بات استقرار العراق على المحك مع تصاعد حدة الأزمة السياسية الحالية مما يستدعي وقفة جادة من قادة البلاد والمجتمع الدولي على حد سواء لمواجهة الأزمة، وفقا لما خلص إليه تحليل لمعهد السلام الأميركي، ومقره واشنطن.
واعتبر التحليل، الذي كتبه مدير برامج الشرق الأوسط في المعهد، العراقي سرهنك حمة سعيد، أن وجهات نظر العراقيين تختلف حول ماهية أهداف مقتدى الصدر والتكتيكات التي يستخدمها، مشيرا إلى أن شريحة كبيرة من الجماهير تنظر إليه على أنه عامل التغيير المطلوب وسط إخفاقات النظام السياسي في العراق.
وفي حزيران/يونيو الماضي استقال نواب التيار الصدري الـ73 من البرلمان، بعدما كانوا يشغلون ككتلة، أكبر عدد من المقاعد فيه.
ورفضاً لترشيح محمد شياع السوداني من قبل الإطار التنسيقي المدعوم من إيران، لتولي رئاسة الحكومة، أظهر الصدر الذي يملك قاعدةً شعبية واسعة أنه لا يزال قادرا على تحريك الجماهير لأهدافه السياسية، بعدما اقتحم مناصروه البرلمان مرتين خلال أقل من أسبوع، وباشروا داخله اعتصاما.
مبتغى الصدر؟
وذكر الكاتب أن هناك الكثير من التكهنات حول دوافع الصدر، ومنها هل كان محبطا من الجمود السياسي الذي طال أمده وهل يستعد لاعتزال من السياسة؟ أم أنه تخلى عن النظام السياسي وخطط لمواجهة الطبقة السياسية من الخارج؟
كما تساءل حمة سعيد: “هل تعرضت حياة الصدر للتهديد من قبل إيران لأنه كان يهدف إلى إقصاء حلفائها من أن يكونوا جزءا من الحكومة؟
وظن خصوم الصدر أنهم نجحوا في إحباطه لدرجة الانسحاب من العملية السياسية وسرعان ما استبدلوا نوابه، ومعظمهم من أعضاء نوابهم،بحسب تحليل الكاتب.
وأضاف أن الإطار التنسيقي وآخرون اعتقدوا أن طريق تشكيل الحكومة بات ممهدا، خاصة أن زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي يتطلع إلى وضع نفسه لفترة ولاية ثالثة في رئاسة الوزراء أو اختيار رئيس للوزراء من دائرته المقربة.
ولفت حمة سعيد إلى أن انسحاب الصدر من البرلمان وضع رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي وحكومته وشركاء الصدر السياسيين والبرلمانيين في موقف صعب للغاية.
كما اعتقد العديد من خصومه أن الصدر قد فقد قدرا كبيرا من ناخبيه لإحباطهم من عدم قدرته على تشكيل الحكومة.
وفي المقابل أشار الكاتب إلى أن الكثيرين لن يدعموا أي محاولة لإسقاط النظام وإشعال حرب أهلية بين الشيعة، وكذلك لن تدعم المؤسسة الدينية الشيعية العراقية في النجف ولا المجتمع الدولي مثل هذه الخطوة، وأيضا ستعارض إيران استبعاد حلفائها من السلطة وحصول أي اقتتال شيعي-شيعي.
وتابع الكاتب أن خصوم الصدر يعتقدون أن حرب روسيا على أوكرانيا غيرت الكثير من الأمور، وأن الولايات المتحدة وأوروبا بحاجة إلى نفط العراق.
ومع بلوغ الطاقة الإنتاجية لدول الخليج إلى الحد الأقصى، يمكن للعراق أن يعوض وينتج المزيد، لذلك، اعتقد خصوم الصدر أن واشنطن وأوروبا ستقبلان بحكومة يشكلها الإطار التنسيقي على أمل أن تعطي الأولوية لإنتاج النفط على الإصلاح ومسائل الحوكمة الأخرى.
ومن الواضح أن هذا التحول في الأحداث قد أظهر بالفعل أن الكثير من تفكير خصوم الصدر لم ينجح، وفقا للكاتب الذي أشار إلى أن دعوته لأداء صلاة الجمعة وسط حرارة الصيف الحارقة في بغداد مع استجابة عشرات الآلاف من الناس أظهرت أن دعم الصدر لا يزال قويا.
كما بين أن الاستيلاء على مبنى البرلمان والمنشآت الأخرى في المنطقة الخضراء في الأيام القليلة الماضية ودعوة الجهات السياسية الأخرى وزعماء العشائر والشعب العراقي للانضمام إلى ما أسماه “ثورة سلمية عفوية” تشير بوضوح إلى أن الصدر حريص لتحقيق أهدافه السياسية المعلنة لتغيير النظام السياسي ومحاربة الفساد.
وأكد حمة سعيد أن خصومه يعتقدون الآن أنه يتجه حقا نحو تحقيق الهدف النهائي المتمثل في جعل السلطة السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية فوق أي شخص آخر.
اقرأ أيضا: الإطار التنسيقي يدعم انتخابات برلمانية عراقية مبكرة “بشروط”
دور واشنطن
وقال حمة سعيد إن هناك تصورات متناقضة في العراق حول دور الولايات المتحدة، ومنها أن التفكير السائد هو أنه لن يتم تعيين أي رئيس وزراء أو يمكن أن ينجح إذا لم توافق عليه الولايات المتحدة وإيران.
في الوقت نفسه، يعتقد العديد من الفاعلين السياسيين أن دور الولايات المتحدة ونفوذها قد تضاءلا بشكل كبير في العراق.
بالمقابل، لفت الكاتب إلى أنه على الرغم من العلاقات المتوترة بين الصدر والولايات المتحدة في السابق، يعتقد البعض أن واشنطن فضلت تشكيل الصدر لحكومة من أجل تعزيز العراق في مواجهة إيران وحلفائها.
كم أضاف أن للولايات المتحدة مصلحة في عراق ديمقراطي ومستقر وذي سيادة، وبالتالي يمكنها أن تعمل مع حلفائها عبر الطيف السياسي العراقي جنبا إلى جنب مع حلفائها الأوروبيين والأمم المتحدة لتشجيع ودعم الحوار بين مختلف الجهات الفاعلة لمنع العنف وكسر الجمود السياسي وتمكين الحكم الفعال.
إلى أين يتجه العراق؟
وذكر الكاتب العراقي أنه على الرغم من التغييرات العديدة في العراق إلا أن المشكلة الأساسية باقية وتتمثل في وجود اختلال في توازن القوى وعدم استعداد لقبول الآخر وجهود محدودة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بالفعل.
وتابع أن الطبقة السياسية منفصلة عن معاناة الجمهور وتتصرف بلامبالاة، بينما تتمتع إيران وتركيا ودول أخرى بنفوذ منافس قوي في العراق وتعطي الأزمة الحالية فرصة أكبر لتوسيع هذا النفوذ، مضيفا أن المشاكل الداخلية توفر مساحة للآخرين لممارسة نفوذهم.
وحسب التحليل، يمكن حل مشاكل العراق أو التخفيف من حدتها إذا عمل العراقيون مع بعضهم البعض بشكل أفضل، حيث رأى أن العراق يبقى مهما لاستقرار المنطقة ولمصالح الأمن القومي للقوى الإقليمية والعالمية.
ومضى بالقول إن البلاد تمتلك العديد من العناصر اللازمة للتغيير الإيجابي، لكن لا تزال تفتقر إلى محفز لتسخير هذه العناصر.
وأضاف أن هناك جهود لكسر الأزمة السياسية الحالية، لكن المأزق السياسي العميق في العراق لن يتم تحريكه في أي وقت قريب.
وخلص بالقول “يمكن أن يحدث تغيير حقيقي إذا أصبحت العملية السياسية أكثر تعبيرا عن إرادة العراقيين، الذين لم يصوت أكثر من 60 في المئة منهم في انتخابات 2021 ولم يوافقوا على الطبقة السياسية”.
المصدر: العربي 21