دخلت فرنسا على خط الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس، بإعلان رئيسها إيمانويل ماكرون، السبت، توجهه إلى قطر للمساعدة في العمل “على هدنة جديدة تفضي إلى وقف إطلاق النار”، وسط آمال دولية وضغوط متواصلة لعدم تصاعد الحرب مجددًا في قطاع غزة على وقع الأزمة الإنسانية التي يعيشها قرابة 2.5 مليون شخص داخل القطاع المُحاصر.
ويعتقد مراقبون في حديثهم لـ”سكاي نيوز عربية”، أن باريس تحاول أن تلعب دورًا بارزًا في الصراع الراهن بالشرق الأوسط، خاصة في ظل الضغوط الداخلية المُطالبة بـ”وقف فوري لإطلاق النار” في غزة، وكذلك الانتقادات بشأن السياسة التي انتهجتها تجاه الحرب والتي وُصفت بـ”المتذبذبة” بين إدانة كلًا من حماس وإسرائيل، والتراجع عن بعض التصريحات.
ماذا قال ماكرون؟
- قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن بلاده “قلقة جداً” إزاء استئناف العنف في غزة، موضحًا خلال مؤتمر صحافي بقمة المناخ “COP28“، أن الوضع يتطلب مضاعفة الجهود للتوصل إلى “وقف دائم لإطلاق النار” وإطلاق سراح جميع الرهائن.
- انهارت هدنة مؤقتة بين إسرائيل وحماس يوم الجمعة بعدما لم يتمكن الوسطاء من تمديد فترة توقف إطلاق النار، في حين تبادل طرفا الصراع اللوم على كلاهما بشأن المتسبب في انهيار الاتفاق.
- حث ماكرون إسرائيل على توضيح أهدافها تجاه حماس، مضيفًا: “نحن في لحظة يجب على السلطات الإسرائيلية تحديد أكثر دقة لأهدافها وهدفها النهائي.. التدمير الكامل لحماس لا أحد يعتقد أنه من الممكن إذا كان هذا هو الحال، فإن الحرب ستستمر 10 سنوات”.
- “لا يوجد أمن دائم لإسرائيل في المنطقة إذا تحقق أمنها على حساب أرواح الفلسطينيين وبالتالي على حساب استياء الرأي العام في المنطقة. دعونا نكون واضحين بشكل جماعي” حسبما قال الرئيس الفرنسي.
- أجرى ماكرون لقاءات على هامش “COP28” مع عدد من القادة المعنيين بالنزاع الراهن، في الوقت الذي أبلغ رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أن من مصلحة حزب الله ضبط النفس لتجنب تصعيد إقليمي.
- وخلال لقائه نظيره الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، دعا ماكرون إلى استئناف الهدنة في أسرع وقت ممكن على أمل أن يؤدي ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار.
- وفق وكالة الأنباء الفرنسية، لا يخفي دبلوماسيون فرنسيون قلقهم إزاء العمليات العسكرية التي تستهدف أيضًا مناطق جنوب قطاع غزة، خلافًا لتعهّد تل أبيب بأن تكون هذه مناطق “آمنة” للمدنيين، كما يطرحون أسئلة بشأن توعد السلطات الإسرائيلية “بالقضاء” على حماس، خشية من أن يؤدي ذلك، بدون عملية محددة الهدف، إلى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين.
- ونددت فرنسا بأعمال العنف التي ينفذها المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية ووصفتها بأنها “سياسة إرهاب” تهدف إلى تهجير الفلسطينيينـ وحثت السلطات الإسرائيلية على حماية الفلسطينيين من العنف.
موقف مُعقّد
من جانبه، اعتبر الأكاديمي الفرنسي وأستاذ العلاقات الدولية، فرانك فارنيل، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن موقف فرنسا مُعقد في خضم الصراع الراهن في الشرق الأوسط، إذ شابت معالجة الرئيس إيمانويل ماكرون للنزاع 3 تحديات كبيرة.
وحدد “فارنيل” تلك التحديات بالقول:
أولا: كانت السياسة الخارجية الفرنسية بعيدة عن واقع المنطقة، مما أدى إلى نهج غير متماسك وغير فعال.
ثانيا: أدت التوترات على الأراضي الفرنسية إلى تفاقم الوضع، وذلك بفضل الافتقار إلى التدابير الاستباقية والدعم من حركة يسارية متطرفة غير مسؤولة.
ثالثاً: أدت التغييرات المستمرة للرئيس ماكرون في موقفه إلى تآكل مصداقيته، مما أثر على قدرته على تجاوز هذه الأزمة المتطورة.
وأشار الأكاديمي الفرنسي إلى أنه في محاولة لإيجاد حل فرنسي فريد، خلقت باريس بدلا من ذلك “ارتباكا”، كما قُوبل اقتراح ماكرون الأخير بالدخول في مناقشات لوقف إطلاق النار مع الدول العربية خلال زيارته لقطر بتشكك بسبب مصداقية فرنسا المتذبذبة منذ هجمات 7 أكتوبر.
وأضاف: “يعتمد مستقبل المنطقة واستقرارها على نهج أكثر تماسكا للحرب، وفي مواجهة هذا الواقع الحاسم، يتحتم على فرنسا أن تعيد تقييم موقفها وتنضم إلى اللاعبين الإقليميين الرئيسيين”.
تأثير محدود
وعلى هذا المنوال، تقول الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه من غير المرجح أن ينجح ماكرون فيما فشلت فيه الولايات المتحدة، إذ لواشنطن نفوذ أكبر في منطقة الشرق الأوسط يفوق ما تُقدمه باريس.
وأضافت: “لا توجد وسيلة لماكرون لتحقيق أي اختراقات في هذه القضية لأنه لم يكن الشخص الذي كان له أي تأثير عليها في البداية، علاوة على ذلك، ليس لدى الرئيس الفرنسي أي شيء جديد يقدمه لأي من الطرفين، لذلك ليس من الواضح ما الذي يمكنه تقديمه على الطاولة بغض النظر عن تكرار نفس الحجج”.
وأشارت تسوكرمان إلى أنه بسبب هذه القيود، لا يمكن لفرنسا أن تلعب سوى دور داعم محدود للغاية في الصراع الراهن، إذ أنها “لا يمكنها الضغط على حماس، كما أن إسرائيل لا تميل إلى الاستماع لوجهة نظرها”.
وأوضحت خبيرة الشؤون الأمنية والاستراتيجية، أن ماكرون حاول مرارا وتكرارا توسيع نفوذ فرنسا ودورها في الأزمة الراهنة، لكن لم ينجح في ذلك، والدليل على ذلك عدم إنجاز أي تحرك ملموس فيما يخص وضع حزب الله في لبنان، مشددة على أن للولايات المتحدة الدور الأكبر في الصراع بين إسرائيل وحماس.
البحث عن دور
بدورها، تقول الباحثة بمعهد الأبحاث والدراسات بشأن البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، أنييس لوفالوا، إن “فرنسا، وماكرون، غير قادرَين على إيجاد مكانتهما فعليًا في هذه الأزمة”.
وأوضحت أن ماكرون فقد بعضًا من مصداقيته عندما أطلق نهاية تشرين أكتوبر من القدس، فكرة ضمّ دول عربية إلى تحالف دولي لمحاربة حماس بدون أن يمهد الطريق لذلك، وبعد تعرضه لانتقادات بسبب انحيازه لإسرائيل، قد تكون دعوته إلى “التوقف” عن قصف المدنيين قد أدت إلى توتر علاقته بنتانياهو.
واعتبرت لوفالوا أن البحث عن التوازن “بناءً على ردود الفعل” يربك استراتيجية ماكرون.
المصدر: سكاي نيوز