يمثل التراث القطري منبعا متجددا للإلهام الفني والجمالي للعديد من الفنانين، ونهجا اجتماعيا واسعا لما يحمله من قيم وأفكار ومعتقدات وعادات وتقاليد تمثل ذاكرة الأفراد والمجتمعات، كما يعد التراث مصدرا من مصادر المعرفة، فهو يعكس خبرات الأمم وهويتها التي تجتمع عليه.
وفي تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، أكد عدد من الفنانين التشكيليين القطريين على ارتباطهم العميق بتراثهم الوطني وذاكرتهم الاجتماعية والثقافية وأبعادها الإنسانية، مما يمنحهم دافعا للتعبير الفني، ويحفز خيالهم لابتكار أعمال فنية تعكس المحتوى النبيل لهذا التراث، ممثلا في قيم الخير والجمال والثبات على الحق، ونصرة المظلوم وصلة الأرحام، مشددين على أن ما يميز الفنان ويجعل لتجربته أهمية وخصوصية هو قدرته على ابتكار الشكل الفني المناسب لهذا المحتوى.
الخصوصية والهوية
ومن جانبه، أوضح الفنان التشكيلي محمد العتيق الدوسري، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، أن مفهومي التراث والمعاصرة مرتبطان بشكل عميق، بالنسبة له وذلك منذ بداية تجربته الفنية، ومنذ أن قرر البحث عن خصوصية وهوية للوحته تُميزها عن أعمال الآخرين، وتُحقق بصمته وتفرده وشخصيته الفنية، مشيرا إلى أن هذا البحث تمخض عن معادلة أطرافها الموروث والذاكرة والتاريخ الاجتماعي من جانب، والمعالجة الفنية المعاصرة لهذا المحتوى من جانب آخر.
وقال الدوسري: «يتميز مفهوم التراث بأنه واسع يتضمن قصص وحكايات الآباء والأجداد وأحوال المجتمع في الماضي، والتغيرات التي حدثت في الحياة الاجتماعية، والعبرة في اختيار الموضوع، والاستفادة منه في صناعة الأعمال الفنية المعاصرة».
وأكد الدوسري أن المتأمل في أعماله سيكتشف حرصه على استلهام الموروث وأبعاده الثقافية والنفسية والروحية، وهذا مرتبط بالمعنى، أما الشكل فيصنعه في لوحته أو أعماله التركيبية من خلال أسلوبه الذي يجمع بين التعبيرية والتجريد لذلك يمثل الشكل الذي يصوغ به هذا المحتوى أمرا مهما.
الإنسان.. الزمان والمكان
بدوره، أكد الفنان التشكيلي حسن بوجسوم، في تصريح خاص لـ «قنا»، أنه يستوحي أعماله الفنية من التراث، خاصة الجانب المرتبط بالألفة والبعد الاجتماعي والإنساني للمكان بعمارته القديمة و»فرجانه»، مشددا على احتفائه بالتراث بوصفه جزءا أصيلا من هوية الإنسان في الزمان والمكان، فهو يعكس ملامح الماضي الذي يتحول إلى موروث شعبي مع مرور الزمن، ويحمل عبق العادات والتقاليد الاجتماعية.
وأوضح أن التراث يرتبط عنده بحنينه للطفولة وذكرياتها، المليئة بصور التواصل والزيارات للأهل، والأقارب بصحبة والديه، فصور تلك الجلسات الأسرية ظلت عالقة في ذهنه، رمزا لصلة الرحم، مضيفا أن حكايات الماضي التي كان يسمعها من والديه تمثل مصدر إلهام له، حيث تركت في ذهنه صورا للتخيل، ودافعا لإنتاج لوحات تعكس تصوراته لتلك الحياة وذلك الماضي.
وشدد بوجسوم على أن هذه الطريقة في توظيف التراث والحكايات والأمكنة جعلت لوحاته مميزة وأحبها كثير من الناس، فقد أخذت حيزا من الشهرة والاهتمام، مما شجعه على رسم المزيد من اللوحات المتعلقة بالحياة الاجتماعية للأسرة القطرية.
وأشار إلى أن اللوحة التشكيلية التي تستوحي الحياة الاجتماعية تتميز عن الصورة الفوتوغرافية، بأنها تبرز مشاعر الفنان، وتعكس نظرته إلى تلك الحياة وانفعاله بها، وليست مهمة الفنان أن ينقل المشهد بحذافيره، بل أن يعبر عن مشاعره وعواطفه من خلال المشهد في اللوحة.
صون الموروث
وأوضح الفنان التشكيلي أحمد نوح، في تصريح خاص لـ «قنا»، أن دور الفنانين بمختلف اهتماماتهم ومدارسهم وأساليبهم هو صون الموروث بمختلف أشكاله للأجيال القادمة، انسجاما مع رؤية دولة قطر، التي تعتز بتراثها المادي والروحي، وتعتبر الحفاظ عليه ركنا أساسيا من أركان نهضتها الثقافية الحديثة الشاملة.
وأشار إلى أنه يرتكز في نظرته للتراث ومفهومه إلى أن التراث ليس ماضيا غاب وانقضى، بل هو حاضر دوما ويدفعنا نحو المستقبل، منوها بدعم ورعاية المؤسسات الثقافية والإبداعية التي أخذت على عاتقها حماية وحفظ مكونات هذا التراث، فصون التراث يمثل إثراء لتجربتنا في الحاضر وإغناء للتجربة الإنسانية لذلك نعتز بتراثنا ونفتخر به، فهو الجذر الذي يمتد في الماضي، وما هذا الحاضر إلا امتداد للماضي، ويشكل السمة المميزة لنا.
وقال الفنان أحمد نوح إنه يستلهم أعماله الإبداعية ولوحاته من بيئته الممزوجة بذكرياته ومشاعره، ويرى في التراث منبعا للرؤى ومصدرا ثريا للإلهام، ينهل منه الفنان قيما جمالية وروحية، وإن علاقته بالتراث تبادلية، فالتراث يمنحه الأفكار والمشاعر والأخيلة، والفنان يجدده ويحييه بالتأمل والتوظيف في عمله الإبداعي.