لماذا فر 800 شخص من قرية مشمسة في البحر الأبيض المتوسط ؟
- Author, علي عباس أحمدي
- Role, بي بي سي نيوز
لماذا، لماذا نحن؟” يبكي ميلاد عيد، والحزن واضح في صوتة على الرغم من سوء وعدم وضوح الاتصال الهاتفي الذي اجريته معه.
قبل اتصالي به بساعة، كان يقوم بإطفاء حريق في منزل أصيب بصاروخ إسرائيلي. وأثناء وجوده هناك، أصابت المنطقة قنبلة أخرى.
تقع قرية ميلاد عيد “علما الشعب” في جنوب لبنان على بعد كيلومتر واحد فقط من الحدود الإسرائيلية.
ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، كانت ضمن المنطقة التي دارت فيها رحى القتال عبر الحدود بين القوات الإسرائيلية وحزب الله، المدعوم من إيران، في جنوب لبنان.
يقول المسؤولون اللبنانيون إن ما لا يقل عن 800 من السكان فروا، ولم يتبق منهم الآن سوى 100 شخص تقريبا.
ويقول عيد: “لا أحد يعرف لماذا يهاجمون منازلنا. إنها ليست حربنا.”
يزخر ساحل لبنان على البحر الأبيض المتوسط بالمدن والقرى ذات المناظر الخلابة، حيث تتدلى أزهار نبتة الأزهار الجهنمية على الشوارع المتعرجة.
علما الشعب، كما يقول سكانها، هي أجملها جميعا.
وهي إحدى القرى المسيحية في الجنوب ذي الأغلبية الشيعية المسلمة، ويتميز موقع قرية علما الشعب الواقع على تلة بإطلالات رائعة على المناطق الريفية المحيطة بها، على طول الطريق إلى البحر.
كما يمكن رؤيتها بوضوح من المناطق الشمالية لإسرائيل.
وقد أدى قربها من الحدود إلى استهدافها بشدة من قبل القوات الإسرائيلية خلال الأشهر التسعة الماضية.
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
وبعد يوم من الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أطلق حزب الله وحلفاؤه موجات من الصواريخ من لبنان على منطقة متنازع عليها على طول الحدود لدعم حماس كما يقول الحزب.
وردت إسرائيل بهجمات بطائرات بدون طيار، وصعد الجانبان منذ ذلك الحين وبشكل كبير من حجم وشدة الهجمات عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
بحلول نهاية شهر مايو/ أيار، تعرضت علما الشعب للقصف 188 مرة على يد القوات الإسرائيلية، وفقا لمختبر بيروت الحضري، وهو مركز أبحاث خارجي يستخدم بيانات من مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها (Acled).
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يستهدف مقاتلي حزب الله والبنية التحتية ويرد على الهجمات التي تستهدف قواعد الجيش الإسرائيلي في الشمال الإسرائيل.
لكن بعض كبار المسؤولين اللبنانيين اتهموا الحزب بانتهاج سياسة تكتيكات الأرض المحروقة في هذا القتال لجعل المنطقة بأكملها غير صالحة للسكن.
وكان القرويون الذين تحدثت إليهم بي بي سي مترددين في مناقشة ما إذا كان حزب الله أو الجماعات المسلحة الأخرى تستخدم علما الشعب لمهاجمة إسرائيل. وأشار أحدهم إلى أن السكان المحليين حاولوا دون جدوى منع المقاتلين من استخدام أراضيهم.
ولم يُقتل أحد في علما الشعب.
لكن حتى الآن، أدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير 10 منازل بالكامل، وإلحاق أضرار بـ 120 منزلا آخر، وإصابة خزان المياه الرئيسي في البلدة، وفقا لما ذكره نائب رئيس البلدية، ويليام حداد.
وأضاف أن نحو 12 كيلومترا مربعا (3000 فدان) من الأراضي الزراعية والغابات الخضراء قد احترقت.
وفي العادة، يسكن علما الشعب 900 شخص تقريبا – ويزورها حوالي 1500 شخص في الصيف، من المهاجرين اللبنانيين لقضاء بعض الوقت في قرية أجدادهم.
يقول حداد إنه لم يتبق الآن سوى حوالي 100 شخص ممن ليس لديهم أطفال. إن ذكرى الصراعات الماضية معلقة بشدة في الهواء.
ويتذكر الناس الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، واحتلال الجنوب اللبناني في وقت لاحق حتى عام 2000، والحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، ومناوشات عدة لا حصر لها.
يقول حداد: “ربما غادر 90 في المئة من سكان علما الشعب مباشرة في يوم واحد بعد 8 أكتوبر/ تشرين الأول لأنهم لا يريدون تجربة ما حدث في عام 2006”.
تتحدث ماريا شايع، 31 عاما، عن طفولتها التي كانت مليئة بالهجمات والانفجارات، مع خوف دائم من العنف حول منزلها. وكيف اضطرت لمغادرة علما الشعب وهي في الثامنة عشرة من عمرها للدراسة في بيروت.
وتقول “لا أتذكر أن هناك وقتا لم يكن فيه صراع.”
يمكنها أن تتذكر صوت القنابل والطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة بالتفصيل. لكن خلال زياراتها للمنزل في السنوات الأخيرة، “اختار عقلها عدم سماع ذلك”، كما تقول.
ومنذ تجدد القتال في العام الماضي، لم تزر والدها الذي يرفض مغادرة القرية.
إنها حقيقة مؤلمة تتعارض مع اعتزازها بالمكان.
تقول: “أنا أحب علما. رائحة الهواء هناك مختلفة. إنها خضراء ومورقة للغاية، يمكنك التجول فيها وقطف الفواكه من الأشجار وأكلها.”
أصبح قضاء الوقت مع أجدادها وأبناء عمومتها تحت أشجار الليمون الآن ذكرى بعيدة.
وهي، مثل مئات آخرين، لا تعرف متى سيتمكنون من العودة.
تقول ماريا “لا نريد أن نكون في حرب. أنا أفتقد العودة إلى المنزل”.
ويقول ويليام حداد إن الصراع الحالي مختلف تماما عن الصراعات السابقة.
ويضيف “ما حدث في عام 2006 انتهى خلال 30 أو 33 يوما. أما الآن، أمضينا أكثر من سبعة أشهر وما زال الأمر مستمرا. لا أحد يعرف ما هي حدود هذه الحرب.”
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، شنت إسرائيل أكثر من 5300 هجوم على لبنان، وفقا لمختبر بيروت الحضري. وذكروا أن حزب الله والجماعات المتحالفة معه هاجمت إسرائيل حوالي 1200 مرة.
وقال الجيش الإسرائيلي في 6 يونيو/ حزيران الجاري، إنه أُطلق ما يقرب من 4850 صاروخا على إسرائيل من الأراضي اللبنانية. وفي وقت سابق من شهر أبريل/ نيسان، وأضاف أيضا أن القوات الإسرائيلية ضربت أكثر من 4300 “هدف لحزب الله” في لبنان.
ويقول الجانبان إنهما يستهدفان الأهداف العسكرية فقط، لكن المدنيين اللبنانيين والإسرائيليين تضرروا بشدة من القتال.
ووفقا لأرقام الأمم المتحدة الصادرة في نهاية شهر مايو/ أيار، فقد قُتل ما لا يقل عن 88 مدنياً في لبنان، وهُجّر أكثر من 93.000 آخرين. وعلى الجانب الآخر من الحدود، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن 10 مدنيين قتلوا بينما هُجّر حوالي 60.000 آخرين.
وتسببت أعمال العنف في خسائر نفسية وجسدية واقتصادية لسكان علما الشعب، الذين فر معظمهم إلى مدن مثل بيروت وصيدا.
يقول نائب رئيس بلدية علما الشعب إن أولئك الذين لديهم منزل ثان أو أقارب في مناطق أخرى محظوظون. إذ اضطر آخرون إلى استئجار منازل، وغالبا ما يعيشون مع عائلتين أو ثلاث عائلات أخرى في نفس المنزل.
ويقول الكثيرون إن الدخل قد قل كثيرا والأطفال غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة.
ويصر بعض السكان على أنهم سيبقون مهما حدث.
ميلاد عيد، أحدهم، يقول “أنت لا تعرف متى ستقصفك السماء أو سيهاجمك شيء ما”.
لكنه إذا غادر فهو يخشى كما يقول: “أن يواجه نفس المشكلة التي واجهها الفلسطينيون عندما غادروا بلادهم”.
ويشير عيد إلى ما يعرفه الفلسطينيون بالنكبة حيث في 14 مايو/ أيار من عام 1948، أعلن قيام دولة إسرائيل، وفي الحرب التي بدأت في اليوم التالي، فر ما يصل إلى 750 ألف فلسطيني كانوا يعيشون على تلك الأرض أو طُردوا من منازلهم.
ولم تسمح إسرائيل لهم ولا لأحفادهم بالعودة.
يقول ميلاد “لقد أصبحوا لاجئين، وما زالوا بعد 70 أو 75 عاما يبكون على وطنهم وقراهم ومنازلهم”.
عندما يتعلق الأمر بالحدود اللبنانية الإسرائيلية اليوم، لم يصل معظم المراقبين الدوليين إلى حد وصف الوضع بأنه حرب شاملة.
ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعيشون هناك، لا يوجد وصف آخر يمكن أن ينطبق أو يصف ما يحدث في علما الشعب وفي المناطق الحدودية.