بعد 10 أيام من الحرب، كسر الإسرائيليون التقليد التاريخي بأنه في وقت الحرب لا ينتقدون الحكومة، ولا يهاجمون رئيسها، واتسعت حلقة الانتقادات لتتجاوز قوى اليسار والمعارضة، فخرج كثير من القادة العسكريين السابقين يهاجمون أداءها حتى بعد انضمام أحد قادة معسكرهم، بيني غانتس، إلى صفوفها. وقد غذّى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بشكل شخصي، منتقديه بمواد ثرية من جراء تكرار الأخطاء والمطبات التي يقع فيها.
وقد بلغت الأمور حداً جعل صحيفة «يديعوت أحرونوت» تنشر مقالاً افتتاحياً تُبرر فيه هذه الانتقادات وتقول إن غطرسة نتنياهو ورفضه تحمل المسؤولية عن هذه الأخطاء والاستمرار في السياسة التي قادت إلى هذه الأخطاء تجعل كل صاحب مسؤولية ينتقده ويهاجمه. فيما قالت صحيفة «هآرتس» في مقالها الافتتاحي إن أداء الحكومة يدل على انهيار منظومة الخدمات. وقدمت عدة أمثلة على أن «ديوان رئيس الوزراء لا يؤدي مهامه، وفي أعقاب ذلك، كل الوزارات الحكومية تستصعب أداء مهامها. وليس أقل من ست وزارات في الحكومة تعمل اليوم دون مدير عام، بينها خمس وزارات أساسية لفترة الطوارئ، استقال فيها المدير العام (الأمن القومي، والتعليم، والإعلام، والاستخبارات والثقافة). وفي وزارة الاستخبارات لم يكلفوا أنفسهم حتى لتعيين مدير عام. وفي الوزارات الأخرى يوجد مديرون عامون، لكن مثل مدير ديوان رئيس الحكومة تم اختيارهم بسبب كونهم مساعدين سياسيين للوزير المسؤول، وليس لأنهم مؤهلون».
وتابعت أن حكومة اليمين المتطرفة كانت «منشغلة منذ يومها الأول في حربها ضد حماة الحمى، ضد أصحاب الوظائف الرفيعة المهنيين، وضد سلطة القانون والإدارة السليمة. مهنيون جديرون أصبحوا أعداء فقط لأنهم تجرأوا على الحفاظ على الرسمية وعلى موقفهم المهني. الكثيرون منهم انكسروا وتركوا آخرين دفعوا للترك. والنتيجة: انعدام وسيلة وانعدام أداء لا يتيحان للحكومة أن توفر للجمهور الخدمة الأساسية التي يفترض عليها أن توفرها، وبالتأكيد في ضوء كارثة بمثل هذا الحجم».
واختتمت الصحيفة مقالها الافتتاحي بالقول: «لكل الأسئلة المطروحة حول الإخفاقات المستمرة، لا توجد أجوبة. لكن يوجد يقين واحد ووحيد: حكومة نتنياهو هي مصيبة وطنية».
وكان نتنياهو قد وافق، بعد تردد ومماطلة دامت تسعة أيام، على الاجتماع بوفد من أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس». وقد لخص المتابعون اللقاء قائلين: «نتنياهو نصب لهم كميناً ولكنه وقع فيه بنفسه». وتحوّل اللقاء إلى فضيحة، احتلت عناوين وسائل الإعلام في خضم الحرب، وفق ما قال خصوم نتنياهو.
والقصة، كما يقول المنتقدون، أن نتنياهو لم يضع قضية الأسرى في مركز اهتمامه. ولولا قيام الرئيس جو بايدن بلقاء عائلات الأسرى الأميركيين في لقاء مطوّل على تطبيق «زووم»، لما فكّر رئيس الوزراء الإسرائيلي في إجراء لقاء معهم، وفق ما يضيف المنتقدون. وقد امتنع نتنياهو عن ذلك في هذه المرحلة من الحرب حتى لا يتيح لهم ممارسة ضغوط عليه، خصوصاً وأن وسائل الإعلام تدعوه إلى إبرام صفقة مع «حماس» حتى لو كان الثمن إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين أو كل الأسرى الفلسطينيين.
وفي هذه الأثناء انتظم أهالي الأسرى بشكل قوي. فقد أقاموا جمعية وفتحوا حملة تبرعات وباب التطوع لمساعدة العائلات وجمعوا معلومات عن هؤلاء الأسرى لمعرفة أعمارهم واحتياجاتهم، وأي دواء يستعمله المرضى منهم، وأي حساسية للطعام تميز بعضهم، وأجروا اتصالات مع دول الأجانب منهم، وأقاموا اتصالات مع الصليب الأحمر للمساعدة على التواصل معهم. كما انتخبوا سكرتارية وناطقين بلسانهم واستأجروا مكاتب في برج شالوم في قلب تل أبيب. وعندما طال الوقت على امتناع نتنياهو عن اللقاء بهم، اتصلوا صباح الأحد بمكتبه وأبلغوا أنهم يطلبون منه لقاءهم فوراً وإلا فإنهم سيلجأون إلى الرأي العام. واللجوء إلى الرأي العام يعني الصحافة التي تدير حملة واسعة ضد نتنياهو وحكومته ومساعديه منذ بداية الحرب وتتهمه بالتهرب من المسؤولية عن الإخفاقات والانشغال بكيف يزيح عن نفسه التهم في حال تشكيل لجنة تحقيق حول الإخفاقات.
لذلك سارع نتنياهو إلى التقاء وفد عن العائلات مؤلف من سبعة أشخاص. وحتى يتجنب الصحافة، أجرى اللقاء في قاعدة عسكرية في مدينة الرملة، بعيداً عن الأضواء. وخلال اللقاء، حاول إبداء تعاطف قوي معهم وفاجأهم بأن عانقهم فرداً فرداً. واستغرق الاجتماع ساعتين، علماً أنه قال لهم إنه سيكرس لهم ساعة. وأتاح نتنياهو لكل منهم أن يروي قصة أبنائهم الذين وقعوا في أسر «حماس». وأخبرهم أن أحد أهداف الحرب هو إطلاق سراح الأسرى. وقال: «أريد أن أطلق سراحهم جميعاً، ولكن إذا تمكنا من إطلاق سراح قسم منهم لن نتردد». ودعاهم إلى عدم مساعدة «حماس» بإدارة معركة شعبية للضغط على الحكومة فـ«نحن نضع قضيتهم على رأس اهتمامنا». وقد تأثر الحاضرون من تعاطف نتنياهو. فقال بعضهم لاحقاً إنهم فوجئوا من موقفه الحنون. ولكن خلال اللقاء دخل أحد المسؤولين في مكتب نتنياهو وقال بصوت عال إن عدداً من أهالي الأسرى موجودون في الخارج ويطلبون اللقاء به. فقال: «لا بأس في ذلك… أدخلهم». فدخل أربعة أشخاص أحدهم متدين. وتكلم منهم اثنان، امتدحا نتنياهو وحكومته وطلبا أن يدير الحرب بهدوء وروية حتى «الانتصار وتصفية (حماس)»، وقال كل منهما إن له قريبا في الأسر، وإنهما مستعدان للتضحية بهما إذا كان النصر يحتاج إلى ذلك فـ«المهم ألا ترضخ لهؤلاء الإرهابيين الداعشيين من (حماس)».
وعندها حاول أحد الحاضرين، وهو محام معروف وقديم، الاستفسار من هم هؤلاء. فهم ليسوا مسجلين لديه كجزء من عائلات الأسرى. ودخل في نقاش معهم، تحوّل إلى شجار. وبانتهاء اللقاء، أصدر الأربعة بياناً صحافياً أعلنوا فيه عن تشكيل حركة لتحرير الأسرى جنباً إلى جنب مع الحكومة. هنا فهمت العائلات أن نتنياهو نصب كميناً. فهو يريد أن يظهر أهالي الأسرى مساندين له ومشجعين له على الاستمرار في الحرب بغض النظر عن قضية الأسرى، مع العلم بأنهم طالبوه بالعمل على إطلاق سراح أقربائهم سالمين مهما كان الثمن. وقد تحول الموضوع إلى فضيحة، وسط انتقادات لسياسة نتنياهو على أساس أنها يمكن أن تؤدي إلى قتل الآسرين والمأسورين معاً. وتقول إسرائيل إن هناك 199 رهينة بين إسرائيليين وأجانب ومزدوجي الجنسية تحتجزهم «حماس» منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) عندما شنّت هجومها المباغت.
وكانت وسائل إعلام عبرية قد أثارت أكثر من قصة عن تصرفات نتنياهو ومساعديه. فكشفت أن وزير الأمن يوآف غالانت حضر إلى مكتب نتنياهو للقائه الأحد، فلم يسمحوا لسيارته بالدخول. واضطر إلى العودة على أعقابه. وتبين أن نتنياهو فعل ذلك لأنه غير راض عن قرار غالانت تعيين شخص لإدارة عملية ترميم البلدات في غلاف قطاع غزة. فقد اختار غالانت، روني نوما، صاحب التاريخ العسكري الذي برز كأحد قادة مظاهرات الاحتجاج ضد خطة الحكومة للانقلاب على منظومة الحكم والقضاء. ولذلك أقام طاقماً خاصاً في ديوان رئيس الوزراء لمعالجة الترميم برئاسة أحد المقربين منه، هو رئيس مفاعل ديمونة، موشيه أدري.
ووفق التسريبات، فإن من قرر رفض تعيين نوما هي زوجة نتنياهو، سارة، باعتبار أنه معاد لعائلة نتنياهو. وتبين أن هذا ليس القرار الوحيد الذي اتخذته سارة ونفذه زوجها بنيامين. فهي التي وقفت سداً أمام ضم أفيغدور ليبرمان إلى حكومة الطوارئ لإدارة الحرب. وتقف وراء اقتراح وزير الاتصالات، شلومو قرعي، استغلال حالة الطوارئ الحربية لتمرير عدد من البنود لتعديل قوانين الإعلام وحرية النشر، بحيث «يمنع التحريض على الحكومة ورموز الدولة في وقت الحرب». وهو الأمر الذي يدل على مدى ضيق نتنياهو وعائلته من الانتقادات الواسعة للحكومة على إخفاقاتها في هجوم «حماس» ومسؤوليته الشخصية عنها، وفق ما يقول منتقدون لرئيس الوزراء الإسرائيلي.