بينما أعلنت الحكومة الجزائرية إلغاء كل الاحتفالات، التي كانت مقرَّرة بمناسبة ذكرى «ثورة التحرير»، مطلع الشهر المقبل، وحفل «اليوم الوطني للصحافة» المرتقب الأحد المقبل، بسبب المجازر التي تحدث في غزة، خرج مئات الآلاف من الجزائريين إلى كل مدن البلاد، اليوم الخميس، في مظاهرات كبيرة؛ تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.
وكتبت وزارة الخارجية، في بيان، أنها طلبت «من جميع السفارات والبعثات والقنصليات العامة، والقنصليات الجزائرية بالخارج، إلغاء كل التحضيرات المتعلقة بالاحتفالات المخلّدة لذكرى أول نوفمبر (تشرين الثاني) المجيدة لهذه السنة، وكل مظاهر الاحتفال المرتبطة بهذه الذكرى»، مؤكدة أن القرار «جاء من رئيس الجمهورية؛ تعبيراً عن تضامن الشعب الجزائري والدولة الجزائرية مع أهلنا وأشقائنا الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصَر، الذين يواجهون عدواناً غاصباً، ووابلاً من الجرائم والمجازر المرتكَبة بحقّهم من قِبل المحتل الصهيوني».
كما أعلنت وزارة الاتصال إلغاء الحفل السنوي المتعلق بـ«العيد الوطني للصحافة»، وذلك في 22 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، والذي يجري فيه عادةً تسليم «جائزة رئيس الجمهورية لأفضل الأعمال الصحافية».
وشهدت عاصمة البلاد، الخميس، ومدن الشرق الكبيرة كقسنطينة وعنابة، والغرب كوهران وسيدي بلعباس، ومناطق الجنوب، مظاهرات حاشدة؛ تضامناً مع سكان غزة، رفعت خلالها شعارات مندِّدة بإسرائيل، ومطالِبة بوقف العدوان على الفلسطينيين. وفي «ساحة أول مايو» بوسط العاصمة، رُفعت الأعلام الفلسطينية عند انطلاق المظاهرة في حدود منتصف النهار بالتوقيت المحلي، جابت الشوارع الرئيسية مثل «شارع حسيبة بن بوعلي»، إلى «تشي غي فارا»، مروراً بـ«شارع العقيد عيمروش»، وانتهاء بـ«ساحة الشهداء»، بالقرب من «الجامع الكبير».
وردّد المتظاهرون بقوة شعار «نحن فلسطين ظالمة أو مظلومة»، الذي أطلقه، أول مرة، الرئيس الراحل هواري بومدين (1965 – 1978)، وشُوهد في الصفوف الأولى للمحتجّين قادة 11 حزباً دعوا إلى المظاهرة، بعد موافقة السلطات عليها والترخيص بها.
وأثناء السير في الشوارع، سُمعت زغاريد من شُرفات العمارات. ووسط المظاهرات، حملت امرأة قطعة قماش لفّت بداخلها دمية، على ما يبدو، في محاكاة لمشاهد أطفال غزة قتلى القصف الإسرائيلي. وأكدت سعيدة، عضو «الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات»، أن «مظاهرة الجزائريين، اليوم، هي بمثابة نداء لكل العرب بأن يهبّوا لنجدة الفلسطينيين، مع ضرورة أن تتحرك الحكومات لوقف غطرسة إسرائيل».
وفي وهران، غصّت الساحة الرئيسية، قرب مبنى مسرح المدينة، بالمتظاهرين؛ تلبيةً لنداء الأحزاب، حيث رفعت الأعلام الفلسطينية، وأطلقت هتافات منتصرة لسكان غزة. كما عاشت قسنطينة، التي يطلق عليها «مدينة العلم والعلماء»، المشاهد نفسها.
وأعادت المظاهرات إلى الواجهة مشاهد السيول البشرية، التي تدفقت على مدن البلاد مطلع 2019، واستمرت بعدها بشهور، رفضاً لترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ولسياسات النظام بشكل عام. وقد ضاقت الحكومة ذرعاً بالمتظاهرين، بعد انتخابات نهاية 2019 التي أفرزت عبد المجيد تبون رئيساً، فأوقفتها بالقوة في 2021، بعد فترة قصيرة من نهاية الحجر الصحي «كوفيد 2019»، بحجة أن «الرئيس تعهّد بتلبية كل مطالب الحراك»، ومن ثم فلا أساس لاستمرار الاحتجاج في الشوارع، وفق توضيحات الحكومة آنذاك.
ودعت الأحزاب الـ11 المنظِّمة للمظاهرات، في بيان مشترك، إلى «حداد وطني؛ ترحماً على أرواح شهداء غزة الصامدة»، وندّدت بـ«تواطؤ التحالف الخماسي المكوَّن من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، الذين انحازوا بشكلٍ سافر للكيان الصهيوني، وفتحوا بموقفهم المعلَن الباب أمام المجازر الجماعية، التي تصنَّف جريمة حرب مكتملة الأركان»، داعية إلى الاحتجاج لدى سفارات هذه الدول بالجزائر. كما دعت دول الطوق المحيط بفلسطين إلى «مواقف عملية رافضة للتهجير، وتعزيز الدعم المباشر لغزة، على اعتبار أنها أصبحت مستهدَفة مباشرة هي أيضاً».