تصاعدت وتيرة تخلي السلطات الصينية عن القيود المشددة الخاصة بسياسة “صفر كوفيد”، وسط ترحيب اقتصادي، ومخاوف من احتمالية تفشي العدوى والتسبب في مزيد من الاضطرابات.
وفي مسعى لمواجهة الطفرة في حالات الإصابة بكوفيد-19، أقامت الصين المزيد من مرافق العناية المركزة وسعت إلى دعم المستشفيات في وقت يشهد تراجع بيكين عن القيود المفروضة لمكافحة الفيروس التي تسببت في احتجاز ملايين الأشخاص داخل منازلهم، وكانت سببا في تراجع النمو الاقتصادي واندلاع احتجاجات، وفقا لوكالة “أسوشيتد برس”.
وقالت الصين، السبت، إنها ستتوقف عن فحص كوفيد لسائقي الشاحنات وأطقم السفن الناقلة للبضائع محليا، مما يزيل مشكلة رئيسية لشبكة سلسلة التوريد الخاصة، وفقا لـ”رويترز”.
وسعت الصين خلال الأيام الماضية نحو إعادة الانفتاح الاقتصادي، مما أدى إلى تخفيف عناصر رئيسية من سياسة صفر كوفيد، في تحول لاقى ترحيبا واسعا لكنه الآن يثير المخاوف من تفشي العدوى والتسبب في مزيد من الاضطرابات.
ولا تزال حكومة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ملتزمة رسميا بسياسة “صفر كوفيد”، لتصبح الصين آخر دولة كبرى تحاول القيام بذلك، حسب “أسوشيتد برس”.
لكن التحركات الأخيرة تشير إلى أن الحزب الشيوعي الحاكم سيتسامح مع المزيد من الحالات دون الحجر الصحي أو وقف السفر أو إغلاق الشركات.
ويبدو أن التحول المفاجئ للقيادة بشأن كيفية تعامل الصين مع الوباء قد انطلق من الاحتجاجات ضد الضوابط التي بدأت الشهر الماضي، وفقا لتقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
لكن تلك الاضطرابات جاءت بعد قلق متزايد بشأن الخسائر التي تلحق باقتصاد البلاد بسبب العزلة وعمليات الإغلاق القاسية المنتظمة.
وبعد ثلاث سنوات من ظهور فيروس كورونا في وسط الصين، يحرص المواطنون على أن تبدأ بكين في التوافق مع باقي دول العالم التي انفتحت إلى حد كبير في محاولة للتعايش مع كوفيد.
ترحيب اقتصادي
كانت الصين محركا للنمو الإقليمي منذ القرن الماضي، لكن من المتوقع أن تتخلف هذا العام عن جيرانها لأول مرة منذ عام 1990، مع تداعيات وخيمة على شعبها.
وحسب “الغارديان”، فإن ما يقرب من واحد من كل خمسة شباب في المدن عاطل عن العمل، وقد تضررت الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص من حالة عدم اليقين وتأثير عمليات الإغلاق غير المتوقعة والتي غالبًا ما تدوم طويلاً لمدن بأكملها.
وفي وقت سابق من هذا العام، ووسط عمليات إغلاق جماعية، تعرضت أجزاء كثيرة من شبكة سلسلة التوريد في الصين للفوضى بسبب متطلبات بإثبات المشاركين في نقل البضائع عدم إصابتهم بكوفيد، وخصوصا عند نقاط التفتيش.
وذكرت السلطات أن إزالة هذه القيود تهدف بشكل خاص إلى ضمان الإمداد السلس للأدوية ومواد مثل تلك المستخدمة في الكشف عن الإصابة بكوفيد، وفقا لـ”رويترز”.
ورحبت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، بالخطوات “الحاسمة” التي اتخذتها السلطات الصينية في “إعادة ضبط سياسات كوفيد”.
وقالت إن تلك الخطوات يمكن أن تعزز الاقتصاد الإقليمي الدولي، مضيفة أن “هذا يمكن أن يكون مفيدا جدا للشعب الصيني والاقتصاد وأيضا لآسيا والاقتصاد العالمي”.
مخاوف من “تفشي متوقع”
لسنوات، أدى نظام الضوابط الشرس على نحو متزايد إلى إبعاد سلالات الأمراض المعدية بشكل متزايد، ويقول الخبراء الطبيون إن هذه كانت فرصة ضائعة لحماية السكان وإعداد نظام الرعاية الصحية لموجة من المرضى، حسب “الغارديان”.
ودعت جورجيفا إلى مزيد من التطعيم والتوسع السريع في خيارات العلاج الطبي “استعدادا لموجة العدوى التي ستتبع حتما الانفتاح”.
ويبقى التحدي الكبير الذي يواجه السلطات الصينية حاليا هو ما إذا كان بإمكانها الحد من أعداد الحالات والوفيات، فالصين بلد متقدم في السن، مع معدلات التطعيم والتعزيز متخلفة كثيرا عن المطلوب للحد من المرض الشديد.
وتلقى 40 في المئة فقط من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاما، والذين هم معرضون للخطر بشكل خاص “جرعات معززة”، وسيكون جميعهم تقريبا قد حصلوا على لقاح مطور محليا، وهو أقل فعالية وطويلة الأمد من البدائل الغربية، وفقا لـ”الغارديان”.
إضافة إلى المخاطر الناجمة عن موجة متوقعة سريعة الانتشار من الإصابات بالفيروس، فلا توجد مناعة طبيعية لدى غالبية الشعب الصيني تقريبا، لأن معظم الناس لم يتعرضوا لكوفيد أبدا، حسب الصحيفة.
وسجلت الحكومة الصينية، الأحد، 10815 حالة إصابة جديدة بكوفيد-19 بينها 8477 حالة لم تظهر عليها أعراض، وفقا لـ”أسوشيتد برس”.
ويمثل هذا العدد ربع الذروة اليومية المسجلة في الأسبوع الماضي بأكثر من 40 ألف حالة، لكنه يمثل فقط الأشخاص الذين تم اختبارهم بعد دخولهم المستشفيات أو أماكن العمل بالمدارس وغيرها من المواقع المعرضة للخطر.
وذكرت صحيفة “ذا بيبر” التي تصدر في شانغهاي نقلا عن يون تشون فو، من مسؤولي لجنة الصحة بالمنطقة، أن مقاطعة شنشي الواقعة غربي الصين خصصت 22 ألف سرير مستشفى لحالات كوفيد-19، لزيادة سعة وحدات العناية المركزة بنسبة 20 بالمئة عبر تحويل أسرة أخرى.
كما أن المدن “تعمل على تسريع تطوير المستشفيات لاستقبال المرضى من أصحاب الحالات الحرجة”، وفقا ليون.
ونقلت الصحيفة عنه قوله إن “مطلوب من كل مدينة تخصيص مستشفى يتمتع بقوة شاملة قوية ومستوى عال من العلاج لاستقبال حالات كوفيد-19”.
وأعلن جياو يا هوي، المدير العام لمكتب الإدارة الطبية بلجنة الصحة الوطنية، في مؤتمر صحفي، الجمعة، أن الصين جهزت 138 ألف سرير للعناية المركزة، ما يعني أقل من سرير لكل 10 آلاف شخص، حسب “أسوشيتد برس”.
وتشكلت طوابير طويلة أمام الصيدليات في العديد من المدن الصينية لشراء أدوية السعال والإنفلونزا والكمامات، في حين حذرت الهيئة الحكومية المعنية بتنظيم السوق خلال عطلة نهاية الأسبوع من التلاعب في أسعار منتجات مكافحة كوفيد، حسب “رويترز”.
وقالت مصادر في اثنتين من شركات صناعة السيارات الغربية، لديهما مصانع في الصين، لرويترز، الجمعة، إنهما تتابعان الوضع ميدانيا عن كثب.
وعبر أحد المصادر عن قلقه من احتمال سرعة انتشار الفيروس مع تخفيف القيود، مما يزيد من احتمال مرض الموظفين وربما الإضرار بالإنتاج.