في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي باستهداف قطاع غزة، يعاني السكان المدنيون من أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث تسببت موجات النزوح المتكررة والأعمال العدائية المستمرة في تدهور أوضاعهم المعيشية. يعيش أكثر من مليوني نسمة في هذا القطاع المحاصر منذ سنوات، في بيئة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، حيث يواجهون يوميا تحديات جسيمة تتزايد حدتها مع تصاعد الصراع وانهيار البنية التحتية الحيوية التي تعد شريان الحياة للسكان.
أزمة النزوح والاكتظاظ السكاني
تعتبر موجات النزوح المتتالية من أكبر العوامل التي أدت إلى تردي الوضع الإنساني في غزة. في كل موجة تصعيد عسكري، يُجبر الآلاف من الأسر الفلسطينية على ترك منازلهم بحثا عن ملاذ آمن، وهو ما أدى إلى تكدس أعداد كبيرة من النازحين في أماكن غير مجهزة لاستيعابهم. ونتيجة للاكتظاظ، أصبحت المدارس وبعض المنشآت العامة ملاذا لمئات العائلات التي تعاني من نقص في الطعام والماء والخدمات الأساسية الأخرى.
تشير التقارير إلى أن الأماكن العامة، التي يستخدمها السكان كملاذات مؤقتة، لا تتوفر فيها الظروف الصحية المناسبة، ما يهدد بانتشار الأمراض بين النازحين، خاصة في ظل غياب خدمات الرعاية الصحية اللازمة. وتعكس صور الاكتظاظ مشهدًا مأساويا يعاني فيه الأطفال والنساء وكبار السن من معاناة متزايدة بسبب عدم قدرتهم على العودة إلى منازلهم المدمرة.
انهيار البنية التحتية والخدمات
تضررت البنية التحتية في غزة بشكل كبير نتيجة للغارات المستمرة، والتي استهدفت مرافق حيوية مثل محطات الكهرباء وشبكات المياه، إلى جانب تدمير العديد من المنازل والمؤسسات المدنية. وأدى هذا التدمير إلى نقص حاد في المياه الصالحة للشرب وتدهور خدمات الصرف الصحي، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من المياه في غزة غير صالحة للشرب، مما يفاقم من الأوضاع الصحية لسكان القطاع.
كذلك، تشهد غزة أزمة كهرباء مزمنة ما يؤثر على جميع نواحي الحياة. فالمستشفيات، على سبيل المثال، تعتمد بشكل رئيسي على مولدات كهربائية تتعرض للضغط، وهذا يشكل تحديا كبيرا للقطاع الصحي الذي يعاني من نقص في الأدوية والمعدات الطبية اللازمة لإنقاذ الأرواح.
استمرار الأعمال العدائية واستهداف المدنيين
لا تتوقف الأعمال العدائية ضد غزة، حيث تتعرض مناطق مكتظة بالسكان لغارات جوية وهجمات مكثفة. وتشمل هذه الهجمات، في كثير من الأحيان، مدارس وملاجئ يُفترض أنها آمنة للمدنيين، ما يجعل الكثير من سكان القطاع يشعرون بانعدام الأمان حتى في الأماكن التي يفترض أن تحميهم من ويلات النزاع.
وتشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن العديد من الأطفال قتلوا أو أصيبوا خلال التصعيد الأخير، ما يعكس فداحة الوضع الذي يعيش فيه الأطفال تحت وطأة الرعب والخوف الدائمين. إن استهداف المنشآت التعليمية والخدمات الإنسانية يزيد من معاناة السكان، حيث يجد الأطفال أنفسهم محرومين من حقهم في التعليم ومن بيئة آمنة للنمو والتعلم.
نقص المساعدات والقيود على حركة البضائع
يعاني قطاع غزة من حصار صارم يمنع وصول العديد من الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية. وتساهم القيود المفروضة على حركة البضائع في تفاقم الأزمات اليومية للسكان، ما يضع حياة الكثيرين في خطر ويزيد من التبعية على المساعدات الإنسانية التي تصل بصعوبة ولا تكفي لتلبية احتياجات السكان المتزايدة.
كذلك، تعاني المرافق الصحية في غزة من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، ما يحرم المرضى من الحصول على الرعاية اللازمة ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية للمصابين بالأمراض المزمنة والأطفال وكبار السن الذين يحتاجون إلى متابعة طبية منتظمة.
مستقبل مظلم مع غياب الحلول
يجد سكان غزة أنفسهم محاصرين بين الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة واليأس المتزايد من تحسين أوضاعهم. ويشير المتابعون للوضع في غزة إلى أن غياب الحلول السياسية والدبلوماسية المستدامة، واستمرار النزاع المسلح، سيزيد من تفاقم الأزمات الإنسانية ويضع القطاع على حافة كارثة لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
في الختام، فإن الوضع الإنساني في غزة يتطلب تدخلا عاجلا من المجتمع الدولي للضغط من أجل وقف الأعمال العدائية ورفع القيود التي تحول دون وصول المساعدات الإنسانية الضرورية. إن حياة ملايين الأبرياء في القطاع مرهونة بإرادة المجتمع الدولي وقدرته على اتخاذ خطوات فعلية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة وأمل في هذا القطاع المنكوب.
المصدر: قطر عاجل