في خضم ما تُعانيه الإدارة الأمريكية من تحديات داخلية وخارجية، جاءت الأزمة الأوكرانية لتُشكل عبئاً جديداً على تلك الإدارة برئاسة جو بايدن، فقد أدت العملية العسكرية الروسية في الداخل الأوكراني وماتبعها من عقوبات على روسيا وتخفيض واردات النفط والغاز الروسي واستمرار دعم واشنطن لأوكرانيا إلى التأثير على الاقتصاد الأمريكي وخاصة بما يتعلق بارتفاع أسعار النفط والغاز ممَّا ألحق الضرر بالمواطن الأمريكي بشكل كبير بحيث تتوقع إدارة معلومات الطاقة في أمريكا بأنه سيتعين على العائلات الأميركية المتوسطة إنفاق حوالي 450 دولارا إضافيا على البنزين هذا العام.
قبل حوالي سبعة أشهر أي قبل بدء العملية العسكرية الروسية، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من نسبة تضخم عالية وحينها أكدت وزير التجارة جينا ريموندو أن ما تتعرض له البلاد ما هو إلا “أمر عارض قصير الأجل، وليس مشكلة طويلة الأجل” ولكن ماحدث أن التضخم ازداد بشكل ملحوظ ووصل إلى معدلات قياسية خاصةً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، واليوم استمرار ارتفاع نسب التضخم يهدد بحدوث ركود في المستقبل القريب بالنسبة لأمريكا.
ومنذ وصول الرئيس جو بايدن للحكم في يناير 2021، قفزت أسعار النفط والغاز داخليا بنسبة أكثر من 100%، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، يستمر ارتفاع أسعار البنزين دون ظهور أي مؤشرات على انخفاض الأسعار قريبا، بحيث سجلت أسعار البنزين هذه أرقاما قياسيا وصل سعر الغالون فيها إلى ما يقارب 4.9 دولارات، فيما سجلت ولاية كاليفورنيا أعلى متوسط سعر إذ بلغ سعر الغالون بها 6.3 دولارات، وذلك وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن جمعية السيارات الأميركية (AAA).
وأدى هذا التضخم المرتفع إلى ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات، وأعلنت وزارة العمل الأمريكية أنه تم تسجيل رقم قياسي جديد لمدة 40 عاما في مارس/آذار، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 8.5% عن العام الماضي.
وفي هذا السياق يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن إنفاق إدارة بايدن على المساعدات الأوكرانية سيؤثر بشكل ملحوظ على الاقتصاد الأمريكي ويجعله يواجه ضغوط تضخمية أكبر خاصة بعد حزمة المساعدات الأخيرة التي أقرها الكونغرس والبالغة 40 مليار دولار.
وكان السناتور الأمريكي المعروف بول قد اعتبر في وقت سابق أنه بهذه الوتيرة ستضطر الولايات المتحدة إلى اقتراض أموال من الصين؛ لأنها لا تملك أي أموال لإرسالها إلى أوكرانيا، مضيفا أن واشنطن “لا تستطيع إنقاذ أوكرانيا من خلال تدمير الاقتصاد الأمريكي”.
اعتراف بايدن بتأثير المساعدات على الاقتصاد الأمريكي
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد اعترف بتأثر الدعم على الاقتصاد ولكنه اعتبر أن ارتفاع أسعار البنزين والتضخم أصبحا في الولايات المتحدة “نتاجا ثانويا” متوقعا من مساعدة أمريكا لأوكرانيا، قائلاً “إنها مترابطة. وقلت في وقت من الأوقات، عندما قررنا أننا سنساعد أوكرانيا، ما أردت أن أنقله، أن ذلك سيكلفنا، وسيكلف الناتو، وسيكلف الدول الأوروبية ونحن. لأنكم تعرفون ما سيحدث، أسعار البنزين، وأسعار النفط يجب أن ترتفع، وأسعار المواد الغذائية يجب أن ترتفع”.
ويزداد شعور الأميركيين بقسوة الأوضاع الاقتصادية مع غياب أي بريق أمل في انتهائها قريبا، ويشتكون من الارتفاع الكبير لأسعار السلع والخدمات وماهو ماتطرقت إليه العديد من البرامج والصحف الأمريكية حتى أن بعضها بات يتداوله بشكل ساخر بعد اعتراف بايدن بتأثير الدعم الأمريكي لأوكرانيا على اقتصاد البلاد معتبرين أن حزمة المساعدات الأخيرة البالغة 40 مليار دولار كان المفروض أن تعطى للعائلات الأمريكية الأكثر تضررا من جراء سياسية بايدن.
ومؤخرا ازداد انتقد الأمريكيين لهذا الدعم بعد أن قال بايدن “سنبقى ندعم أوكرانيا مهما طال الأمر وسنبقى إلى جانبها نحن وكل أعضاء الناتو” وكذلك رده على سؤال من صحفي أن الأسعار ذهبت إلى حد يتوقع فيه المحللون أن برميل النفط سيصل إلى 200 دولار فهل تعتقد أنه من المنصف أن يضطر أصحاب المركبات الأمريكيين إلى دفع هذه التكلفة الإضافية بسبب هذه الحرب؟ فأجاب بايدن “مهما استغرق ذلك وقتا فلايجب أن تنتصر روسيا على أوكرانيا وتذهب إلى مابعدها”، وهو ما اتعبره الأمريكيين أنه دعم يقدم على حساب معيشتهم واقتصاد بلادهم.
كما تسبب شعور الأمريكيين بالغضب إلى تطرقهم إلى مانشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” حول المساعدات الأمريكية العسكرية والمالية إلى أوكرانيا حيث كشفت الصحيفة وجود قلق أمريكي لمسؤولين سابقين وحاليين في ظل غياب إشراف الولايات المتحدة وحلف “الناتو” بشكل مناسب ومباشر على تلك المساعدات ما يهدد بسرقتها وتهريبها أو إهدارها، واعتبر الأمريكيين أن دولتهم تقدم مليارات الدولارات ولكنها لا تتعب نفسها بالتحقق من وصولها واستخدامها بشكل مناسب خاصة بعد التقارير الواردة عن بيع التجهيزات العسكرية المقدمة في السوق السوداء من قبل أصحاب النفوذ في أوكرانيا.
المصدر: قطر عاجل