عبر بعض العلماء عن قلقهم من أن الموجة غير المسبوقة من العدوى بفيروس كورونا المستجد التي تضرب الصين، تثير احتمالات بأن ينتج عنها سلالات جديدة أو “شيء مختلف”، عما عهدناه خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وينتشر الفيروس بسرعة كبيرة بين سكان البلد الكثر عددا في العالم بـ1.4 مليار نسمة، منذ رفع التدابير الصحية الصارمة المتعلقة بسياسة “صفر كوفيد” في السابع من ديسمبر الجاري.
“أرض خصبة”
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن خبير الأمراض المعدية في جامعة جونز هوبكنز، ستيوارت كامبل راي، أن “الصين قد تكون هي المكان الذي نشهد فيه متغيرا جديدا، مع العدد الكبير من السكان والحصانة المحدودة”.
وتعاني العديد من المستشفيات من الضغط في مواجهة وصول المرضى ونقص الأدوية المضادة للحمى.
وبدأت بعض الحكومات المحلية في نشر تقديرات عن حجم الوباء، رغم إعلان لجنة الصحة الوطنية في الصين، الأحد، بأنها لن تنشر بعد الآن بياناتها المثيرة للجدل عن كوفيد، التي تعرضت لانتقادات كثيرة مؤخراً على اعتبار أنها لا تعكس شدة موجة الوباء الحالية التي تضرب البلاد، بدون أن تقدم أي تفسير.
وأعلنت السلطات الصحية في تشجيانغ (شرق)، جنوب شنغهاي، الأحد أن عدد الإصابات اليومية تجاوز الآن عتبة المليون في هذه المقاطعة، البالغ عدد سكانها 65 مليون نسمة.
ويُصاب نصف مليون شخص يوميًا في مدينة تشينغداو (شرق) البالغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، وفقًا لما نقلته الصحف الرسمية عن مسؤول بالبلدية هذا الأسبوع.
وفي العاصمة بكين، تحدثت السلطات السبت عن “عدد كبير من المصابين” داعية إلى “بذل كل ما هو ممكن لتحسين معدل الشفاء وخفض نسبة الوفيات”.
ومع ذلك، فإن العديد من المسنين، الأكثر عرضة للفيروس، لم يتلقوا اللقاح بالكامل.
تسارعت عمليات التطعيم في الأسابيع الأخيرة، بحسب لجنة الصحة الوطنية، حيث تم إعطاء ما مجموعه 23,5 مليون جرعة بين 8 و23 ديسمبر، مقارنة بـ 3,3 مليون خلال الأسبوعين الماضيين، أي ما يعادل سبعة أضعاف.
لكن اللقاحات المحلية، أثبتت أنها أقل فعالية ضد العدوى الخطيرة من اللقاحات الغربية التي تعتمد على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال، كما أنه تم إعطاء الكثير منها منذ أكثر من عام، مما يعني أن المناعة قد تضاءلت.
وقال راي: “عندما نشهد موجات كبيرة من العدوى، غالبا ما يتبعها ظهور متغيرات جديدة”.
منذ حوالي ثلاث سنوات، انتشرت النسخة الأصلية من فيروس كورونا من الصين إلى بقية العالم، والتي تحولت إلى سلالة دلتا، ثم أوميكرون، التي نتج عنها متحورات فرعية أخرى لا تزال منتشرة حتى اليوم.
“بارعة في التهرب من المناعة”
ويقول الخبير في الفيروسات في جامعة ولاية أوهايو الأميركية، شان لو ليو، إنه تم اكتشاف العديد من متغيرات أوميكرون الموجودة في الصين، بما في ذلك BF.7، والذي يصفه بأنه “بارع للغاية في التهرب من المناعة”، مشيرا إلى أنه يعتقد أن هذا المتحول هو الذي يقود موجة الإصابات المرتفعة الحالية.
والمثير للقلق أن الخبراء يرون أنه لا يوجد سبب بيولوجي متأصل يجعل الفيروس أكثر اعتدالا بمرور الوقت، خاصة مع مناعة ضعيفة، مما يثير التساؤلات إن كان البديل الجديد المحتمل قد يسبب مرضا أكثر حدة.
وقال راي: “الكثير من الاعتدال الذي شهدناه خلال الستة إلى الإثني عشر شهرا الماضية في أجزاء كثيرة من العالم كان بسبب المناعة المتراكمة إما من خلال التطعيم أو العدوى، وليس بسبب تغير في شدة الفيروس”.
وفي الصين ، لم يتعرض معظم الناس أبدا لفيروس كورونا، كما تعتمد اللقاحات المحلية على تقنية قديمة تنتج أجساما مضادة أقل من لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال.
والأربعاء الماضي، دعت منظمة الصحة العالمية الصين إلى تسريع وتيرة تلقيح السكان الأكثر هشاشة في ظلّ الارتفاع الشديد في الإصابات بكوفيد-19، طالبة منها معلومات أكثر تفصيلا بشأن مدى خطورة الوباء، وأعربت عن قلقها البالغ من الوضع.
“معلومات محدودة”
وكشف شو وينبو، من المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، عن أن خطة بلاده لتتبع الفيروس وكيفية تطور السلالات ستعتمد على تجميع عينات من المرضى من 3 مستشفيات في كل مقاطعة، خاصة من الذين يعانون من مرض شديد والذين يموتون بسبب الإصابة.
وقال إن 50 من أصل 130 نسخة من أوميكرون تم اكتشافها في الصين أدت إلى تفشي المرض، مضيفا أن الدولة تقوم بإنشاء قاعدة بيانات جينية وطنية لرصد كيفية تطور السلالات المختلفة والآثار المحتملة على الصحة العامة.
وقال عالم الفيروسات في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس، جيريمي لوبان، “حتى الآن، فإن المعلومات الواردة من الصين بشأن التسلسل الفيروسي الجيني محدودة”، مضيفا: “لا نعرف كل ما يحدث، لكن من الواضح أن الوباء لم ينته بعد”.