ماذا بعد قرار محكمة العدل الدولية بشأن حرب غزة؟
ورفعت جنوب أفريقيا الدعوى في محكمة العدل الدولية الشهر الماضي، وطلبت منها فرض إجراءات طارئة لوقف القتال الذي أودى بحياة أكثر من 26 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة.
وقال القضاة خلال نطق الحكم إنه يتعين على إسرائيل اتخاذ جميع الإجراءات في حدود سلطتها لمنع قواتها من ارتكاب أعمال إبادة جماعية ومعاقبتها على ذلك، بالإضافة إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين الوضع الإنساني في غزة.
ماذا يعني قرار محكمة العدل الدولية؟
يقول الخبير في القانون الدولي أنيس القاسم “إن قرار المحكمة يُلزم إسرائيل برفع الحصار عن المواد الأساسية، كالدواء والمياه والغذاء وهو الأمر المهم جداً بالنسبة للناس الذين يموتون من الجوع، إلى جانب إلزام إسرائيل بتنفيذ ما ورد من طلبات أخرى للمحكمة”.
وأمرت المحكمة بعدم القتل أو التحريض على ارتكاب الإبادة ومنع التدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بمزاعم ارتكاب إبادة الجماعية.
من جهته يرى المحكّم الدولي والمحامي عمر الجازي أن قرار المحكمة “هامٌ ومفصلي من أجل تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني”، إذ إن مجرد قبول النظر بالقضية من قبل محكمة العدل الدولية، وقبول اختصاصها وصلاحياتها في أصل الدعوى يشكّل انتصاراً لجنوب أفريقيا، ذلك أنه تمّ تثبيت حق جنوب أفريقيا بمخاصمة إسرائيل في تهم تتعلق بالإبادة الجماعية للفلسطينيين من أعلى هيئة قضائية دولية في العالم، بحسب الجازي.
وكانت المحكمة قد أكدت في عرض قرارها على اختصاصها في النظر والبت في هذه الدعوى القضائية، ووجدت أنه يحق لجنوب أفريقيا مساءلة إسرائيل بشأن عدم التزامها بقضية منع الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية جنيف، ورفضت المحكمة قبول طلب كانت إسرائيل قد تقدمت به لرفض النظر في الدعوى القضائية المرفوعة ضدها، وعلى سلطتها في اتخاذ تدابير تحول دون وقوع أي ضرر أو خطر قائم، وبإمكانها إصدار حكم نهائي.
فيما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتهام بارتكاب إبادة جماعية، وقال في تصريح صحفي “إن مجرد الادعاء بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين ليس زائفا فحسب، بل هو أمر شائن، ومجرد استعداد المحكمة لمناقشة هذا هو عار لن تمحوه أجيال”. وأكد نتنياهو مواصلة بلاده الدفاع عن نفسها.
بالنسبة للقاسم، فإن قرار المحكمة لا يمثل انتصاراً لجنوب أفريقيا ولا هزيمة لإسرائيل، باعتبار ما تمّ إعلانه هو إجراءات “وقتية”لا تمس بأصل النزاع وهو التهمة بارتكاب الإبادة الجماعية، حيث يشرح القاسم أن القرار لا يشكل قرينة بأن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة، لكنه يشير إلى أن المحكمة بدت متعاطفة “مع الوضع المأساوي القائم” في غزة، وذلك بدلالة تصويت الغالبية الساحقة لأعضاء المحكمة على الإجراءات المؤقتة، وهو ما يجعله يصف القرار “بالاستثنائي”.
لماذا لم يتضمن قرار محكمة العدل الدولية وقفا لإطلاق النار؟
على الرغم من أن قرار المحكمة لم يشمل نصاً صريحاً بوقف إطلاق النار كما طلبت جنوب أفريقيا في الدعوى المقدمة في التاسع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلا أن وزيرة الخارجية للبلاد اعتبرت في مؤتمر صحفي بعد انتهاء جلسة أنه لا يمكن تنفيذ أوامر محكمة العدل دون وقف إطلاق النار.
وكانت جنوب أفريقيا قد طلبت من المحكمة الشهر الماضي الإشارة إلى تسعة تدابير مؤقتة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني باعتباره مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وعلى رأس هذه التدابير كان “تعليق إسرائيل فوراً لعملياتها العسكرية في غزة وضدها”، كما جاء في طلبها.
وتُوصف “التدابير المؤقتة” بأنها أوامر تصدرها المحكمة قبل حكمها النهائي في قضية ما، بهدف منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها. وبموجبها تُلزم الدولة المدعى عليها بالامتناع عن اتخاذ إجراءات معينة حتى تصدر المحكمة الحكم النهائي.
هل يؤثر قرار محكمة العدل الدولية في مسار الحرب في غزة؟
ما أبرز الأحكام والقرارات التي اتخذتها محكمة العدل الدولية على مدار تاريخها؟
يقول المحكّم الدولي والمحامي عمر الجازي إن الفريق الذي يقف إلى جانب جنوب أفريقيا كان يأمل أن يتضمن القرار وجود نص صريح وواضح بوقف إطلاق النار، لكن من ناحية قانونية قد يكون هناك اختلافات حول اعتبار ذلك صيغة سياسية وليست قانونية.
ويقول الجازي “قد يختلف البعض حول ذلك، ويعتبر أن قرار وقف إطلاق النار هو مصطلح سياسي وليس قانوني، حتى وإن تم استخدامه سابقاً من قبل المحكمة في قضية أوكرانيا وروسيا لكنها في ذلك الحين كانت تنظر للقضية باعتبارها نزاعاً بين جيشين نظاميين”.
ويرى الجازي أن القرار يصب في نتيجته نحو وقف إطلاق النار، ويضيف “القرار جيد للجانب الفلسطيني ولا يؤثر على باقي التدابير.. لا يمكن تنفيذ الإجراءات الوقتية إلا بوقف إطلاق النار”.
من جهته يُبدي الخبير في القانون الدولي أنيس القاسم استغرابه من عدم تضمين القرار لصيغة واضحة حول وقف إطلاق النار ويضيف “بصراحة لم أجد سبباً لعدم النطق بهذه الكلمة، لأن ما تطلبه المحكمة من إسرائيل لا يتم تنفيذه بدون وقف إطلاق النار”. إلا أن القاسم يرى أن باقي التدابير المتخذة هي أكثر اتساعاً من قرار وقف الأعمال القتالية، وستؤدي بالضرورة لوقف إطلاق النار، ويقول: “من غير المعقول أن يتم رفع الحصار عن المواد الغذائية والمياه والدواء في ظل استمرار القصف”.
وتقول الصحفية المعتمدة لدى الأمم المتحدة دينا أبي صعب لبي بي سي “إن عدم تضمين صيغة وقف إطلاق النار تسبّب بخيبة أمل لدى الجانب المؤيد للدعوى المرفوعة ضد إسرائيل”.
وتوضح أبي صعب أن قرار المحكمة في هذه القضية تم “اتخاذه بسرعة فائقة” مقارنة بغيره من القرارات السابقة التي تم إقرارها في قضايا مشابهة، ومن أبرزها الذي اتخذته المحكمة في الحرب الروسية الأوكرانية.
من جهته رّحب نتنياهو بقرار المحكمة الدولية الذي لم يأمر بوقف إطلاق النار، وأضاف في بيان “مثل كل دولة، لإسرائيل حق أصيل في الدفاع عن نفسها.. المحكمة الدولية في لاهاي محقة في رفضها الطلب الشائن بحرماننا من هذا الحق”.
كما قالت الخارجية الأمريكية أن قرار محكمة لاهاي يتفق مع رؤيتها بأن إسرائيل لها الحق في اتخاذ الإجراءات الضامنة لعدم تكرار 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ماذا بعد قرار محكمة العدل الدولية؟
توضح أبي صعب أن على إسرائيل تزويد محكمة العدل الدولية بعد شهر من الآن بتقرير بشأن التدابير التي اتخذتها. وتقول” إنه في حال تجاهلت إسرائيل أو امتنعت عن تنفيذ قرارات المحكمة فإنه من الممكن أن يتم إحالة الأمر لمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة والتي من شأنها اتخاذ قرار في حال الإخلال عن تطبيق قرارات محكمة العدل”.
وتضيف أبي صعب أن الوصول لمجلس الأمن سيضع الأمر مجددًا رهن الفيتو الأمريكي، بعد أن تم استخدامه عدة مرات سابقة منذ بدء الحرب ضد قرار وقف إطلاق النار، لكن في حال حدوث هذه الأمر، فإن ذلك “يضع الأمم المتحدة في نقطة حرجة جداً في تاريخها” باعتبار المحكمة هي المرجع القانوني الأول للأمم المتحدة وأعلى سلطة قضائية في العالم، ما يضع كل مهامها قيد إعادة النظر.
وحول التقرير الذي طلبته محكمة العدل من إسرائيل، تقول أبي صعب أن الفريق القانوني لجنوب أفريقيا سيوّثق أيضاً أي انتهاكات تحدث من قبل إٍسرائيل، ومن الممكن أن يكون لجنوب أفريقيا الصلاحية لتقديم تقرير مماثل في الجلسة المقبلة التي من المفترض أن تقدم فيها اسرائيل تقريرها، وأوضحت أنه عادة ما تحال الإجراءات التنفيذية لمجلس الأمن الذي من شأنه أن يقرر ويترجم أي مطالب للمحكمة.
يضيف المحكمّ الدولي والمحامي عمر الجازي إنه يمكن لجنوب أفريقيا طلب إجراءات وتدابير وقائية أخرى حسب تطور النزاع على الأرض طالما انعقد اختصاص المحكمة الدولية للنظر في القضية. ويؤكد أن هذه التدابير يمكن استخدامها للضغط على المحكمة الجنائية الدولية لاحقاً كما يمكن استخدامها في محاكم أخرى يمكن أن تنظر في القضية.
ويرى أن القرار الأخير يمهّد لدول عدة بأن تنضم لدعوى جنوب أفريقيا أو تعمل على دعاوى جديدة يمكن أن تزيد الضغط القانوني الدولي على إسرائيل لاحقاً.