خان يونس .. من فندق مملوكي إلى مأوى للاجئين والنازحين
- Author, أميمة الشاذلي وألكسندرا فوشيه
- Role, بي بي سي
يركز الجيش الإسرائيلي حالياً على محيط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، التي لجأ إليها العديد من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بعد أن تلقوا أوامر بمغادرة شمال القطاع.
“تفاجأنا بإلقاء بعض المنشورات على مناطق في خان يونس، تطالبنا بالنزوح نحو جنوب القطاع، نحن بالفعل في الجنوب!”، هكذا قال أحد سكان شمال غزة لبي بي سي الذي نزح هو وأقاربه في المرة الأولى نحو الجنوب بعد بداية الحرب، بناء على أوامر السلطات الإسرائيلية، والآن يُطلب منهم النزوح من جديد.
ما رد فعل الفلسطينيين على منشورات إسرائيلية تطالبهم بالنزوح إلى رفح؟
وتساءل “إلى أين نذهب؟! وكيف سينزح المصابون؟! لقد نفد المال الذي جئنا به من الشمال، وليس معنا ما يمكّننا من الانتقال إلى أي مكان آخر”.
أدى تدفق الوافدين الجدد إلى ضغط هائل على البنية التحتية للمدينة الأكبر في جنوب القطاع، ما أدى إلى اشتداد حاجة الناس إلى الغذاء والماء والسكن. وتفيد التقارير بأن نحو 1.9 مليون فلسطيني من الشمال قد نزحوا بسبب الصراع.
وتقع خان يونس على بعد حوالي 10 كيلومترات من معبر رفح الحدودي مع مصر، وهي ثاني أكبر مدينة في القطاع كله بعد مدينة غزة، ويقدر عدد سكانها قبل الحرب الأخيرة بنحو 400 ألف نسمة.
تاريخ المدينة
يرجح المؤرخون أن أول إنشاء لمدينة خان يونس كان بالعصر اليوناني، وعرفت باسم “جينيسوس”.
بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.
الحلقات
البودكاست نهاية
وفي عهد المماليك الذين حكموا مصر والشام بين عامي 1382 و1399م، جاءت أهميتها في إطار تعزيز حركة التجارة بين مصر والشام، حيث كانت تعد خان يونس مركزاً تجارياً رئيسياً للمنطقة، وكانت آخر محطة توقف على طريق التجارة القديم، للمسافرين إلى مصر والمغرب العربي.
ويقال إن تسمية خان يونس يعود إلى الأمير يونس النوروزي، الدوادار وهي كلمة فارسية تعني أنه حامل أختام السلطان، وكانت لقب لأحد كبار موظفي الديوان، وهو مكلف بالرد على مكاتبات السلطات الرسمية وإعداد الرسائل التي يبعث بها السلطان إلى مختلف الملوك والأمراء، وحفظ صور عنها في ملفات خاصة.
وقد أشرف الأمير يونس على بناء الخان أو الفندق الذي كان على هيئة قلعة عام 1387، والتي تعرف حالياً بقلعة برقوق نسبة للسلطان الملك الظاهر برقوق، الحاكم آنذاك.
ماذا نعرف عن غزة على مر العصور؟ ولماذا وصفت بـ”بنت الأجيال”؟
وقد قام العثمانيون بتجديد القلعة، وأنشأوا فيها حامية عسكرية للفرسان، وفيها مسجد تطل مئذنته من فوق سور القلعة، وأقيم بها نُزُل للتجار والمسافرين وعابري السبيل.
وقد واجهت المدينة الإنجليز خلال الانتداب البريطاني؛ حيث اضطر الإنجليز إلى ضرب قلعتها بنيران المدفعية، ما أدى إلى هدم القلعة، ولم تُرمم القلعة في ذلك الوقت.
وتحولت الأراضي الموجودة داخل القلعة بعد ذلك إلى ملكية خاصة، فأزال الناس بقايا الخان المتهدم، بل وأزالوا أسوار القلعة نفسها، وكان آخرها الجدار الجنوبي الذي أزيل تدريجيا بعد الغزو الإسرائيلي، واحتلت القوات المدينة بحلول حرب 1967.
ولم يبق من القلعة اليوم سوى الجانب الغربي، وهو البوابة الرئيسية للقلعة، ويطل على مركز المدينة والمنتزه.
أولى الغارات الإسرائيلية
في عام 1955، شنت القوات الإسرائيلية عدة غارات على خان يونس، أولها غارتان في عام 1955، في مايو/أيار، وفي أغسطس آب من العام نفسه، وكانت حصيلة الغارتين مقتل 96 فلسطينياً وجرح 70 آخرين.
وأرجعت القوات الإسرائيلية السبب إلى أن خان يونس كانت نقطة انطلاق الفلسطينيين المسلحين الذين يطلق عليهم “الفدائيين” إلى داخل إسرائيل لتنفيذ عملياتهم المسلحة.
ومع العدوان الثلاثي في العام التالي، عام 1956، ارتكبت القوات الإسرائيلية ما وصفت وقتها بأنها “أكبر مجزرة إسرائيلية في فلسطين” وفق المؤرخين؛ حيث قامت القوات الإسرائيلية باحتلال خان يونس وقتلت أكثر من خمسمائة فلسطيني، وقدرت بعض الإحصاءات بأن أعداد القتلى وصلت إلى 2000.
مخيم خان يونس للاجئين
إلى الغرب من مدينة خان يونس، يوجد مخيم اللاجئين يحمل الاسم نفسه، ويقع على بعد كيلومترين من ساحل البحر الأبيض المتوسط، شمال مدينة رفح.
ففي أعقاب حرب عام 1948 التي تُعرف بـ”النكبة الفلسطينية”، نزح الفلسطينيون ومعظمهم من منطقة بئر السبع، إلى المخيم الذي لجأ إليه فلسطينيون من حيفا ويافا واللد والرملة، ومدن وقرى أخرى، وفق موسوعة المخيمات الفلسطينية.
وتذكر الموسوعة أن المخيم أنشئ بواسطة الصليب الأحمر، قبل أن تُسلم إدارته لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي أفادت في أحدث إحصاءاتها قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أن سكان مخيم خان يونس يقطنه نحو 90 ألف لاجئ فلسطيني.
مستشفيات المدينة
تضم مدينة خان يونس نحو ستة مستشفيات، تتعامل مع آلاف الضحايا، أهمها مجمع مستشفى ناصر الطبي والمستشفى الأوروبي.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن تكثيف العمليات العسكرية البرية في جنوب غزة، خاصة في خان يونس، قد تعني أن آلاف الفلسطينيين لن يتمكنوا من الوصول إلى الرعاية الصحية، لاسيما في مجمع ناصر الطبي ومستشفى غزة الأوروبي، المستشفيين الرئيسيين بالمدينة.
وفي زيارة قام بها مؤخراً إلى مجمع ناصر الطبي، وصف فريق منظمة الصحة العالمية الوضع داخل المستشفى بأنه “كارثي”، حيث تكتظ المباني والمستشفيات اكتظاظاً شديداً بالمرضى والنازحين الذين يبحثون عن مأوى.
وأوضح بيان صدر عن منظمة الصحة العالمية، أن هناك نقصاً في العاملين الصحيين مقارنةً بالاحتياجات الهائلة، كما أنهم يعملون بلا توقف وأصبحوا مُنهكين، وقالت المنظمة إن جناح الطوارئ كان مكتظا بالمرضى، والعديد من المرضى يتلقون العلاج على أرضيات المجمع الطبي، ولم يَعُد عدد الأسرّة كافيا.
‘بيكفي’
وصف سكان المدينة الغارات الجوية الحالية بأنها الأعنف منذ بدء الحرب، وأصدرت إسرائيل أوامر إخلاء لعدد من أحيائها.
وأفاد السكان بإسقاط منشورات في المدينة وما حولها، تحذر الناس من عملية عسكرية كبيرة وشيكة.
وقال أحد الموجودين في محيط مدرسة جنين، الذين تحدثوا لـ”غزة اليوم” الخدمة الإذاعية لبي بي سي التي انطلقت بعد اندلاع الحرب في المنطقة: “استيقظنا هذا الصباح وفوجئنا بالقوات الإسرائيلية تشن غارة ضخمة على المناطق المحيطة بالمكان الذي كنا فيه، وكان القصف عنيفاً للغاية”.
وتابع قائلاً “سمعنا عبر مكبرات الصوت أن علينا إخلاء المنطقة إلى مكان أكثر أماناً في الجنوب”، موضحاً صعوبة الانتقال إلى أي مكان بسبب صعوبة التنقل والظروف، لاسيما مع وجود العديد من المصابين.
وقال صبي للبرنامج: “بيكفي! بيكفي ما واجهناه. لقد متنا خوفا ورعبا. لقد قصفوا منزلاً بالقرب من المستشفى، وهناك الكثير من المصابين”.
حرب غزة: ناجون من القصف على خان يونس “لا نعرف كيف خرجنا أحياء”
وتقول سيدة إن الصليب الأحمر نقلها ومن معها من المستشفى الإندونيسي في شمال غزة مع عدد من الجرحى كملاذ آمن، لكن ومنذ صباح الاثنين الرابع من ديسمبر/كانون الأول، “لم يتوقف القصف، والجرحى خائفون ومرعوبون”.
وأضافت “لقد طلبنا من الصليب الأحمر حماية هذا المكان لأننا لا نستطيع التحرك من هنا، حتى لو تعرضنا لإطلاق النار في هذه المدرسة. لن نتمكن من الانتقال إلا بسيارة الإسعاف والحافلة إلى مكان آمن آخر”.
بالقرب من المستشفى الأوروبي في خان يونس، طالب مدير أحد مراكز الإيواء الصليب الأحمر بحماية المصابين الذين نقلتهم المنظمة، مؤكداً أن كل من بالمركز “أبرياء ومصابون. نجوا من الموت وانتقلوا إلى منطقة أخرى غير آمنة”.
وأضاف: “مات أحدهم جراء الشظايا وهو يتناول طعامه في محيط المستشفى الأوروبي”.