عام من الحرب بين حماس وإسرائيل: “غزة تحولت إلى قبور متناثرة في كل مكان”
- Author, أميرة مهذبي
- Role, بي بي سي نيوز عربي
في 7 أكتوبر 2023 شنت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل، وصف بالهجوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل وأشعل شرارة حرب ضارية بين حماس وإسرائيل، تستمر منذ عام وتتسع رقعتها في المنطقة.
خلال عام من الحرب، جمعت بي بي سي بيانات تتعلق بالقتل والتشريد والدمار الناتج عن النزاع، وتحدثت مع أشخاص تغيرت حياتهم بشكل جذري، مما يكشف قصص المعاناة الإنسانية خلف الأرقام الهائلة.
لم تغادر فاطمة الدعمة وعائلتها شمال غزة. وشهدوا أشهرا من القتل والتدمير والتجويع وظروف حياة تصفها فاطمة بـ”المهينة والمذلة”.
تشعر فاطمة أنها في غيبوبة منذ سنة وأنها قد تصحو يوما لتجد غزة التي تعرفها “جميلة وتعج بالحياة”.
رغم كل ذلك تتمسك بالأمل؛ “سنعيد بناء ما دمر ونعيد الحياة لغزة”، تقول بإصرار.
الحياة والموت في غزة
غيرت الحرب حياة أشرف العطار، الممرض في المستشفى الأوروبي بخان يونس، للأبد.
قال أشرف لبي بي سي إن زوجته وأطفالهما الستة قتلوا في غارة إسرائيلية على دير البلح وسط غزة “في لحظات، كلهم مرة واحدة”.
كانت هالة، زوجة أشرف، تعمل في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا.
ابنهم الأكبر إحسان يبلغ من العمر 15 عاما. “كان سندي في الحياة” يقول أشرف بحسرة.
أما ابنته الصغرى وتين فلم يتجاوز عمرها عاما وثمانية أشهر.
وكان لهالة وأشرف أربعة توائم، ولدان وبنتان عمرهم عشر سنوات. كانوا “هدية من الله” كما يقولان عنهم.
الجيش الإسرائيلي نادراً ما يعلق على الغارات الفردية، ولذلك لم يقدم معلومات فورية حول الهجوم الذي أسفر عن مقتل عائلة أشرف في الساعات المبكرة من صباح 18 أغسطس.
وأفاد بيان في اليوم التالي أن الجيش نفذ عملية في أطراف دير البلح بهدف “تحييد إرهابيين وتدمير بنى قتالية فوق الأرض وتحتها”.
انضمت هالة وأطفالها الستة إلى أكثر من 40 ألف قتيل فلسطيني منذ بداية الحرب في غزة.
وفي الضفة الغربية المحتلة تزايد العنف منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتقول الأمم المتحدة إن 693 فلسطينيا قتلوا في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، حتى تاريخ 23 سبتمبر/أيلول 2024.
بينهم 676 شخصا قتلته القوات الإسرائيلية و12 شخصا قتلهم مستوطنون إسرائيليون.
بينما تقول إسرائيل إن عملياتها في الضفة الغربية تهدف إلى وقف الهجمات الفلسطينية القاتلة على إسرائيليين في الضفة وإسرائيل.
وتشرف الحكومة الإسرائيلية الحالية على توسيع رقعة المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة.
ويخشى الفلسطينيون من أن حكومة اليمين الإسرائيلية تعمل على جعل المستوطنات هناك واقعا لا رجعة عنه.
الوضع في إسرائيل
يعتبر هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل. قتل فيه أكثر من 1200 شخص، حسب آخر الإحصاءات الإسرائيلية المقدمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وجمعت بي بي سي في نوفمبر/تشرين الأول 2023 دلائل تشير إلى أن خمسة فصائل فلسطينية مسلحة قد انضمت إلى حماس في تنفيذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول بعد تدريبات عسكرية مشتركة منذ عام 2020.
وأخذت حماس والفصائل المشاركة معها في الهجوم 251 رهينة إلى غزة.
أطلق سراح بعضهم خلال العام الماضي؛ عدد منهم عن طريق المفاوضات وآخرون خلال عمليات عسكرية.
كان ياردن بيباس البالغ من العمر 34 عاما وزوجته شيري وطفلاهما من بين الرهائن.
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني قالت حماس إن شيري والطفلين قتلوا في الأسر بغارة إسرائيلية. بينما قالت الحكومة الإسرائيلية إنها لا تزال تحقق في ادعاء حماس.
أورفي بيباس ليفي، أخت ياردن، قلقة بشأن مصير أخيها وعائلته لكنها لا تزال تأمل في أن يكونوا أحياء.
تقول أورفي لبي بي سي إنها تخشي من أنهم لن يستطيعوا الاحتمال طول مدة الاحتجاز وظروفه التي تصفها بـ”غير الإنسانية” خاصة بالنسبة لأطفال في ذلك السن.
تقول أورفي أنها “تصارع من أجل التمسك بالأمل”.
كانت أدا ساغي، الناشطة في مجال السلم والبالغة من العمر 75 عاما من بين الرهائن الذين احتجزتهم حماس في كيبوتس نير عوز في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
احتجزت أدا لمدة 53 يوما قبل أن يطلق سراحها خلال أسبوع هدنة يوم 24 حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وقالت أدا لبي بي سي إنها “لم تعد تؤمن بالسلم”.
شهدت هدنة نوفمبر/ تشرين الثاني الإفراج عن 105 رهائن لدى حماس و240 معتقلا فلسطينيا لدى إسرائيل.
وفشلت كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب حتى الآن.
سكان غزة في نزوح مستمر: لا مكان آمنا يلجؤون إليه
حتى تاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2024، قدرت الأمم المتحدة عدد السكان المتبقين في غزة بـ 2.1 مليون ساكن، 90٪ منهم نازحون.
خلال عام من الحرب، أطلق الجيش الإسرائيلي تحذيرات إخلاء عدة ووجه السكان في غزة نحو مناطق قال إنها “آمنة”.
وقال تقرير لمنظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف) في أغسطس/آب 2024 إن 1.7 مليون شخص في غزة وجهوا نحو منطقة مساحتها 48 كيلومترا مربعا فقط.
ما يجعل الكثافة السكانية في تلك المنطقة تساوي 35 ألف ساكن في كل كيلومتر مربع واحد.
نجود أبو كلوب، البالغة من العمر 31 عاما، واحدة من بين ما يقدر بـ 1.9 مليون نازح في غزة.
نزحت نجود وأطفالها الأربعة 11 مرة، أحيانا بسبب القصف الإسرائيلي أو تحذيرات الإخلاء وأحيانا أخرى بسبب اكتظاظ أماكن اللجوء وانتشار الأمراض.
تعيش نجود وعائلتها الآن في خيمة في منطقة المواصي القاحلة في خان يونس. أعلن الجيش الإسرائيلي المواصي “منطقة آمنة” في السابق لكنه هاجمها بعد ذلك.
لا تفكر نجود في النزوح مرة بعد مهما حدث.
نازحون كثر في غزة لن يجدوا مأوى يعودون إليه بعد انتهاء الحرب.
في مارس/ آذار هذا العام قال خبراء في الأمم المتحدة إن أكثر من 70٪ من كل البيوت في غزة تضررت أو دمرت منذ بداية الحرب.
في الأيام الستة الأولى فقط من الحرب أطلق جيش الطيران الإسرائيلي على غزة أكثر من 6000 قنبلة.
وبدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة من شمال القطاع ثم تمددت على طول الخريطة وصولا إلى رفح جنوبا على الحدود مع مصر وخلفت دمارا هائلا في كامل قطاع غزة.
مع بداية يوليو/ تموز 2024 قدرت الأمم المتحدة الركام الذي خلفه تدمير البنى في غزة بأكثر من 40 مليون طن.
أي بمعدل 115 كيلوغراما من الركام في كل متر مربع واحد من أرض غزة.
وتقدر الأمم المتحدة أن التخلص من كمية الركام هذه قد يحتاج 15 عاما وأكثر من 500 مليون دولار أمريكي.
ويشكل الركام المكدس خطرا إضافيا على السكان بما يحويه من مواد ضارة وأجزاء غير متفجرة من القنابل.
يقدّر تقرير صادر عن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة (UNPD) في مايو/أيار 2024 أن “تستغرق إعادة بناء البيوت التي دمرت بالكامل خلال هذه الحرب في غزة حتى سنة 2040” وهذا باعتبار “أفضل سيناريو ممكن”.
فقدت أسيل شقيقها الوحيد في هذه الحرب. وتعاني أمها من مرض السرطان وفشلت كل محاولات إخراجها من غزة للعلاج حتى الآن.
والد أسيل يعاني مرضا في الكلى وتزداد حالته تعقيدا مع نقص الماء وانعدام ما يناسبه من أغذية.
في أحلك الأيام تشعر أسيل أنه لم يبق لديها شيء تحيا لأجله، كما قالت لبي بي سي.
وفي أيام أخرى يعتريها بعض الأمل وتقول إنها تتمنى أن يحصل والداها على العلاج اللازم لإنقاذ حياتهما وتتمكن هي من الالتحاق بخطيبها في قبرص عندما تنتهي الحرب.
في الأثناء يصبح الوصول إلى حل ينهي الحرب باتفاق وقف إطلاق نار دائم أصعب فأصعب، مهما أمل فيه وتعلق به المثخنة قلوبهم بجراح هذه الحرب.
ويزداد الوضع تعقيدا يوما بعد يوم مع توسع رقعة الحرب بسرعة في منطقة الشرق الأوسط.
*صمم الرسوم البيانية وصور هذا التقرير كل من: رئيس حسين، كايت غاينور وجيري فلتشر.