من بين أكثر ما أستوقف المراقبين لخطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله، خلوه تماما من الإشارة لسوريا في إطار التصعيد الكبير الذي تمر به المنطقة.
وهو ما فسره محللون على أنه علامة على توجه عام نحو خفض التصعيد وعدم المضي في توسيع رقعة الصراع، سيما وأن دمشق لا تبدو وفقهم “متحمسة” كثيرا للهجوم الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر، وهو ما يمكن تلمسه في ما بين سطور الموقف السوري من مجريات الأحداث في غزة.
خلفيات الموقف السوري
واعتبر المحللون أن هناك توجس لا يزال يحكم العلاقة بين دمشق وحماس، على خلفية موقف الحركة الداعم للمعارضة خلال سنوات الأزمة الداخلية التي عصفت بسوريا منذ 2011.
فضلا عن أن دمشق “المرهقة” جراء سنوات من الحصار والحرب الداخلية والتدخلات الخارجية، لا تبدو وفقهم في وارد الانخراط في حرب ليست هي من بدأتها ولا هي من خططت لها، وأنها تحاول في هذا المنعطف الموازنة بين علاقاتها مع إيران وحلفاءها، وعلاقاتها والتزاماتها العربية، سيما بعد الانفتاح العربي الواسع عليها مؤخرا.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق عقيل محفوض، في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية:
- لا يزال الموقف بين دمشق وحماس معقدا وبعيدا عن الوصول لحلول أو تسويات، فالتقارب النسبي ليس نتيجة قناعات مباشرة لديهما، حيث ثمة رغبة من إيران لكسر الجمود وتغيير النمط بين الطرفين، في أفق رؤيتها للأمور، ووفق أولوياتها، أكثر منها أولويات دمشق، على ما يرى كثير من السوريين، وبالطبع ليس بناء على مراجعات جدية لما بدر من حماس في بدايات الأزمة السورية.
- الأقرب أن تنظر دمشق للتقارب النسبي مع حماس، بوصفه استجابة لإكراهات الموقف الإقليمي، والتشارك في العداء لإسرائيل.
- لكن لا يستطيع كثير من السوريين تناسي أن حماس كانت مصطفة في الخندق المناهض لدمشق، وأن بعض مقاتليها شاركوا في الحرب ضدها، وأن هنية رفع علم المعارضة السورية في أصعب وأحلك لحظات الحرب.
- بالنسبة لدمشق، لا تمثل معارك حماس أولوية الآن، فحماس ليست فلسطين، ولا هي كل الشعب الفلسطيني، وعليه فالموقف السوري من الحرب في غزة، هو مع حق الفلسطينيين بمقاومة الاحتلال، وهو بالتمام ضد ما تقوم به إسرائيل، وهو ما لا يضع سوريا في معركة لم تتضح خططها ولا رهاناتها، ولا أفقها، فضلا عن عدم الثقة بـ”الفاعل”.
- الدبلوماسية السورية أظهرت دينامية نشطة بهذا الخصوص، ثمة إكراهات داخلية وإقليمية ودولية ثقيلة جدا، وإجهاد كبير بعد سنوات من الحرب والحصار.
- إيقاع التفاعل السوري مع الحدث تحدده دمشق نفسها، خلافا للدعاية المناهضة لها، منطق “المحور” مهم بالنسبة لها، لكن منطق التقارب والتفاعل مع الدول العربية مهم أيضا.
- ثمة حدود وسقوف للصراع والمواجهة، تفوق قدرة الأطراف على تجاوزها، إن كان ثمة من يريد تجاوزها بالفعل.
- لدى فواعل السياسة في سوريا ما يشبه اليقين أن المشهد سوف ينقلب من الحرب إلى التسوية، ولا بد أنها تسوية “غير نهائية”، و”غير عادلة”، وسوريا ليست جزء من ذلك.
من طرفه يقول الزميل في معهد ستيمسون للأبحاث عامر السبايلة، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية”:
- واضح أن هناك حصرا لجغرافيا الصراع في غزة، من قبل نصر الله، باعتبار أن قرار الهجوم اتخذ فيها دون تنسيق مع الحلفاء كحزب الله، وهو ما يعني وفق ما كشفه خطاب نصر الله النأي بلبنان عن الصراع المفتوح مع إسرائيل وعدم دخول حزبه في المواجهة الكبرى.
- وجل ما يقوم به حزب الله هو إشغال الإسرائيليين عبر عمليات متفرقة ومحدودة في الجبهة اللبنانية، وهكذا فتجنب إشارته لسوريا وعدم التطرق حتى لاستهداف مطاري دمشق وحلب مؤخرا من قبل إسرائيل، هو مؤشر على حرص حزب الله على النأي بالنفس وبالحلفاء، وعدم تقديم أي مسوغ للاستهداف.
- سوريا تعرف أنه في حال تورطها في الحرب بصورة واسعة، فإنها ستكون عرضة لضربة شاملة، ولهذا فهي تحرص على عدم تقديم المسوغات لهكذا ضربة، ومحاولة امتصاص الضربات التي تتعرض لها مطاراتها وعدم الدخول في مواجهة مباشرة ومفتوحة.
المصدر: سكاي نيوز