انتقد مدونون ونشطاء تونسيون دعوة رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي السابق مصطفى بن جعفر إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة التي دعا لها الرئيس قيس سعيد، واعتبروا ذلك دعما للانقلاب وخذلانا للثورة ولدستور الثورة الذي كان بن جعفر أحد الموقعين عليه.
ورأى رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي السابق مصطفى بن جعفر في تدوينة له اليوم الأثنين نشرها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أنّ محطة الانتخابات التشريعية المرتقبة في 17 من كانون أول (ديسمبر) المقبل فرصة سانحة لتفادي مخاطر الانقسام وتصحيح مسار الثورة ووضع قطار الديمقراطيّة على السكة السليمة.
وأكد أن “الواجب الوطنيّ يفرض على التونسيين أن لا يهدروها، عملا بقاعدة طالما تم اعتمادها قبل الثورة “ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه!”
لكن بن جعفر أشار أيضا إلى أن “الرئيس قيس سعيد طريق اختار الانفراد بالرأي لصياغة وتمرير دستور الجمهورية الجديدة، وذلك على الرغم من كلّ الدعوات لفتح باب الحوار والمشاركة في أهمّ نصّ قانونيّ يمثّل العقد الاجتماعي الذي يربط المواطنين والمواطنات ببعضهم بعضا من جهة، وبدولتهم وبمختلف مؤسساتها وسلطها من جهة أخرى”.
واعتبر أن “ضعف نسبة المشاركة في الاستفتاء هو بالأساس نتيجة لما تعاني منه البلاد منذ سنوات من ترذيل للحياة السياسيّة والحزبية، ممّا أدّى إلى نفور المواطنين والمواطنات من الشأن العامّ واستبطانهم لصورة سلبيّة عن العمل السياسيّ تضع الجميع في نفس السلّة حتّى أصبح الفرز بين الصادق والكاذب صعب المنال وحيث أصبح الخطّان المتوازيان خطّين متطابقين منسجمين تجمعهما المصالح ولا تفرّقهما ظرفيّا سوى “سخريّة” الحملات الانتخابية!”.
وذكر بن جعفر أنه “على الرغم من كل الاحترازات فقد جاءت نتيجة الاستفتاء لتؤكّد ما يحظى به الرئيس قيس سعيّد من شعبيّة حقيقية، حيث كانت المسألة المطروحة في جوهرها أقرب للمبايعة لشخصه منها إلى المصادقة على مشروع دستور كاد يجمع أساتذة القانون الدستوري وجلّ مكونات المجتمع المدني على أنّه يمثل، بالمقارنة مع دستور 2014، تراجعا في العديد من المجالات الأساسية، في وقت كان من المنتظر ان يقع التركيز على “تصحيح” ما برز من خلال الممارسات من ثغرات في النظام السياسي لدستور 2014″.
وتساءل بن جعفر: “اليوم وقد حصل ما حصل وأعلن رئيس الجمهورية أنّه سيتمّ سنّ قانون انتخابي في قادم الأيّام، وأنّه سيتمّ تنظيم انتخابات تشريعيّة بمقتضى هذا القانون في شهر ديسمبر القادم، هل يمكن تجاوز الانقسام الخطير الذي يهدّد استقرار البلاد وهل يمكن تصحيح ما حصل من سوء تقييم أو سوء تفاهم خلال السنة الأخيرة؟”.
وأجاب: “على الرغم من الضبابيّة السّائدة في المشهد السياسيّ، حيث لم يفصح رئيس الجمهوريّة إلى حدّ الآن عن التّفاصيل اللّازمة، فإنّ الاستقالة الشعبيّة الجماعيّة من الشأن العامّ وإتّباع سياسة الكراسي الشاغرة من طرف القيادات السياسيّة لن يزيد الانقسام الراهن إلاّ تأزّما وخطورة، بل سيفتح الأبواب على مصراعيها للانزلاق نحو المجهول”.
وانتقد بن جعفر القوى السياسية التي شاركت في الحكم بعد الثورة لأنها لم تقم بالمراجعات اللازمة، وقال: “الأدهى والأمرّ، هو أنّ عددا كبيرا من المسؤولين عمّا نعيشه اليوم من أزمة لم يقدّموا ذرّة من نقد ذاتيّ، بل يصرّون على ما يفعلون وكأنّ شيئا لم يكن، وطالما واصلت الطبقة السياسيّة على هذا النهج فإن الشرخ بينها وبين المواطن سيزداد اتّساعا مهما كانت قوة الحجج المقدّمة في تقييم الوضع الحاليّ وفي التركيز على أخطاء الطرف الماسك بالحكم، فمواعظ الواعظ لن تقبلاَ ـ حتّى يعيها قلبه أوّلاَ”، وفق تعبيره.
القيادي في حركة “مواطنون ضد الانقلاب” الكاتب والمحلل السياسي الحبيب بوعجيلة، اعتبر أن بيان بن جعفر جاء مخيبا للآمال.
وقال بوعجيلة في تدوينة له نشرها على صفحته على “فيسبوك”: “قرأت منذ قليل البيان الجديد للدكتور مصطفى بن جعفر عنونه بالآية القرآنية عن الزبد الذي يذهب جفاء ليبقى في الأرض ما ينفع الناس.. ولكنني في الحقيقة لم أجد مرة أخرى في كلام أحد عرابي دستور 2014 المغدور إلا زبدا وجفاء وتناقضات وغموضا في التموقع لينتهي بنا أخيرا إلى خيار دعوة الجميع إلى المشاركة في الانتخابات القادمة و”طاح الكاف على ظلو”.
وأضاف: “لم يخب ظننا في أحد من قادة المعارضة الديمقراطية للاستبداد النوفمبري قدر خيبتنا في سي مصطفى”، وفق تعبيره.
المدون العربي القاسمي قال معلقا على بيان بن جعفر: “احشم على روحك وأكرم لحيتك بالسّكات. لقد فقدت كلّ مصداقية ولا أدري إن كان ما يزال لديك نزر من الوطنية”.
وأضاف: “غلبتكم أنانيّتكم وحزبيّتكم الضّيقة وأفنتكم رغبة استئصال النّهضة ومغالبتها خارج صناديق الاقتراع بالإفتراءات والشعبوية. عاونّا بالسّكات سي مصطفى”.
أما المدون مختار البوزيدي فقال تعليقا على تدوينة بن جعفر نفسها: “مصطفى بن جعفر الناطق باسم حزب فرنسا الداعمة للانقلاب يبحث عن مخارج للمنقلب. قبل أن تطالب غيرك بالنقد الذاتي حبّذا لو تقدّم نقدك الذاتي لك ولحزبك التكتل الراعي الأساسي لمصالح فرنسا. عندما تبادر بنقدك الذاتي وتنشر ذلك للعموم فتكون قدوة في ذلك لغيرك عندها فقط يصبح مقبول أخلاقيا أن تطالب غيرك بالنقد الذاتي.. أما غير ذلك فهو تنصّل من المسؤولية وإلقاء باللوم على الغير وإصرار على الخطأ الذي أوصل البلاد إلى هذا الانهيار والعبث والخراب”، وفق تعبيره.
ومنذ 25 تموز (يوليو) 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة حين بدأ سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 يوليو الماضي وتبكير الانتخابات البرلمانية.
وتعتبر قوى تونسية أن هذه الإجراءات تمثل “انقلابا على دستور 2014 وترسيخا لحكم فردي مطلق”، بينما ترى قوى أخرى أنها “تصحيح لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).
المصدر: العربي 21