أكد سياسيون ليبيون أهمية القانون، الذي أصدره «مجلس النواب»، لـ«مكافحة التوطين» في ليبيا، والذي يتضمن عقوبات بالحبس والغرامة لكل من دخل ليبيا بقصد الإقامة فيها، أو ساهم في تحقيق ذلك، لافتين إلى أنه «سيتصدى لحدوث مزيد من التغيير الديموغرافي بالبلاد»، إلا أنه أثار، في المقابل، تساؤلات بشأن أسباب لجوء «النواب» إلى إصدار هذا القانون.
ورأى عضو «مجلس النواب الليبي» إسماعيل الشريف أنه مع تصاعد القلق، منذ بداية العام الحالي، من وجود ما سمّاه «مخططات غربية تسعى لإقامة مراكز ومخيمات لتوطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا»، للحيلولة دون تدفقهم للشواطئ الأوروبية، ارتأى البرلمان ضرورة إقرار قانون خاص لقطع الطريق على هذه المخططات، على الرغم من معالجة تلك القضية سابقاً، عبر بنود تشريعات أخرى».
وتحدّث الشريف، لـ«الشرق الأوسط»، عن «وجود شكوك قوية في إمكانية قبول حكومة الوحدة الوطنية (منتهية الولاية) بتوقيع صفقات مع دول جنوب المتوسط، المتضررة من الهجرة غير المشروعة بدرجة كبيرة، يتم بموجبها فتح أبواب البلاد بشكل أو بآخر لتوطين المهاجرين، نظير قيام هذه الدول بدعم بقاء تلك الحكومة على رأس السلطة بليبيا».
وعرّفت المادة الأولى للقانون «التوطين» بكونه «العمل على إدخال الأجانب إلى ليبيا، بقصد البقاء فيها واتخاذها موطناً دائماً لهم، سواء أكان الدخول بشكل شرعي وعبر المنافذ الحدودية الرسمية، أم غير ذلك»، كما يعتبر أيضاً من قبيل التوطين بقاء الأجنبي في ليبيا بعد انتهاء المدة المحددة لإقامته فيها، أو بقاؤه بعد زوال سبب الدخول والإقامة، وكذلك إعادة الأجانب إلى البلاد بعد خروجهم واجتيازهم الإقليم الليبي، كما يعدّ دخول الأجنبي وإقامته دون سبب معلوم دليلاً على أن السبب هو (التوطّن).
وتوافقت عضو مجلس النواب، ربيعة أبو راس، مع الطرح السابق في أن التشريع جاء في إطار «وجود ضغوط عدة تمارسها بعض دول الاتحاد الأوروبي، وبعض المنظمات الدولية لتوطين المهاجرين بأراضي ليبيا»، لافتة إلى أن ذلك يُحمّل ليبيا وأهلها تبِعات هذا الملف. وقالت، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القانون تم دعمه بآراء وخبرات دبلوماسيين ليبيين، عمدوا لتجنيب ليبيا آثار الصراعات المسلَّحة بدول الجوار الجنوبي، والتي يحاول الروس وبعض الشركات الأمنية إشعالها بالقارة السمراء، لخدمة الصراع الراهن في أوكرانيا».
وقالت أبو رأس: «بالطبع لا يخلو الأمر من مخاوف وشكوك في الحكومات الحالية، التي لا تستطيع مقاومة الضغوط والأجندات الدولية مقابل البقاء في السلطة»، مُرجعة «تعامل الجانب الليبي بكثير من الحذر في هذه القضية بما هو معروف من وجود نشاط كبير لعصابات الجريمة المنظمة في القارة الأفريقية، مما يوجب أن يُحدث تخوفاً كبيراً من تدفق وتوطين أجانب لا تعرف هويتهم وسلوكهم وخلفياتهم».
بدوره، قال المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي إن القانون «سيعزز من التصدي لحدوث مزيد من التغيير الديموغرافي بالبلاد»، مشيراً إلى أن مواطنين من دول الجوار الجنوبي «دخلوا واستقروا بالفعل في جنوب ليبيا منذ سنوات عدة، وللأسف البعض منهم امتهن جرائم السرقة والخطف، وهو ما رُصد بدرجة واضحة».
وشدّد المهدوي على ضرورة أن يتبع إقرار القانون «حملة مراجعة وتدقيق في إدارات السجل المدني لإيقاف أية محاولات جديدة تستهدف البقاء بالأراضي الليبية عبر التزوير».
في المقابل، يرى رئيس مؤسسة «بلادي» لحقوق الإنسان، طارق لملوم، أن الهدف الرئيسي لإصدار القانون «هو مناكفة حكومة الدبيبة، عبر تصوير خطواتها بملف الهجرة أمام المجتمع الليبي على أنها محاولات لتوطين المهاجرين». وقال، لـ«الشرق الأوسط»، إن البرلمان وخصوم الدبيبة كافة «يعرفون جيداً أن المجتمع الليبي بات منزعجاً بشدة من انتشار المهاجرين بأراضيهم، وخصوصاً الأفارقة منهم».
وشدد على أن حكومة الدبيبة تنتهج السياسات نفسها المتبَعة منذ عهد الرئيس الراحل معمر القذافي حيال المهاجرين غير النظاميين؛ أي محاولة إعادتهم من البحر، واعتقالهم بمراكز احتجاز، منوهاً بأنه «لا توجد أدلة، أو حتى إشارات، على بناء مخيمات لتوطين المهاجرين في ليبيا».
ويرى لملوم أن البرلمان ربما حاول، في هذا السياق، «التعاطي مع صراعات دول الجوار الجنوبي، وتحديداً السودان، بوصفها فزاعة ليبرهن للجميع على وجود مخاطر جمة للنزوح والتوطن بالبلاد»، لافتاً إلى أن أعداد السودانيين الذين توافدوا على ليبيا، خلال الأشهر الماضية، «قليلة جداً، وتنحصر بأفراد لديهم عائلات تقيم في ليبيا».
وانتقد لملوم عدم «تضمين القانون أدلة واضحة يمكن حين توافرها تأكيد سعي بعض المهاجرين للتوطين، وهو الأمر المطلوب مع تعدد أهداف القادمين إلى البلاد، ما بين اللجوء الإنساني والسياسي، وبين المهاجرين الطامحين لعبور المتوسط، وبين مستهدفي التوطين فعلياً، بدلاً من ترك الأمر لتقديرات القائمين على تطبيق القانون ليقوموا بتفتيش نيات أي أجنبي».