“نقل النفط من سفينة إلى أخرى في المياه الواقعة بين العراق وإيران، ثم تزوير وثائق لإخفاء أصل الشحنة”.. هكذا خلصت تقارير أمريكية حديثة حول إحدى طرق طهران لتصدير نفطها هربا من العقوبات المفروضة عليها.
وأمام ذلك، تدرس الولايات المتحدة فرض عقوبات تستهدف رجل أعمال يقيم في الإمارات، وشبكة من الشركات، يُشتبه في أنها تساعد في تصدير النفط الإيراني بهذه الطريقة.
ووفقا لوثائق الشركات التي استعرضتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، وبيانات الشحن والأشخاص المطلعين على الأمر، فإن الشركات والأفراد الخاضعين للتدقيق يستخدمون عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى في المياه الواقعة بين العراق وإيران.
وتتوقف ناقلات النفط عن مشاركة موقعها وهي تمر في الخليج، ثم تستخدم وثائق مزورة لإعلان الشحنة عراقية.
ومن خلال تمرير النفط على أنه عراقي، يمكن للمعنيين تجنب العقوبات الغربية التي تستهدف النفط الإيراني.
يقول “روبرت جرينواي”، الذي أشرف على سياسة إيران كمدير أول لسياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، إن عمليات التهرب من العقوبات الإيرانية عبر العراق، بما في ذلك مزج النفط الإيراني والعراقي لإخفاء مصدره، تمثل ما يصل إلى 25% من صادرات طهران، عندما كان في مجلس الأمن القومي عام 2020.
ويضيف “جرينواي”، وهو الآن زميل في معهد هدسونك: “لقد كان الأمر مهما للغاية بالنسبة لطهران، خاصة أن إيران كانت تحت ضغط كبير في السوق”.
وتم شراء الكثير من النفط الإيراني المخلوط، الذي شمل النفط الخام والمكرر، من قبل عملاء في آسيا، لكن شركات غربية مثل “إكسون موبيل كورب” و”كوخ إندستريز إنك” و”شل بي إل سي”، شاركت أيضا في المعاملات، وفقا للوثائق والموظفين السابقين.
وأجرت تلك الشركات الغربية إما معاملات مع الشركات المشاركة في مزج النفط، أو عملت كوسطاء شحن تابعين لجهات خارجية أو اشترت النفط المخلوط.
ولا توجد مزاعم بأن الشركات الغربية انتهكت العقوبات عمدا.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون، وفقا للأشخاص المطلعين على الأمر، أن الرجل الذي يقف وراء عملية خلط النفط هو “سالم أحمد سعيد”، وهو مواطن بريطاني عراقي المولد، وعدد من الشركات الأخرى، بما في ذلك العراقية لخدمات الشحن وتجارة النفط، والمعروفة باسم ” AISSOT”.
وفي رسائل بريد إلكتروني إلى الصحيفة، نفى “سعيد”، امتلاك ” AISSOT” أو انتهاك العقوبات الأمريكية ضد إيران، مع أي من الشركات التي يمتلكها أو يسيطر عليها.
وأضاف: “شركاتي لم تشحن النفط الإيراني في انتهاك للعقوبات الأمريكية على الإطلاق، وكل تجارتي مع العراق كانت مشروعة تماما”.
وتقول الصحيفة إن “سعيد” غير مدرج كمسؤول أو مالك “AISSOT”، وفقا لوثائق الشركة، لكن العديد من كبار الموظفين السابقين قالوا إنه “يسيطر على الشركة”.
ويعتقد المسؤولون الغربيون أن عمليات التهرب المزعوم من العقوبات التي يقوم بها “سعيد” تعود إلى فترة وجيزة بعد أن أعلنت إدارة “ترامب” في منتصف عام 2017، أنها تدرس إعادة فرض عقوبات شاملة ضد إيران؛ لإجبار طهران على إبرام اتفاق نووي وأمني جديد.
وفي وقت قريب من ذلك الإعلان، ساعد وزير النفط العراقي آنذاك “جبار علي حسين اللعيبي” في إنشاء شركة جديدة باعتبارها المصدر الوحيد للنفط في البلاد.
وكانت الشركة ” AISSOT” مشروعا مشتركا بين شركة ناقلات النفط العراقية المملوكة للدولة والشركة العربية البحرية لنقل البترول، التي تضم أصولها الرئيسية عدة دول خليجية، وفقا للأشخاص والوثائق.
وقال “اللعيبي”، في ذلك الوقت، إن المشروع المشترك سيجعل العراق لاعبا دوليا رئيسيا في قطاع شحن الطاقة.
ويقول مسؤولون أمريكيون وعراقيون حاليون وسابقون إن المشروع كان بالحقيقة “وسيلة لمساعدة إيران على تصدير النفط”.
وحسب “مهند علوان”، الرئيس السابق لعمليات “AISSOT” في العراق، فإن معظم النفط المخلوط على متن سفنهم كان من إيران، وكان مصدره مخفيا بوثائق مزورة.
وأضاف أن “المهربين يحصلون على وثائق عراقية أو عُمانية للمنتجات النفطية الإيرانية المهربة”.
وإحدى السفن التي يعتقد أنها متورطة، كانت ناقلة تسمى “بابل”، والتي تظهر بيانات الشحن أنها كانت تعمل بين عامي 2017 وأغسطس/آب 2020 من قبل شركة “راين شيبينج” (DMCC)، وهي شركة يملكها “سعيد”.
واستأجرت “AISSOT” الناقلة “بابل” لعملياتها خلال ذلك الوقت، وفقا للأشخاص المطلعين على الأمر والموظفين السابقين وبيانات الشحن.
وفي مارس/آذار 2020، وفقا لسجلات الشركة وبيانات الشحن، قامت ناقلة “Polaris 1” المملوكة لإيران، بتحميل “بابل” بـ231 ألف برميل من زيت الوقود، بقيمة حوالي 9 ملايين دولار، في عملية نقل من سفينة إلى أخرى.
وفي الشهر ذاته، تظهر بيانات شحن منفصلة، أن “بابل” سلمت خلال الفترة نفسها زيت الوقود في المياه العراقية إلى ناقلة “دا لي هو”، المملوكة لشركة تابعة لشركة الشحن الصينية العملاقة المملوكة للدولة، والتي كانت خاضعة للعقوبات آنذاك.
وعلى الرغم من هذه الوقائع، ورغبة الإدارة الأمريكية في فرض عقوبات على القائمين عليها، فإن خطط استهداف هذه الأنواع من العمليات، تمثل معضلة لإدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، التي توازن بين الرغبة في كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، والتعامل مع التضخم المدفوع جزئيا بالعقوبات الدولية ضد العملاق الروسي المصدر للنفط.
ومنذ توقف المحادثات النووية في وقت سابق من هذا العام، فرضت إدارة “بايدن” جولتين من العقوبات ضد الشركات التي يشتبه أنها تهرب النفط الإيراني، وهو تصعيد يهدف إلى تذكير إيران بتكاليف الفشل في التفاوض.
ومع ذلك، يقول بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين إن إدارة “بايدن” أوقفت حملة إنفاذ واسعة النطاق من أجل إحياء الاتفاق النووي، الذي انسحب منه “ترامب” عام 2018.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: “طالما أن الإيرانيين لا يأخذون العرض على الطاولة ولا يعودون إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، أتوقع أن نستمر في رؤية طرح هذه الأنواع من إجراءات الإنفاذ على أساس منتظم جدا في المستقبل”.
ووجه مجلس الأمن القومي أسئلة إلى وزارة الخارجية، وقال متحدث باسم الوزارة إن “أي تكهنات بأن الإدارة تحجب العقوبات عن إيران لتجنب الآثار التضخمية المفترضة هي تكهنات خاطئة”.
والأسبوع الماضي، أعلن مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، أنه قدم نصا وصفه بأنه “أفضل صفقة قابلة للتنفيذ” لإحياء الاتفاق المجمّد منذ 2018.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تدرس اقتراح “بوريل”، وسترد على الاتحاد الأوروبي، في وقت رحبت إيران بالعودة إلى الدبلوماسية لحل معضلة الاتفاق النووي.
المصدر: وكالات