمة.
وقد كّلف ترميم بيت المديني أقل من ربع تكلفة شراء منزل جديد.
وتتراوح أسعار المنازل الجديدة بين أربعة ملايين ريال وعشرة ملايين (مليون دولار إلى 2,67 مليون دولار) حسب مساحتها وموقعها.
انفتاح معماري
وتفضل غالبية الأسر السعودية منذ عقود السكن في بيوت خاصة ما يوفر لها أكبر قدر من الخصوصية.
والكثير من هذه المنازل مجرد مبانٍ أسمنية ذات واجهات مغلقة لا تضم سوى نوافذ صغيرة، غالبا ما تكون محاطة بقضبان حديدية وأسوار عالية، ما يجعلها سيئة التهوية والإضاءة حتى خلال النهار.
ويعزو البعض صغر النوافذ إلى الحرارة المرتفعة في المملكة معظم شهور العام.
وكانت مهمة تصميم هذه المنازل مسؤولية مقاولين وليس معماريين، وهو ما افقدها أي لمسة جمالية، بحسب خبراء.
ويقول “عبدالله الجاسر” صاحب الشركة التي رمّمت منزل المديني “خلال الأربع سنوات الماضية، أصبح هناك مظاهر انفتاح معماري. بات الناس أكثر انفتاحا على التغيير وتنفيذ أنماط من الديكور والتصميم” على مختلف الطرازات.
وتابع المهندس قرب مسبح المنزل الذي استغرق ترميمه ثمانية أشهر “في الفترة الاخيرة الناس اصبحت ترمم بشكل أكبر من الأول لأن أسعار الأراضي زادت والبيوت الجديدة مكلّفة”.
واستحدثت السعودية في 2018 قوانين إلزامية للبناء الحديث، تلحظ خصوصا ضرورة وجود نوافذ أكبر بما يتوافق مع المعايير الصحية.
وقال المعماري “علي اللحيدان” إنّ التصميمات القديمة ذات “الشبابيك الصغيرة جدا تعكس ثقافة توفر خصوصية أكبر للعائلة”، مضيفا انّ نمط البناء هذا “كان له تأثير اجتماعي كبير … ساهم في إيجاد ثقافة الانغلاق على الذات”.
وكان التقسيم الداخلي للمنازل يكرّس أيضا هذه الثقافة، مع تخصيص مدخل ومجلس للرجال وآخر للنساء، ما كان يهدر مساحة المنزل. وهو ما تغير راهنا مع موجة الانفتاح المعماري.
وقال “اللحيدان” “حاليا المجلس انتهى، هناك حجرة استقبال وغرفة طعام الحقت بغرفة المعيشة… بات الطابق الأرضي مفتوحا والناس متقبلة للفكرة”.
وتابع “منطقة المعيشة المستخدمة يوميا إطلالتها على زجاج خارجي. هذا كله مفتوح … هذه ثقافة جديدة في السعودية”.
ورغم رياح التطوير، يحرص المعماريون على الحفاظ على خصوصية الثقافة المحافظة، فلا تزال غرف السائقين المقيمين الملحقة بالمنازل تطل على خارج المنزل فقط ولا تُفتح على ساحته أبدا.
تجمعات تجارية منفتحة
لا يقتصر التطوير المعماري على المباني السكنية فحسب، إذ تغير أيضا نهج بناء المجمعات التجارية المفتوحة بعدما كانت مجرد تجمعات لمتاجر متراصة يتوسطها ساحة تخلو من أي عناصر رفاهية أو ترفيه.
فأصبحت تخصّص مساحات خضراء وأخرى للمشي وإطلالات مائية ونوافير.
ولدى الكثير منها شرفات مفتوحة يمكن من خلالها رؤية روادها من رجال ونساء، فيما كانت الأسر السعودية سابقا تجلس في أماكن داخلية مغلقة مخصّصة حصرا “للعوائل”. وهو شرط ألغته السلطات نهاية العام 2019.
وأكّد “محمد عبد المنعم” المشرف على التصميمات التجارية في شركة تطوير عقاري بالرياض أن التغيير في تصميم المباني التجارية أخيرا في السعودية جذري.
وأوضح أنّ “التصميمات القديمة كانت تخدم فكرة ثقافة الفصل والعزل بين الأسر والعزّاب. أما حاليا فلا يُشترط أن يوفر المكان خصوصية حصرية للأسر”.
وتعمل شركة “اللحيدان” على تصميم أبراج سكنية حديثة متعددة الطوابق في شمال الرياض لاقت إقبالا لدى السعوديين الذين لا يفضلون تقليديا هذا النمط.
وقال “اللحيدان” إنّ “التصميمات الحديثة في القطاع السكني والتجاري ستغير ثقافة العمارة في السعودية خلال سنوات قليلة”.
المصدر : وكالات + متابعات قطرعاجل