تفكك سياسة "صفر- كوفيد" في الصين.. الأسباب والمخاطر

تفكك سياسة “صفر- كوفيد” في الصين.. الأسباب والمخاطر

احتفل صينيون، الثلاثاء، بسحب تطبيق تديره الدولة، يُستخدم لتتبع حركة السفر إلى المناطق المنكوبة بكوفيد-19، في خطوة جديدة نحو تخفيف إجراءات التعامل مع سياسة “صفر كوفيد”.  

وبعد أن ألغت السلطات الصينية تنشيط تطبيق “رمز الرحلة” منتصف ليل الاثنين، قالت أربع شركات اتصالات صينية إنها ستحذف بيانات المستخدمين المرتبطة بالتطبيق. 

ورحب مستخدمو الإنترنت بسحب التطبيق الذي تعرض للعديد من الانتقادات لإمكانية استخدامه في المراقبة الجماعية. 

وكان أُطلق على هذا التطبيق اسم “بطاقة التنقّلات”، وهو يستند إلى إشارة الهاتف ويسمح لمستخدميه أن يثبتوا لمن يسألهم (فندق، مبنى مكاتب، إلخ) الأماكن التي كانوا فيها خلال الأيام السبعة الماضية. 

ويعرض التطبيق قائمة المدن، أو حتى المقاطعات التي كان الشخص موجودا فيها. وإذا لم يتم تصنيف أيّ منها على أنها “عالية الخطورة” (مع وجود عدد كبير من الإصابات)، يعرض التطبيق سهماً أخضر، مما يعني السماح بالمرور. 

وجاء هذا الإجراء بعد إجراءات أخرى مثل تخفيف متطلبات اختبارات كوفيد، ورفع قيود السفر المحلي، والسماح للأشخاص المصابين بالحجر الصحي في المنازل بدلا من إرسالهم إلى مرافق متخصصة. 

وتصاعدت وتيرة تخلي السلطات الصينية عن القيود المشددة بعد أن كانت هذه السياسة قد أدت إلى إبقاء ملايين الأشخاص داخل منازلهم، وكانت سببا في تراجع النمو الاقتصادي واندلاع احتجاجات. 

وجاءت الخطوة المفاجئة بالتخفيف التدريجي لهذه الإجراءات لتثير تساؤلات عن أسباب ذلك والتداعيات المحتملة على البلاد. 

وتشير “سي أن أن “ تحت عنوان: “العالم تغير بين عشية وضحاها” إلى أن التعامل الجديد مع سياسة صفر-كوفيد تجلب الفرح، والمخاوف إلى الصين.

وتوضح أن هذه الإجراءات جاءت في أعقاب موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة في جميع أنحاء البلاد ضد قيود كوفيد، وفي تحول سريع لتوجهات حكومة لطالما أكدت، منذ فترة طويلة، عزمها على اتباع سياسة “صفر كوفيد”. 

وفي حين أجرت السلطات الصحية مراجعات طفيفة لهذه السياسة، الشهر الماضي، لم تصدر الحكومة المركزية حتى الأسبوع الماضي أي إشارات رسمية على تحول وشيك في استراتيجيتها. 

ولطالما شددت الحكومة ووسائل الإعلام الحكومية على مخاطر الفيروس وآثاره المحتملة على المدى الطويل، واستخدمت ذلك لتبرير الإبقاء على هذه السياسة. 

ثم في تحول مفاجئ، تنشر الصحف الموالية للحب الحاكم مقالات تتحدث عن طبيعة فيروس “أوميكرون” الأكثر اعتدالا ما خلق شعورا بالارتباك لدى البعض من سياسات الحكومة. 

ويرى المحلل الأميركي، باولو فان شيراك، في حديث لموقع الحرة أن أسباب هذا التحول في الغالب هي الاحتجاجات، فهي غير مسبوقة، والاحتجاجات ليست شيئا اعتادت عليه القيادة الصينية، وهي تدرك أن القيود التي فرضتها على عامة الناس كانت أكثر من اللازم، وأن هذا الوضع قد يخرج عن السيطرة، ولهذا قررت تخفيف الإجراءات. 

وقال تشين لونغ من شركة Plenum الاستشارية التي تتخذ من بكين مقرا لها لصحيفة فايننشال تايمز إن إنهاء جميع القيود لن يكون عملية سلسة “لكننا نتحرك بحزم، ولا مجال للعودة”. 

وتساءلت صحيفة “ساوث شاينا مورنينغ بوست”: هل هذه بداية النهاية لسياسة الصين الخاصة بعدم انتشار فيروس كوفيد 19؟ 

وقالت إن هذه التغييرات تتماشى مع التدابير التي أعلنتها اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الشهر الماضي، من أجل “تحسين” الضوابط لتقليل الاضطرابات في الاقتصاد والحياة الاجتماعية، لكن التنفيذ تسارع بشكل واضح، بعد احتجاجات واسعة النطاق ضد سياسة صفر كوفيد الصارمة في المدن الكبرى نهاية الأسبوع الماضي. 

واندلعت الاحتجاجات بعد حريق سكني في أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ، مما أسفر عن مقتل 10 وإصابة تسعة.  

وأثارت المأساة غضبا واسع النطاق عبر الإنترنت حيث اعتقد كثيرون أن القيود منعت الضحايا من الفرار. 

ونزل السكان الغاضبون إلى الشوارع مطالبين بإنهاء الإغلاق المفروض منذ أكثر من 100 يوم،. في اليوم التالي، أعلنت الحكومة المحلية أنه سيتم رفع القيود “على مراحل”. 

وفي جميع أنحاء البلاد، تجمع السكان لتنظيم وقفات احتجاجية ضد الضوابط الصارمة، كما شوهدت الاحتجاجات في حرم الجامعات في أمثال بكين وشيان ونانجينغ وتشونغتشينغ ووهان. 

ومع تخفيف الإجراءات، قالت أسوشيتد برس إن قطارات الأنفاق والحافلات في بكين وشانغهاي والمدن الكبرى الأخرى بدأت تمتلئ بالركاب العائدين إلى المكاتب. 

كما لوحظ في الأيام الاخيرة تخفيف قيود السفر على قطاع الطيران.

وذكرت محطة “سي سي تي في” التلفزيونية العامة، الاثنين، أن عدد الرحلات الجوية في المطارين الرئيسيين في بكين يتوقع أن يصل “في المستقبل القريب” إلى 70 في المئة مما كان عليه في العام 2019. 

بيرت هوفمان، مدير معهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، قال إن الإرشادات الجديدة تشكل “خطوة رئيسية”. 

وأضاف أنه “بينما لا تزال هناك العديد من التحديات، فهذه خطوة واضحة نحو مزيد من الانفتاح والتقليل من هيمنة كوفيد على المجتمع والاقتصاد.” 

لكن في حين استقبل الكثيرون التغييرات بارتياح، وأثيرت نقاشات عبر الإنترنت بشأن حرية السفر داخل البلاد وربما السفر الدولي في المستقبل، كان هناك أيضا شعور بعدم اليقين بشأن المستقبل. 

تغييرات وسط مشكلات اقتصادية 

وتأتي التغييرات بينما تعاني الصين من صعوبات اقتصادية بسبب بسبب كوفيد، والمشكلات المالية في سوق العقارات المحلي، والتداعيات العالمية لغزو روسيا لأوكرانيا.  

وأعاقت عمليات الإغلاق الجزئية سلاسل التوريد الصناعية، وتعرضت الميزانية الحكومية لضغوط شديدة جزئيا بسبب الإنفاق الإضافي على ضوابط الإغلاق. 

وقد بلغ عجز الميزانية في الأشهر العشرة الأولى من العام ثلاثة أضعاف المبلغ في نفس الفترة من العام الماضي، وفق بلومبيرغ.  

ونما الاقتصاد بنسبة 3.9 في المائة في الربع الثالث، وهي نسبة متدنية للغاية من هدف الحكومة عند حوالي 5.5 في المئة، وفق بلومبيرغ.  

وتعكس بيانات وزارة التجارة الصينية لشهر نوفمبر مدى الضغط المتزايد على اقتصاد الصين، إذ تشير إلى تراجع الصادرات والواردات بأكبر معدل منذ عدة سنوات في أعقاب ضعف الطلب العالمي على السلع الصينية. 

اقرأ ايضاً
"قريبا".. عالمان وراء لقاح كوفيد يحددان موعدا للقاحات السرطان

وتراجعت صادرات البلاد 8.7 في المائة على أساس سنوي إلى 296 مليار دولار، وهو أكبر انخفاض منذ بداية الوباء في يناير 2020.  

وانخفضت الواردات بنسبة 10.6 في المائة إلى 226 مليار دولار، وهو أكبر انخفاض في عامين ونصف. 

وارتفعت صادرات الصين إلى بقية العالم خلال المراحل الأولى من الوباء، مدعومة بالطلب الدولي على السلع أثناء عمليات الإغلاق، لكن هذه القوة تلاشت وسط ضغوط اقتصادية أوسع نطاقا من أزمة العقارات ونهج “صفر كوفيد” الذي قلص النشاط الاقتصادي. 

وتسلط هذه الانخفاضات الضوء على ضعف التجارة الصينية أمام الطلب الخارجي مع رفع الاقتصادات الكبرى الأخرى أسعار الفائدة، بينما في الداخل تؤثر قيود كوفيد على الاقتصاد المحلي الهش. 

وتوقع تشيوي زانغ، كبير الاقتصاديين في شركة Pinpoint Asset  Management أن تظل الصادرات في تراجع في الأشهر المقبلة حيث تمر البلاد “بعملية إعادة فتح وعرة”. 

ومع ضعف الطلب العالمي في عام 2023، “سيتعين على الصين الاعتماد بشكل أكبر على الطلب المحلي”، وفق المحلل. 

لكن طلب المستهلك المحلي ظل متراجعا في ظل عمليات الإغلاق المتكررة على مستوى الصين بسب سياسة “صفر كوفيد” حيث تقلصت مبيعات التجزئة بنسبة 0.5 في المائة على أساس سنوي في أكتوبر. 

وقال جوليان إيفانز-بريتشارد، كبير الاقتصاديين الصينيين في كابيتال إيكونوميكس، إن بيانات الاستيراد تعكس “تراجع الطلب المحلي وسط ضوابط انتشار الفيروسات والضعف في قطاع العقارات”. 

وأضاف أن “التحول عن صفر كوفيد سيعزز الطلب المحلي على المدى المتوسط”، لكن من المرجح أن يستغرق الانتقال إلى التعايش مع الفيروس بعض الوقت. 

وانعكست قيود كوفيد أيضا على العالم، وكان محافظ الاحتياطي الفدرالي الأميركي،  جيروم باول، قال إن القيود الصارمة في الصين أثرت على الاقتصاد الأمريكي بسبب تأثيرها على سلاسل التوريد العالمية. 

“لحظة سيئة للصين” 

لكن المحلل الأميركي، باولو فان شيراك، يحذر من أن الانفتاح المفاجئ قد تكون له تداعيات خطيرة في المستقبل المنظور، لأن البلاد “غير مستعدة” للتعامل مع الحالات الجديدة، ما سيؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد. 

وقال: “ليس الكثير من الصينيين محصنين، ولقاحاتهم ليست جيدة، وما سيحدث في الأسابيع القليلة المقبلة هو ارتفاع في عدد الإصابات، خاصة بين كبار السن، الفئة الأكثر عرضة للخطر والأقل حماية. لذلك قد يتم خلق مشكلة جديدة من خلال حل مشكلة أخرى”. 

وأضاف أن ارتفاع الإصابات يؤثر على الاقتصاد، لأنه عندما يمرض  الأشخاص ويذهبون إلى العمل، فأنهم ينقلون العدوى للآخرين. إذن ستكون هناك مشكلة أخرى”، ويصف الوضع بأنه “ليس لحظة جيدة للصين”. 

وفي حال لم تحدث إصابات بشكل كبير، فإن الأنشطة الاقتصادية سوف تبدأ من جديد، وتتحرك عجلة الاقتصاد وهذا سيكون مفيدا للصين، لكنه يعتقد أنه في ظل الوضع الوبائي، لن يكون التأثير الاقتصادي على الصين جيدا على المدى القصير . 

وأضاف أنه “إذا لم يعمل الاقتصاد الصيني بشكل جيد، فإن ذلك يؤثر على العالم مرة أخرى وستحدث نفس المشكلات السابقة”. 

ويشير المحلل إلى قضية أخرى، لا علاقة لها بكوفيد، هي الضوابط الصارمة للغاية التي فرضها الحزب الشيوعي على جميع قطاعات الاقتصاد، وهو ما يقيد الإبداع، لأنه في هذه الحالة يجب على القطاع الخاص أن يفعل ما تأمره الحكومة بفعله، وهذا ليس جيدا للاقتصاد بشكل عام، وهذه مشكلة تكون تداعياتها على المدى الطويل. 

ويوضح أنه بغض النظر عن كوفيد، فإن هذا النهج في الإدارة الاقتصادية ليس جيدا، وتسكون له تداعيات مستمرة لطالما استمرت هذه السايسية. 

وتقع الإصابات بكوفيد بشكل حاد في بكين، وفق ما ذكرت السلطات الصينية، الاثنين، بعد التخفيف المفاجئ والجذري للقيود الصحية التي سمحت للبلاد حتى الآن باحتواء الوباء. 

وفي العاصمة الصينية، أشارت السلطات، الاثنين، إلى أن أكثر من 22 ألف مريض ذهبوا للمعاينة في قسم “الحمى” بمستشفيات بكين، الأحد الماضي، أي أكثر من 16 ضعفاً مقارنة بالأحد السابق. 

وقال لي أنج المتحدث باسم لجنة الصحة بالمدينة، في إفادة صحفية: “الاتجاه الحالي للانتشار السريع للوباء في بكين ما زال قائما”. 

وتظهر الأرقام الرسمية أن الحالات المحلية كانت تتجه نحو الانخفاض في الأسابيع الأخيرة منذ ذروة أواخر نوفمبر عند 40052 حالة.  

وانخفضت حصيلة يوم الأحد، البالغة 8626 حالة عن 10597 حالة جديدة في اليوم السابق. ومع ذلك، نظرا لتقليص الاختبار الإلزامي بشكل كبير وتفكيك محطات الاختبار، لم تعد أرقام الحالات الرسمية تعتبر قياسًا موثوقًا به 

وحذر كبير خبراء الأمراض في الصين يوم الأحد من زيادة مقبلة في عدد الحالات. 

وفي مسعى لمواجهة الطفرة في حالات الإصابة بكوفيد-19، أقامت الصين المزيد من مرافق العناية المركزة وسعت إلى دعم المستشفيات. 

وعلى الصعيد الوطني، يوجد سرير واحد للعناية المركزة لكل 10000 مقيم ، وهو أقل بكثير من الدول الأخرى. 

مع انخفاض معدلات التطعيم بين الفئات السكانية الضعيفة من كبار السن، تسبب التغيير السريع في القواعد في بعض الخوف والقلق بين السكان. وكانت هناك أيضا تقارير واسعة النطاق عن نقص الأدوية والفحوصات السريعة في الصيدليات وعلى الإنترنت. 

وتقول بلومبيرغ إن الخطة الجديدة رغم ذلك توفر مخططا للتعايش مع الفيروس 

ويعتقد بعض الخبراء أن خروج الصين من كوفيد سيكون حتما فوضويا لأن الفيروس سيطغى على البنية التحتية للرعاية الصحية بسرعة أكبر مما كان متوقعا، على غرار ما حدث في العديد من الأماكن، ولاسيما هونغ كونغ في أوائل عام 2022.  

وهناك احتمال آخر، وهو ظهور متغير جديد يكون معتدلا بما يكفي لكي تنفتح الحكومة دون الإضرار بالسكان، رغم أنه ربما لا يوجد وقت كافٍ للمسؤولين لانتظار ذلك، نظرا للزخم الذي يتنامى لإعادة الانفتاح. 

المصدر: الحرة

شاهد أيضاً

أفضل طرق فقدان الوزن السريع في العالم العربي

في عالم اليوم، أصبح فقدان الوزن والحفاظ على اللياقة البدنية أحد أهم القضايا التي تشغل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *