كشفت وسائل إعلام لبنانية، أن السلطات تمكنت من اعتقال طبيب سوري متعاون مع “الموساد” الإسرائيلي، وجنّد أفرادا من عائلته للعمل معه خلال الأعوام الماضية.
ولفتت صحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله، إلى أن منسق الشبكة التجسسية يدعى معن يوسف، وهو طبيب سوري ينحدر من إحدى بلدات محافظة اللاذقية، ويعمل منذ سنوات في السويد.
وأوضحت أن يوسف نجح في تجنيد والده وشقيقيه بشكل أساسي في الخلية التجسسية، علما بأن شقيقيه أحدهما عقيد متقاعد في الجيش السوري، والآخر ضابط رفيع برتبة عميد في الجيش السوري، وكان يخدم في قسم الهندسة الطبوغرافية، قبل أن يتقاعد مطلع العام الحالي.
وأشارت “الأخبار” إلى أن من ضمن المتعاونين أيضا، زوجة شقيق الطبيب، وتعمل مهندسة مدنية في البلدية.
بداية التجنيد
وحول بداية تجنيده، قال الطبيب السوري في اعترافاته التي أدلى بها للأجهزة الأمنية اللبنانية، إن شخصا زعم أن اسمه “كريستوفر”، ويعمل في شركات تعنى بالبيئة، وتقنية المياه، تواصل معه في العام 2018، وعرض عليه المساعدة في مشروع تنقية المياه في سوريا، مدعيا أن هذه المشاريع خيرية ومجانية.
وتابع بأنه أبلغه بموافقته ليحصل تواصل هاتفي بينهما قبل أن يلتقيا بعد نحو شهر في فندق الشيراتون في ستوكهولم حيث جرى الحديث عن المشروع، واقترح الطبيب اسمي شخصين للعمل معه في المشروع هما شقيقاه لؤي ومازن.
وفي لقاءات أخرى لاحقة، أحضر “كريستوفر” شخصا آخر عرّف به على أنه خبير في تنقية المياه، وطلبا منه في نهاية اللقاء أن يحضر خريطة جغرافية عن توزيع شبكة المياه في بلدة صحنايا في الغوطة الغربية، وطُلب منه التقاط صور لأماكن خزانات المياه والأماكن التي ستُستخدم لتكرير المياه.
وبالفعل هذا ما حصل حيث سافر الطبيب ليلتقي رئيس بلدية صحنايا ويُخبره بالمشروع ويُحضر الصور والخريطة المطلوبة. أما اللقاء الثالث فحصل في براغ في التشيك على هامش مؤتمر يشارك فيه الطبيب حيث تعرف هذه المرة إلى مدير مشروع تنقية المياه المزعوم الذي أخبره بأنه يوناني الأصل يُقيم في سويسرا ويُدعى بول، وحصل اللقاء في مطعم لبناني ليزود الطبيب الرجلين بالخرائط والصور.
اقرأ أيضا: خبير إسرائيلي: اتفاق الحدود مع لبنان أهم من التطبيع
معلومات شخصية
قال الطبيب معن إنه تواصل بعدها مع مدير المشروع عبر تطبيق “واتساب” ليجري الحديث في أمور العمل والحياة الشخصية والسياسة. وقد طُلب منه تزويدهم بتفاصيل حياة أهله وأشقائه والأعمال التي يُزاولونها سابقاً وحالياً وأرقام هواتفهم.
اللقاء الرابع حصل عام 2019 في إيطاليا بعدما طلب منه “صاحب المشروع” السفر إلى ميلانو على حسابه الخاص للقاء مسؤول في الاتحاد الأوروبي. دار خلاله حديث عن العقوبات على سوريا وكيفية تجنبهم هذه العقوبات في المشروع الخيري. في هذا اللقاء اقترح الطبيب على المسؤول المذكور تمويل معمل الإسمنت الذي يملكه والده، فأجابه بأنه لا بد من تخفيض العقوبات الأوروبية قبل البدء بهذا المشروع.
وفي نهاية اللقاء، منحه صاحب المشروع مبلغ 550 يورو بدل سفر وحجز فندقي. وبعد ستة أشهر حصل لقاء جديد في روما في إيطاليا.
ويذكر الطبيب أن الأحاديث كانت تتمحور حول حياته الخاصة أكثر من المشروع من دون أن يحصل أي تقدم، فسألهم عن السبب ليبلغوه بأن سبب ذلك مرده إلى عدم القدرة على تجاوز العقوبات الأوروبية طالبين منه أن يصبر. في نهاية اللقاء، أعطوه 600 يورو بدل حجز فندقي وتذكرة سفر.
واستمر التواصل مع مدير المشروع بمعدل مرة أسبوعياً حيث بدأ يتواصل مع والده وشقيقيه لؤي ومازن، علماً بأن والده يدعى يوسف، عمره 85 سنة ويعمل في تجارة الحديد والإسمنت.
في صيف 2019، حصل لقاء في سويسرا لمدة تقارب الساعة والنصف. وكانت الأحاديث خاصة عنه وعن إخوته. فأعرب الطبيب عن تذمره لأن حديثا كهذا لا يستأهل السفر إلى سويسرا، فأجابه محدثه بأنه يعتبره صديقه ويُسر بالحديث معه بغض النظر عن المشاريع، ثم طلب منه خريطة شاملة لشبكة توزيع مياه دمشق، مبرراً ذلك بدراسة جدوى إقامة عدة مشاريع لتنقية المياه ثم منحه مبلغ 1200 يورو بدل تذكرة سفر وحجز فندقي ويوم تعطيل.
يقول الطبيب إن شكوكاً ساورته حينها بسبب عدم تنفيذ أي من المشاريع. وأخبر الطبيب المحققين أنه اعتبر أن طلبات صاحب المشروع كانت غير منطقية وغير مترابطة، لكنه تابع التواصل آملاً في أن تتضح الصورة لديه.
انقطاع ثم تواصل مكثف
انقطعت اللقاءات بين الطبيب وصاحب المشروع منذ بداية عام 2020 بسبب جائحة كورونا ثم خفت وتيرة التواصل لتصبح مرة أو مرتين من باب الاطمئنان عليه وعلى أشقائه. في حزيران/ يونيو 2020، تكثف التواصل ليطلب صاحب المشروع منه تأسيس مكتب لشقيقه مازن في سوريا لإدارة العمل على أن يتكفل هو بتكاليف استئجار المكتب وتجهيزه. ثم طلب من الطبيب شراء حاسوب محمول وهاتف خلوي على أن توصل به شريحة خط سويدية، فعرض الأخير عليه شراء حاسوبه بمبلغ 300 يورو.
يقول الموقوف إنه حتى شهر تموز/ يوليو عام 2020 كانت جميع اللقاءات تتمحور حول مشروع تنقية المياه، لكن منذ شهر آب/ أغسطس 2020 بدأ التحول الذي فهم عبره الطبيب طبيعة العمل الأمني. اتصل به بعدها عبر تطبيق الواتساب وطلب منه تحميل برنامج مخصص للتشفير وشرح له تفصيلياً الخطوات اللازمة. وطلب منه تفعيل تطبيق الواتساب على الخط السويدي على أن يتواصل منه مع شقيقه مازن الضابط في الجيش السوري.
طلب منه خريطة شاملة لشبكة توزيع مياه دمشق مبرراً ذلك بدراسة جدوى.
بعدها طلب صاحب المشروع من الطبيب احتساب التكاليف لإعطائه إياها ثم التقيا في سويسرا، وحصل اتصال هاتفي بين الطبيب وصاحب المشروع من جهة وبين شقيقه مازن ووالده من جهة أخرى، وبعد أن اطمأن عليهم أبلغهم بأنه سينقل التجهيزات معه إلى سوريا لبدء العمل.
يقول الطبيب إنه انتقل بعدها ليُدخن السيجار مع صاحب المشروع الذي طلب منه تكثيف العمل في سوريا من أجل أن يقوم بتمويل مشروع معمل الإسمنت الخاص بوالده.
وطبيعة العمل أن يقوم وشقيقه مازن بجمع معلومات يعتبرها مهمة عن مواضيع يقوم بتزويدنا بعناوينها.
وأكد أن هذه الطريقة الوحيدة من أجل تمويل إعادة العمل في معمل الإسمنت. تفحص صاحب المشروع التجهيزات وبرنامج التشفير على الحاسوب وفعل بريداً إلكترونياً، كما أنه زوده بكلمة المرور وتثبت من تفعيل تطبيق الواتساب على الرقم السويدي، وأعطاه كلمة مرور على قصاصة ورق طالباً منه إعطاءها لشقيقه وأبلغه بأنه ممنوع عليه تصويرها.
وطلب منه تجربة إدخال مستند إلى برنامج التشفير ثم طلب منه تعليم هذه الخطوات لشقيقه مازن. ونبهه إلى أن يخبر شقيقه بأن الهاتف مخصص حصراً للتواصل معه عبر تطبيق الواتساب والإيميل، طالباً منه أن يُبقي الهاتف دائماً في المكتب.
كما أنه حذره من استعمال الحاسوب في أي أعمال أخرى. وأبلغه بأن هذه الإجراءات هدفها عدم افتضاح أمر شقيقه لكونه سيُرسل له مستندات سرية، ثم أعطاه مبلغ 2500 يورو ثمن الحاسوب وشريحة الهاتف وتذكرة السفر إلى روما ومنها إلى سوريا عبر مطار بيروت الدولي.
وأبلغ الطبيب المحققين بأن صاحب المشروع، تصرف معه بطريقة مختلفة عن السابق، وكان يتوجه له بلغة الأمر.
وأظهر جدية وصرامة لم يُظهرها في أي وقت سابق. وأنه اكتشف أن ما يسعى وراءه لا يمت إلى الأعمال الخيرية بصلة، إنما تبين له أنه كان يتواصل مع أحد ضباط الموساد الإسرائيلي الذي يسعى لمعلومات أمنية من أشقائه في سوريا، وأنه اتُخذ وسيطاً لإتمام مهمته كون تواصله مع أشقائه في سوريا لن يُثير الريبة والشكوك لدى الأجهزة الأمنية.
قرار جماعي مع الأهل
يقول الطبيب في إفادته إنه فور وصوله إلى سوريا اجتمع بوالده وشقيقيه لؤي ومازن وأعلمهم بأنه ليست هناك أي مشاريع خيرية وأن الشخص الذي يتعاملون معه ضابط في الموساد الإسرائيلي.
فجرى نقاش بينهم ثم قرروا متابعة التواصل والتعامل معه. وعلّم شقيقه مازن على كيفية استخدام الأجهزة حيث قام بتجربة إرسال ملف بعد تشفيره عبر أحد التطبيقات على الحاسوب بواسطة رمز المرور الذي زوده به المشغل.
استُكمل التحقيق مع الطبيب الموقوف الذي عاد واعترف بأنه من أقنع شقيقه مازن بالعمل مع المشغل الذي كان يطلب منه الاستمرار بتحفيز شقيقه على استكمال العمل مقابل مبالغ مالية.
وذكر أنه نقل مبلغ 1500 يورو لشقيقه. وكان المشغل يُرسل هدايا لشقيقه مازن حيث كان ينقلها الطبيب معه عبر مطار بيروت.
وأفاد الطبيب للمحققين بأن ذلك حصل أربع مرات. أما الهدايا فكانت عبارة عن علب سيجار وقلم حبر وعلبة غليون وزجاجات عطر.
وكان المشغل يرسل الهدايا لوالده وشقيقه الآخر وزوجته. كما أنه أرسل مبالغ مالية مرتين لوالده، الأولى كانت 500 يورو والثانية 1200 يورو. وذكر أنه في مرة أخرى دفع له 1500 يورو ثم مبلغ 2300 يورو وزعها على شقيقيه ووالده. وفي مرة أخرى أعطاه مبلغ 6 آلاف يورو طالباً منه أن يعطي 4500 يورو منه لشقيقه مازن، و1500 يورو لشقيقه لؤي ووالده.
أما المهمات التي كُلِف بها شقيقه الضابط في الجيش، فكانت إرساله خرائط لبلديات تابعة لمدينة دمشق وريفها تتضمن تفاصيل عن الطرقات والأوتوسترادات والجسور. كما أنه تواصل معه في إحدى المرات شخص يتحدث بلهجة أردنية طالباً منه جمع معلومات عن شخصين موجودين في سوريا.
المصدر: العربي 21