رغم التفشي الكبير للسلالة الفرعية لمتحور أوميكرون المعروفة بـ”BA.5″ في أنحاء أوروبا، لم يعد الأوربيين مهتمين بسماع أي تحذيرات أو الالتزام بإجراءات الوقاية السابقة، طالما أنه لا يوجد ضغط على المرافق الصحية ولا ارتفاع ملحوظ في حالات الوفيات.
ووفقا لتقرير صحيفة “نيويورك تايمز” فإن الملصقات التي تدعو للوقاية من الفيروس التاجي الخبيث أصبحت من الماضي مثل “بقايا جدار برلين”، وفي هذا الصدد تقول، سيلفيا جوليانو، 45 سنة، والتي كانت تتواجد داخل متجر لبيع الكتب في العاصمة الإيطالية، روما، إنها لم تعد ترتدي الكمامة الواقية، وإن الملصقات الباهتة التي تعلق على أبواب المحال والمتاجر قد باتت من الماضي.
“تحد إخلاقي”
ورغم المخاوف من انتشار المتحور الجديد في أوروبا بشكل كبير، فإن الحكومات لا تتخذ إجراءات صارمة، بما في ذلك في الدول التي كانت الأكثر صرامة في السابق، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها لا ترى زيادة كبيرة في الحالات الشديدة، ولا اكتظاط في المراكز الصحية، بالإضافة إلى عدم حدوث موجات من الوفيات كما جرى عند بداية انتشار الجائحة.
وتوضح أندريا كريسانتي، أستاذة علم الأحياء الدقيقة التي عملت كمستشار كبير للقادة الإيطاليين خلال حالة الطوارئ الناجمة عن فيروس كورونا، أن أحد الجوانب الجيدة في المسألة هو أن العدوى الصيفية ستخلق المزيد من المناعة لأشهر الشتاء الأكثر صعوبة، مردفة: “لكن السماح للفيروس بالانتشار بمثل هذه المستويات الهائلة يخلق تحديا أخلاقيًا أمام الحكومات لضرورة حماية كبار السن والضعفاء الذين لا يزالون عرضة لخطر الإصابة بأمراض خطيرة على الرغم من التطعيم”.
وأردفت: “نحن بحاجة إلى تغيير نموذجنا. لا أعتقد أن الإجراءات التي تهدف إلى الحد من انتقال العدوى لها أي مستقبل”، موضحة أن إرهاق المجتمعات بالقيود جعلها حاليا أكثر قبولا للمخاطر.
وزادت: “بيولوجيا الفيروس أصبحت معدية لدرجة أنه لا يوجد شيء يمكن أن يوقف انتشارها”.
“عنصر العشوائية”
بالمقابل، يرى عالم الأوبئة بجامعة أكسفورد، كريستوف فريزر، إن “عنصر العشوائية” الذي ولد الطفرات الجديدة كان “مثيرًا للقلق”، ففي جميع أنحاء بريطانيا، تضاعفت حالات الإصابة بفيروس كوفيد ثلاث مرات أو أكثر منذ أواخر مايو، وفقًا لمسح أجراه مكتب الإحصاء الوطني في البلاد.
وقالت سارة كروفتس، التي ترأس الفريق التحليلي لمكتب الإحصاء: “لا تظهر أي علامات على حالات العدوى، مع اقتراب المعدلات من المستويات التي شوهدت لآخر مرة في مارس من هذا العام في ذروة موجة السلالة الفرعية من متحور أوميكرون BA.2”.
وبحسب بيانات حكومية، فقد تضاعف عدد حالات الاستشفاء أربع مرات منذ مايو، لكن الوفيات التي تسبب فيها الفيروس، وهي في ازدياد، لم تقترب من المستويات المسجلة في بداية العام، وهنا يرى عالم الأوبئة في إمبريال كوليدج لندن، نيل فيرجسون: “بشكل عام، ومن منظور الصحة العامة، نحتاج إلى أن نظل يقظين، لكن هذا ليس سببًا لعكس المسار”.
وكانت الوكالة الأوروبية للأدوية، الجهة المنظمة للأدوية في أوروبا، قد قالت في أبريل إن الجرعات التعزيزية الثانية ستكون مطلوبة فقط لمن هم فوق سن الثمانين، ولكنها في 11 يوليو الحالي أوصت بجرعات معززة ثانية لكل شخص يزيد عمره عن 60 عامًا من الأصحاء أو الذين لديهم أمراض مزمنة وضعف في المناعة.
وقالت المفوضة الأوروبية للصحة وسلامة الغذاء، ستيلا كيرياكيدس، في بيان: “هذه هي الطريقة التي نحمي بها أنفسنا وأحبائنا”، مردفة: “ليس هناك وقت نضيعه”.
من جانب آخر تحاول الحكومات في جميع أنحاء أوروبا، تحقيق توازن بين الضرورات الصحية وعدم فرض إجراءات إغلاق،في ألمانيا، قال معهد روبرت كوخ، المنظمة الفيدرالية المسؤولة عن تتبع الفيروس، “لا يوجد دليل” على أن متحور BA.5 للفيروس أكثر فتكًا.
لكن وزير الصحة الألماني، كارل لوترباخ، شارك تغريدات أرسلها طبيب بمستشفى في مدينة دارمشتات الألمانية، قال فيها إن “جناح كوفيد في المستشفى الذي يعمل فيه كان مشغولاً بالكامل بالمرضى الذين يعانون من أعراض شديدة”
ولم يحدث مجلس اللقاحات في ألمانيا نصائحه فيما يتعلق بالجرعة الرابعة، وما زال يوصي حاليًا بجرعة معززة ثانية فقط لأولئك الذين تزيد أعمارهم عن 70 عامًا والمرضى المعرضين للخطر.
الرهان على الشعب
وفي فرنسا، حيث تم الإبلاغ عن 83 ألف حالة إصابة يوميًا خلال الأسبوع الماضي، بزيادة الثلث عن أخر شهرين، رفض وزير الصحة، فرانسوا براون، فرض قيود جديدة.
وقال في تصريحات إذاعية “قررنا الرهان على مسؤولية الفرنسيين”، موصيا الجمهور بارتداء الأقنعة في الأماكن المزدحمة، قبل أن يحث على إعطاء جرعة ثانية من اللقاح المعزز للأشخاص الأكثر ضعفًا.
وبدا أنه واثق من أن فرنسا، حيث جرى تطعيم ما يقرب من 80 في المائة من الناس بشكل كامل، يمكن أن تتغلب على الموجة الجديدة من الإصابات.
وفي إسبانيا، حيث يتجاوز معدل التطعيم 85 في المائة وحصل أكثر من نصف السكان المؤهلين على جرعة معززة، بدا الوباء وكأنه تلاشى حيث عاد الناس هناك إلى قضاء عطلاتهم المعتادة على الشاطئ ورحبوا بالسياح بشغف.
وقال المسؤولون الذين شجعهم انخفاض عدد أقسام العناية المركزة على عدم القلق بشأن المستقبل، إن مراقبة الوضع ستكون كافية.
ولكن لم يكن الجميع راضين عن هذا الوضع، إذ قال مدير السياسة والتنمية العالمية في معهد برشلونة للصحة العالمية، رافائيل فيلاسانجوان، لهيئة بحثية: “لقد نسينا كل شيء عمليًا”.
ولكن أجزاء أخرى من أوروبا كانت أكثر تعقيدا، ففي جمهورية التشيك، حيث لا توجد قيود على الإطلاق، بما في ذلك في المستشفيات، ينتشر الفيروس ويتوقع المسؤولون علانية ارتفاعًا متزايدًا في الحالات.
وقال نائب وزير الصحة، جوزيف بافلوفيتش: “إن الموجة الحالية في البلدان الأوروبية الأخرى التي تسبقنا بأسابيع قليلة لم يظهر أي تأثير كبير على نظامها الصحي”.
من جانب آخر، امتلأت الحانات والمطاعم ودور السينما في الدنمارك، حيث ارتفعت الحالات بنسبة 11 في المائة في الأسبوعين الماضيين، بما في ذلك مئات الأشخاص في مهرجان موسيقى هذا الشهر.
وقال المدير العام لهيئة الصحة الدنماركية، سورين بروستروم،، في بيان: “الأرقام إيجابية – لم يعد هناك من يصابون بأعراض خطيرة جراء انتشار المتحور الجديد”.
وتتوقع هيئة الصحة الدنماركية انتشار العدوى في الخريف، وتخطط لتقديم جرعات معززة بعد ذلك.
وفي إيطاليا، والتي كانت أول دولة أوروبية تعاني بقوة من تأثيرات الموجة الأولى، ارتفعت التقارير عن حالات الإصابة الجديدة بشكل مطرد منذ منتصف يونيو، رغم أنها انخفضت في الأسبوع الماضي.
وارتفع متوسط عدد الوفيات اليومية إلى أكثر من الضعف خلال الشهر الماضي، لكن المستشفيات لم تكن مثقلة بالأعباء، إذ أعلن وزير الصحة، روبرتو سبيرانزا، أن الدولة ستتبع توصية المنظم الأوروبي بتقديم جرعة معززة ثانية لكل من تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، وليس فقط أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا أو المرضى المعرضين للخطر.
المصدر: الحرة