ما هي زيارة الأربعين التي يشارك فيها الملايين كل عام؟
- Author, إبراهيم شمص
- Role, بي بي سي نيوز عربي – بيروت
لم تكن فاطمة كرنيب تعرف تفاصيل طقوس زيارة الأربعين عندما سافرت، من لبنان إلى العراق، لأدائها للمرة الأولى عام 2012. لكن تلك الرحلة “غيّرت حياتي، وصرت أرى أن الدنيا هي حب الحسين”، تخبرنا.
“إنه إحساس روحي رائع لا يوصف… أصبحت الدنيا كلها بالنسبة لي أهل البيت فقط، حتى نسيت الاتصال بأهلي”، تقول كرنيب التي تحدّثت إلى بي بي سي نيوز عربي من العراق.
كعادتهم في كل عام، يتوجّه الزوار بالملايين لأداء شعائر زيارة ضريح الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوماً على مقتله في كربلاء.
فما هو “الأربعون”؟
تعدّ شعائر الأربعين من الطقوس الدينية المهمة بالنسبة للمسلمين الشيعة، بعد ذكرى عاشوراء أو العاشر من محرم، وهو تاريخ مقتل الحسين وأهله وأصحابه على يد جيش الأمويين، عام 680 للميلاد، أو 61 للهجرة.
وبحسب الرواية التاريخية، خرج الحسين، ثالث أئمة الشيعة، من الحجاز، قاصداً الكوفة مع عدد من أهله وصحبه، ضد حكم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الخليفة الأموي الثاني، بعد تلقيه دعوات من أهل العراق.
-
العلاقة الغرامية التي قادت مؤثرة تيك توك ووالدتها إلى ارتكاب جريمتي قتل
-
زيلينسكي يقيل وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف
-
غيتار مفقود منذ عام 1961 يدفع بعملية بحث عالمية
-
ما هو مهرجان “الرجل المحترق” ولماذا علق المشاركون فيه؟
قصص مقترحة نهاية
زيارة الأربعين: لماذا يتوافد الملايين إلى كربلاء؟
زيارة الأربعين: الطريق “غير ميسّرة” أمام شيعة البحرين والسعودية
وأرسل والي البصرة والكوفة، عبيد الله بن زياد، قوة عسكرية لمواجهة الحسين ومن معه، مما اضطرهم إلى مواصلة السير باتجاه كربلاء، حيث قتلوا في منازلة غير متكافئة وأسرت النساء والأطفال.
بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.
الحلقات
البودكاست نهاية
وبينما يعتقد المسلمون الشيعة أن زيارة الأربعين من علامات الإيمان، تعود أهمية الذكرى أيضاً إلى رواية تقول إن أحد صحابة النبي محمد، يدعى جابر بن عبد الله الأنصاري، كان أول من زار قبر الحسين بعد أربعين يوماً على مقتله، وهناك التقى عائلة الحسين العائدة من الأسر إلى الشام، ومعها الرؤوس التي قطعت في المعركة.
وإن اختلف الشيعة حول صحة هذه الروايات، إلا أنهم يتّفقون على استحباب زيارة مراقد أهل البيت، بناءً على تفسيرهم لآية قرآنية هي “قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ فيه أَجْراً إِلَّا الْمَودَّةَ في الْقُربى”، وهو رأي يتشاركونه مع مذاهب أخرى.
واكتسب الأربعون رمزية مع مرور الزمن، وأضيف إلى الشعائر الدينية بعد سياسي، بسبب محاولات منعها خلال حكم حزب البعث للعراق.
فخلال عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كان التوتر يطغى على طريق الزيارة، إذ تكرّر وقوع صدامات بين الزوار وقوى الأمن، شهدت اعتقالات وسقوط قتلى.
وبسبب قمع الزيارة، كان رجال الدين يتجهون إلى المراقد من خلال طريق أطلق عليه اسم “طريق العلماء” يمر عبر بساتين النخيل على ضفاف نهر الفرات في مدينة النجف.
وزادت أعداد زوار الأربعين بعد سقوط حكم البعث عام 2003، ومع وصول القوى الشيعية إلى السلطة في البلاد، وازدياد نفوذ إيران في العراق، إذ يرى البعض أن الأعداد الغفيرة من الزوار، والاهتمام الكبير بالزيارات السنوية، يبرز جزءاً من نفوذ طهران وحلفائها في الشرق الأوسط.
ولم تعد تقتصر زيارة الأربعين على المسلمين الشيعة، بل تعداهم إلى مشاركة أتباع مذاهب وأديان أخرى، بدافع ديني أو من أجل اكتشاف التجربة أو البحث العلمي.
طرق متعدّدة ومسافات طويلة
يسير الزوار لمسافات طويلة، عبر مسارات متعدّدة، وصولاً إلى مرقدي الحسين بن علي وأخيه العباس في مدينة كربلاء يوم الأربعين.
وإضافة إلى الحسين والعباس، هناك خمسة أضرحة لأئمة أهل البيت في العراق موزعة في النجف وسامراء والكاظمية.
ومن أبرز الطرق التي يسلكها الزوار، طريق النجف – كربلاء، وتبلغ مسافته ثمانين كيلومتراً. ولمساعدة الزوار في تحديد المسافة، نصب على طول الطريق 1452 عموداً، يفصل بين كل واحد منها، 50 متراً.
يحتاج عبور هذه الطريق إلى ثلاثة أيام تقريباً من المشي المتواصل. ويستطيع من يصعب عليه إكمال الطريق سيراً على الأقدام الاستعانة بوسائل النقل.
وهناك مجموعات تبدأ السير قبل أسابيع من حلول الذكرى، من منطقة رأس البيشة في شبه جزيرة الفاو في محافظة البصرة جنوب العراق، إلى كربلاء وسط البلاد، وهي طريق تبلغ مسافتها أكثر من ستمائة كيلومتر.
كما يسير زائرون من العاصمة بغداد ومدينتي الحلة والكوفة، بينما يعبر آخرون من جنسيات مختلفة الحدود البرية الإيرانية – العراقية ويتوجهون إلى كربلاء.
“شيء غريب”
تشارك فاطمة سماحة للمرة الثالثة في زيارة الأربعين، وتحدثت لبي بي سي نيوز عربي عن سبب عودتها المتكررة لأداء تلك الشعائر. “الناس هنا سواسية”، من مختلف الجنسيات والأعراق والطبقات الاجتماعية، كما تقول.
على طول طريق المشي بين مدينتي النجف وكربلاء، تنتشر المضائف، وهي منشآت بناها أصحابها من أجل استقبال الزوار، فيقدّمون لهم الطعام والمنامة مجاناً.
ويفتح العراقيون بيوتهم لزوار الأربعين. وعلى طول الطريق، يقف أهل المنطقة من مختلف الأعمار، وهو يحملون في أيديهم أطعمة ومشروبات يقدّمونها للزوار. ومن أبرز هذه الأطعمة طبق “القيمة”، وهو عبارة عن خليط من اللحم والحمص والبصل ومعجون الطماطم، إضافة إلى البهارات.
كذلك يقدّم بعض أهالي المنطقة خدمات بسيطة كغسل رؤوس الزوار للتخفيف من درجة حرارة الشمس التي تتجاوز الأربعين درجة مئوية أحياناً.
ويقول محمد حمود، الذي شارك أكثر من مرة في أداء طقوس الزيارة، لبي بي سي نيوز عربي: “عندما تصل إلى المضيف لست بحاجة إلى إبراز هوية أو التحدّث باللغة نفسها، مجرد أن تسير عبر هذه الطريق تحصل على الخدمة والأمان والراحة”.
يضيف: “هؤلاء أناس يدّخرون أموالهم كي يفتحوا مضيفاً يستقبلون فيه الزوار، أو يفتحون بيوتهم للنوم والإطعام، أين نرى هذا المشهد في مكان آخر؟ هو شيء غريب يصعب الحديث عنه”.
كما تقدّم العتبات، وهي الجهات المسؤولة عن أضرحة أئمة أهل البيت وفق القانون العراقي، وجبات غذائية للزائرين مجاناً.
وعلى طول الطريق، تنتشر مجالس العزاء التي تستذكر ما حلّ الحسين، كما تعلو أصوات اللطميات، وهي قصائد رثاء تقليدية، ويتفاعل معها الجمهور بلطم الصدور والبكاء، وقد تطوّرت على مرّ القرون، وأضيفت إليها ألحان خاصة، وباتت تضمّ أنواعاً متعددة من الإنشاد، تختلف بحسب ثقافة كل بلد.
وفي حين كانت اللطميات عبر التاريخ إرثاً يختصّ بذكرى عاشوراء غالباً، زادت الأعوام الأخيرة اللطميات التي تتناول طقوس زيارة الأربعين.
وتقول فاطمة سماحة إن اللطميات “تزيد حماس الزوار، وتحثّهم على السير أكثر”.
تتحدّث سماحة عن تفاعل الزوار المتعبين من السير لأيام، مع الطقس الجماعي الذي يشارك فيه الملايين. فبعد مسير طويل، “عندما يصلون إلى كربلاء، تلوح لهم من بعيد قبة مرقدي الحسين والعباس المذهبتين. حينها فإن الدموع تتكلم”، تقول.
وإضافة إلى الدخول على نحو فردي إلى المرقدين، ينتظم الزوار في مجموعات تسمى “مواكب” من داخل وخارج العراق بلغ عددها 12752 هذا العام، بحسب العتبتين الحسينية والعباسية. ويدخل الزوار المرقدين في مواعيد محدّدة.
تأمين الزيارة
يستقبل العراق سنوياً ملايين الزوار من دول الشرق الأوسط والخليج كما الهند وباكستان وأذربيجان وغيرها.
وبحسب وزارة الداخلية العراقية دخل أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون وافد العراق منذ بدء مراسم الزيارة حتى يوم الاثنين، وذلك عدا عن الزوار العراقيين القادمين من المناطق. وأحصى مطار مدينة النجف وحده وصول 161.854 وافداً في 16 يوماً.
العام الماضي، تجاوز عدد الزوار العشرين مليوناً، بينهم خمسة ملايين زائر أجنبي، وفق السلطات العراقية.
ويفرض هذا العدد الكبير من الوافدين في فترة قصيرة إجراءات أمنية مشدّدة، خصوصاً بعد تعرض الزوار لتفجيرات نفّذتها تنظيمات متشددة وقعت في السنوات الماضية على طرق الأربعين.
عاشوراء: لماذا يحيي الشيعة ذكرى مقتل الحسين وكيف تُقام طقوسها؟
عاشوراء: لماذا تُلهم كربلاء الرسامين حتى يومنا هذا؟
وتنتشر القطعات العسكرية على طول الطريق المؤدية إلى كربلاء لتأمين الزائرين. كما كشفت العتبة الحسينية عن مشاركة أكثر من 12 ألف متطوع في الدعم، واستخدام أجهزة متطورة لكشف المتفجرات.
كما تقع حوادث سير على الطرق المؤدية، مع تهالك البنى التحتية في العراق، وقد تسبّب آخرها بمقتل 18 شخصاً غالبيتهم من الزوار الإيرانيين شمال بغداد، بحسب وكالة فرانس برس.
ودعت إيران الزائرين من مواطنيها، إلى البقاء ليوم واحد فقط في كربلاء، نظراً للحشود المليونية.
وأعلنت معظم محافظات وسط وجنوب البلاد إعلان 10 أيام عطلة رسمية، بينما أعلنت محافظات أخرى تعطيل الدوام الرسمي لأيام أقل. كما تعطّل العاصمة بغداد يومي الأربعاء والخميس المقبلين.