العمل السياسي نهائيا، تساؤلات عن توقيت ذلك، ولا سيما أن الأنظار تتجه نحو قرار
المحكمة الاتحادية المرتقب يوم الثلاثاء، بخصوص دعوى قدمها التيار لحل البرلمان
بسبب انتهاك المدد الدستورية.
الأمر الآخر، أن زعيم
التيار الصدري، كان قد أعطى، الأحد الماضي، مهلة 72 ساعة بعد مبادرة أطلقها للقوى
السياسية في العراق، دعا فيها إلى تشكيل حكومة جديدة لا تشارك فيها جميع الأحزاب
التي شاركت بالعملية السياسية منذ عام 2003، ومن ضمنهم “التيار”.
استفزاز الصدر
واعتبر مراقبون في حديث لـ”عربي21″
أن قرار الصدر المفاجئ في اعتزال العمل السياسي نهائيا، جاء بسبب “بيان
استفزازي” للمرجع الشيعي العراقي المقيم في إيران، كاظم الحائري، الذي أعلن
اعتزال المرجعي، وتوصية “مقلديه” باتباع مرجعية المرشد الإيراني علي الخامئي.
وقال الصدر في بيان، الاثنين، إن اعتزال
الحائري “لم يكن بمحض إرادته”، مضيفا: “إنني لم أدعِ يوما العصمة
أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر. وما أردت
إلا أن أقربهم (القوى السياسية الشيعية) إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته”.
وألمح زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى
الصدري، إلى احتمال تعرضه للاغتيال، حيث صرح في ختام بيانه الذي نشره على
“تويتر” بالقول: “إن مت أو قتلت فأسلكم الفاتحة والدعاء”.
وأعلن الحائري، الاثنين، اعتزاله العمل الديني
كمرجع بسبب المرض، وأوصى باتباع مرجعية علي خامنئي في إيران، كما وجهه وصية إلى
الشيعة في العراق، ولاسيما من أتباع محمد صادق الصدر (والد مقتدى) ومحمد باقر
الصدر(مؤسس حزب الدعوة الإسلامي الشيعي).
وقال الحائري: “على أبناء الشهيدين
الصدرين أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل
الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد
الادعاء أو الانتساب”.
وتابع: “من يسعى لتفريق أبناء الشعب
والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو
لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو -في الحقيقة- ليس صدرياً مهما ادعى
أو انتسب”.
وطالب الحائري أيضا العلماء وطلبة الحوزة
الدينية والنخب الثقافية والكتاب الواعين والمخلصين العمل على توعية أبناء الشعب،
حتى يميزوا بين العدو والصديق ويدركوا حقيقة مصالحهم.
“محاولة للعزل”
من جهته، فسر السياسي العراقي، ليث شبّر، قرار
الصدر الاعتزال السياسي، بالقول: “بلا شك كان لبيان الحائري الذي حدث في ظروف
غير معروفة، أثر في قرار الصدر، لأن هناك أنباء بأنه في إقامة جبرية وأنه لم يكتب
منه وإنما من ابنه، خاصة مع الحالة الصحية للحائري”.
وأوضح شبّر في حديث لـ”عربي21″ أن
“اعتزال الحائري عن العمل المرجعي، سابقة لم تحصل في التاريخ المعاصر على
الأقل، لأن المعروف أن المرجع يبقى متصديا للفتوى حتى وفاته، لذلك يبقى أمر البيان
غامضا”.
وأضاف السياسي العراقي: “الواضح أن بيان
الحائري جاء بضغوط إيرانية، ليس لعزل الصدر دينيا فحسب، وإنما عزل العراق عن أسس
المرجعية الدينية، لأن الحائري كان واضحا في كلامه حينما أرجع القيادة إلى
الخامنئي”.
وتابع: “سحب المرجعية من العراق، أمر
مخالف للتاريخ، فهي قبل حوالي 900 عام كانت في النجف، خصوصا أن المرجع علي السيستاني
لا يزال حيا، لذلك كان البيان صادما واستفزازيا ليس فقط للصدر، وإنما للشعب
العراقي”.
وأعرب شبّر عن اعتقاده بأن “يكون بيان
الصدر الذي أعلن الاعتزال السياسي، بعد بيان الحائري كان خطوة استباقية للأحداث
المقبلة، لأن كانت هناك أنباء تتحدث أن ما بعد بيان الحائري، يعلن الإطار التنسيقي
تشكيلة حكومية متكاملة حتى يضع الأطراف الأخرى في حرج”.
وشدد على ضرورة أن “نوقف نزيف الدم، فمن
غير الممكن وقوع ضحايا بسبب المظاهرات، لذلك الحكومة والقائد العام مسؤول عن ضبط
الأمن وإيقاف الدماء، ويجب أن تتخذ قرارات جوهرية حتى يتم حفظ الأمن”.
ودعا شبّر الأطراف السياسية إلى أن
“المحاولة جهد الإمكان للذهاب إلى الحلول الممكنة، وليس المتعنتة التي مارستها خلال الفترة السابقة، وأن كل الأخبار
المتوفرة تفيد بأن الطرف الآخر (الإطار التنسيقي) أيضا متجهّز ويحاول جاهدا لفرض
رؤيته، وليس البحث عن حلول أخرى”.
وتمنى السياسي العراقي أن “تتخذ المحكمة
الاتحادية، الثلاثاء، قرارا قريبا من الهموم الشعبية، لأن الموضع الآن شعبي وليس
حزبي، وبالتالي يجب أن تكون القرارات سواء من الحكومة أو الأحزاب أو المحكمة كلها
قريبة من الشعب حتى تنزع فتيل الأزمة”.
“يوم حاسم”
وعلى الصعيد ذاته، رأى الباحث في الشأن السياسي
العراقي، فاضل الطائي، في حديث
لـ”عربي21″ أن “قرار الصدر اعتزال العمل السياسي نهائيا، جاء بشكل
مستعجل بعد بيان الحائري الذي أعلن مغادرة العمل المرجعي، والذي نزع عنه ما يحلم
به (الصدر) من صفات المرجعية الدينية”.
وأضاف أن “الصدر يبدو تعرض إلى تهديد
حقيقي، وأن بيان الحائري هو رفع الغطاء الديني عن زعيم التيار الصدري تمهيدا
لاجتثاثه من المشهد العراقي بشكل كامل، لذلك لم يمهلهم الصدر كثيرا، وأعطى الأوامر
للتحرك جماهيريا ورمي الكرة في الميدان”.
وكشف الطائي أن “القوى السياسية الشيعية
في الإطار التنسيقي اتفقت بالإجماع يوم السبت، على عقد جلسة للبرلمان تكون أما في
يوم الثلاثاء أو الأربعاء، في العاصمة بغداد، ومواجهة التيار الصدري إذا
اعترضهم”.
ولفت الباحث إلى أن “حِراك الصدر لن ينتهي
من دون مجابهة مسلحة، وإذا تمكن البيت الشيعي من تجاوز هذه العقدة (الصراع
الداخلي) هذه الليلة فستمضي الأمور كما يخطط لها الإطار التنسيقي، بتشكيل حكومة
جديدة يرأسها محمد شياع السوداني”.
ولفت إلى أن “المواقف الدولية والمحلية
كلها في قراءتها الدقيقة تنزع صفة (الثورة) على ما يجري، وأن رهان الصدر على تحويل
تظاهرات تياره إلى تشرين ثانية كما يدعى لها اليوم لم يحقق ذلك حتى الآن، وربما
تكون الجمعة المقبلة الحد الفاصل في الصراع”.
وعلى إثر قرار الصدر اعتزال العمل السياسي،
سيطر أنصار التيار على القصر الجمهوري في المنطقة الخضراء، الأمر الذي أدى إلى
اندلاع اشتباكات بين الصدريين والقوات الأمنية سقط خلالها حتى وقت كتابة التقرير
نحو 15 قتيلا ونحو 250 جريحا.
المصدر: العربي 21