يعاني الموظفون، في أكبر مصنع “آيفون” في العالم الموجود في الصين من نقص غذاء بين الموظفين المعزولين جراء إجراءات كورونا. وكشف تقرير “نيويورك تايمز” أن إجراءات الإغلاق تسببت بموجة من الخوف والاضطراب داخل المصنع، لافتا إلى “فرار أعداد كبيرة من العمال من المنشأة”.
وأُغلِق المصنع خلال منتصف أكتوبر مع ارتفاع حالات الإصابة بكورونا في مدينة تشنغتشو، عاصمة مقاطعة خنان. وذلك، بموجب السياسة المتبعة لوقف انتشار كورونا في الصين، التي تفرض على المدن والشركات إجراءات صارمة للقضاء على انتقال الفيروس.
ويذكر أن مصنع الـ”آيفون” تديره شركة “فوكسكون”، عملاقة التصنيع ومقرها تايوان، ولديها منشآت في جميع أنحاء الصين.
عندما بدأ اكتشاف حالات كورونا في المصنع، عزلت “فوكسكون” مصنع الـ”آيفون” عن العالم الخارجي، ما أدى إلى احتجاز نحو 200 ألف عامل داخل المنشأة. وحظرت تناول الطعام في كافيتريا المصنع، وأجبرت الموظفين على السير في مسارات طويلة ملتوية من مهاجعهم لتقليل الاتصال بالآخرين، وطلبت إجراء اختبارات يومية لفيروس كورونا وفحوصات درجة الحرارة.
إلا الروايات التي أفصح عنها الموظفون الذين نقلوا إلى الحجر الصحي بعد أن ثبتت إصابتهم بكورونا أقلقت العمال. فقد قال بعضهم إنهم لا يحصلون على طعام كافٍ أو لا يحصلون على طعام إطلاقا، وذلك في وقت يفتقرون إلى الضروريات الأخرى.
ومع انتشار هذه القصص على وسائل التواصل الاجتماعي، قرر عمال آخرون الفرار من وظائفهم، فبالنسبة لهم من الأفضل المخاطرة بالإصابة بكورونا وإجبارهم على الحجر الصحي من أن يحتجزوا في المصانع من دون غذاء.
وتَخوَّف عاملان تحدثا لـ”نيويورك تايمز” بشرط عدم الكشف عن هويتهما من انتقام الشركة لأن مئات العمال غادروا المصنع.
وأمام واقع الفرار، لم يكن أمام الكثيرين من الذين غادروا سوى خيار السير إلى منازلهم، وبعضهم لمسافات طويلة، وذلك جراء تقييد حركة وسائل النقل ضمن إجراءات مدينة تشنغتشو للحد من تفشي كورونا.
وروِّج لنهج “صفر كورونا” من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي فاز الشهر الماضي بولاية ثالثة كزعيم للصين. وأدت السياسة، التي تميزت بإغلاق شديد وحجر صحي، إلى إقفال مدن بأكملها بسبب عدد قليل من الحالات.
وأمر مسؤولو تشنغتشو، الأربعاء، المنطقة المحيطة بالمنشاة بإغلاقها لمدة سبعة أيام، ما يعرض للخطر أي محاولات أخرى للفرار. ووصف إشعار محلي التفشي بأنه “خطير ومعقد”، فقد أبلغت المدينة عن 358 حالة جديدة يوم الأربعاء، مقارنة بـ 24 حالة في نفس اليوم قبل أسبوع.
وأفادت “رويترز” أن السلطات أغلقت، الإثنين، منتجع “شنغهاي ديزني” بعد تفشي 10 حالات إصابة بفيروس كورونا في شنغهاي.
ولم تستجب “أبل”، الشركة المصنعة لجهاز “آيفون”، لطلب التعليق من قبل “نيويورك تايمز”. من جهتها، اعتبرت ” فوكسكون” أن إجراءاتها الوبائية “معركة طويلة الأمد”، وأصرت على أن عمالها يتلقون ثلاث وجبات طعام في اليوم.
ولكن الموظفين اتهموا “فوكسكون” أنها أرسلت العمال الذين ثبتت إصابتهم بكورونا إلى مراكز الحجر الصحي مع المخالطين الرئيسين، حتى عندما كانت نتائج هؤلاء الأفراد سلبية.
وفي الوقت نفسه، أُبلغ جهات الاتصال الوثيقة الأخرى بضرورة مواصلة العمل، وأشارت “نيويورك تايمز” أن العمال يتهمون الشركة بالفوضى في إدارة الملف.
ووصف ليو لين، 29 عاما، الذي يعمل داخل المصنع، ما يحصل في الداخل على أنه “جو من الذعر” حيث فقد المصنع قبضته على عزل المخالطين الأساسيين للمصابين بكورونا.
ساعدت مدينة تشنغتشو، التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، على مدى سنوات، في تحسين النموذج الاقتصادي الصيني الذي يحركه التصدير. وتُعرف المدينة باسم “آيفون سيتي”، وتصنع نحو نصف إمدادات “أبل” العالمية من “آيفون”.
ووفق “نيويورك تايمز”، قد يضر الإغلاق لمدة سبعة أيام الذي أُعلن عنه يوم الأربعاء بقدرة “فوكسكون” على شحن أجهزة “آيفون” من المصنع. وينمو الاقتصاد الصيني ككل بأبطأ وتيرة منذ عقود في ظل سياسة الحكومة “صفر كوفيد”.
وفي إشارة إلى قلق “فوكسكون” بشأن هروب العمال، بدأت الشركة الأسبوع الماضي في تقديم 14 دولارا إضافيا لهم في اليوم لمواصلة العمل. وزادت، الثلثاء، الرقم إلى 55 دولارا في اليوم، بحسب إعلان رسمي.
في البداية، لم تسمح “فوكسكون” لعمالها بمغادرة المنشأة، ولكن مع تصاعد الغضب العام على وسائل التواصل الاجتماعي، رضخت الشركة.
وقال أحد العمال لصحيفة “نيويورك تايمز” إنه من غير الواضح ما إذا كان أولئك الذين غادروا سيحتفظون بوظائفهم أو يتقاضون رواتبهم مقابل العمل الذي قاموا به.
وروت ابنة أحد العاملين في فوكسكون، غاو مينغ جون، إن والدتها لم تكن مصابة بكورونا، لكن المصنع وضعها في الحجر الصحي مع زميل ينام في سرير فوقها. وثبت أن زميل العمل هذا مصاب بكورونا في وقت لاحق.
وقررت والدتها السير مسافة 38 ميلا عائدة إلى منزلها في شوتشانغ، وذلك نحو الساعة 5 مساء السبت، لتخرج من البوابة الأمامية للمنشأة مع نحو 100 شخص من العمال. ووصفت جاو رحلة والدتها بأنها “طويلة جدا”، موضحة أنها “بالتأكيد لن تعود إلى فوكسكون”.
وأشارت “رويترز” إلى أن لجنة الصحة الوطنية في الصين ذكرت، الخميس، أن البلاد سجلت 3372 إصابة جديدة بفيروس كورونا في الثاني من نوفمبر من بينها 581 مصحوبة بأعراض و2791 من دون أعراض.
ورصدت الصين 2928 إصابة جديدة في اليوم السابق من بينها 465 إصابة ظهرت عليها أعراض، و2463 من دون أعراض. ولم تسجل البلاد وفيات جديدة لتظل الحصيلة عند 5226. وحتى الثاني من نوفمبر سجل بر الصين الرئيسي 261552 إصابة بفيروس كورونا ظهرت عليها أعراض.
وذكرت “رويترز”، نهاية شهر اوكتوبر الماضي” أن مدنا بوسط الصين اعدت على عجل خططا لعزل عمال عادوا لها من أحد المصنع الضخم لتصنيع هواتف “آيفون” لشركة “فوكسكون”، خشية أن يتسببوا في تفشي فيروس كوفيد-19.
وفي وقت متأخر السبت، حثت مدن قريبة من تشنغتشو، منها يوتشو وتشان وغيرها، عمال فوكسكون على إبلاغ السلطات المحلية قبل توجههم إلى مدنهم.
وقالت المدن المذكورة في رسائل منفصلة، على حساباتها بوسائل التواصل الاجتماعي، موجهة إلى عمال فوكسكون بتشنغتشو إن العمال العائدين سيسافرون “مباشرة بلا توقف” في مركبات مجهزة مسبقا لسفرهم وسيدخلون عزلا صحيا بمجرد وصولهم.
وأوضحت “فوكسكون” لـ”رويترز”، الأحد، في رد عبر البريد الإلكتروني على الاستفسارات “وافقت الحكومة على استئناف تناول الوجبات في المقاصف لرفع مستوى راحة الموظفين ورضاهم”.
ولم ترد “فوكسكون” على تساؤلات لـ”رويترز” عن عدد الإصابات التي اكتُشفت في مصنع تشنغتشو وعدد العمال الذين غادروا.