تعتبر الآلة الإعلامية الإسرائيلية من الأدوات الأيديولوجية المهمة التي تستخدمها إسرائيل لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والسياسية. تستند هذه الآلة إلى قوة الإعلام وتأثيره على الرأي العام العالمي، وتسعى من خلالها إلى تشويه صورة العرب والمسلمين، وتبرير عدوانها وتوسعاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. تعتمد الدعاية الإسرائيلية على أساليب متنوعة تشمل بث المعلومات بشكل مشوه واستخدام مصطلحات تضلل الرأي العام وتُعيد تشكيل التصورات المتعلقة بالصراع الإسرائيلي العربي.
الترويج لفكرة “الأصولية الإسلامية” وربط الإسلام بالتطرف
قبل أن تبرز الحملات الإسرائيلية العلنية تجاه التطبيع مع العالم العربي وبعد عدوانها على غزة ولبنان، كانت إسرائيل تسعى عبر وسائلها الإعلامية إلى بث مصطلحات تهدف إلى تشويه صورة الإسلام وتقديمه كدين يدعو للتطرف. ويأتي في مقدمة هذه المصطلحات “الأصولية الإسلامية”، حيث تروج الدعاية الإسرائيلية بشكل ممنهج لفكرة أن الإسلام بطبيعته يدعو إلى العنف، وأن تعاليمه تشجع على الكراهية والإرهاب. هذه الحملة تهدف إلى إيهام العالم بأن التطرف هو أصل الإسلام وجوهر تعاليمه، مما يسهم في تجريد الإسلام من قيمه الإنسانية وتسامحه.
في هذا السياق، يكثر ترديد الإعلام الإسرائيلي مصطلح “الإرهاب الإسلامي” في محاولة للربط بين الإسلام وبين التطرف. كما يُقدَّم مفهوم “الجهاد” في سياق عدواني مضلل؛ حيث يُصوّر الجهاد الإسلامي كفعل إرهابي، رغم أنه في جوهره يعتبر في الإسلام دفاعا عن النفس وعن الأرض. هذا الربط المغلوط يسهم في ترسيخ صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين لدى الرأي العام، ويُشكل حاجزا أمام فهمٍ صحيح للإسلام كدين يدعو إلى السلام والعدالة ويحترم حياة الإنسان وكرامته.
“الصراع العربي الإسرائيلي” بدلاً من “القضية الفلسطينية”
تعمل الدعاية الإسرائيلية أيضا على تحويل الأنظار عن جوهر الصراع في فلسطين عبر التلاعب بالمصطلحات. فهي تستخدم مصطلح “الصراع العربي الإسرائيلي” بدلاً من “القضية الفلسطينية”، حيث تُضفي على الصراع طابعًا طائفيا وعرقيا يُصوّر الأمر وكأنه نزاع بين العرب وإسرائيل، ما يوحي ضمنيا بأن لكل طرفٍ حقا في فلسطين، ويشوه حقيقة أن المسألة هي قضية شعب فلسطيني له حقوق واضحة في أرضه، مغتصبة من قبل إسرائيل.
استخدام هذا المصطلح يعزز الاعتقاد بأن هناك خلافا ثنائيا مشروعا بين طرفين، بينما مصطلح “القضية الفلسطينية” يشير إلى أن هناك ضحية واحدة وهي الشعب الفلسطيني، ومغتصبًا للأرض هو إسرائيل. وبهذا تتبدد الحقيقة عن حقوق الفلسطينيين في وطنهم وتحول القضية إلى صراع بين طرفين متساويين، متجاهلين المعاناة والتشريد الذي تعرض له الشعب الفلسطيني.
ترويج التطبيع ومحاولة بناء صورة “الإسرائيل الحديثة”
مع بداية انتشار موجة التطبيع في السنوات الأخيرة، أصبح الإعلام الإسرائيلي يسعى إلى تقديم إسرائيل كدولة حديثة وديمقراطية منفتحة على التعاون والسلام مع الدول العربية. ويجري الترويج لهذه الصورة المثالية بهدف تلميع وجه إسرائيل وإخفاء طبيعة الانتهاكات اليومية التي ترتكبها بحق الفلسطينيين. وتبرز الآلة الإعلامية الإسرائيلية إسرائيل كدولة متقدمة تنادي بالسلام، وتغفل عن عمد سياسات الاستيطان وتدمير المنازل وحصار غزة وعمليات الاعتقال.
التطبيع الإعلامي يسعى إلى تحقيق قبول تدريجي لإسرائيل في أوساط المجتمعات العربية، والترويج للعلاقات الاقتصادية والثقافية بين إسرائيل والدول العربية كخطوات إيجابية، وذلك في محاولة لمحو ذاكرة الصراع المستمر. هنا، يتم تصوير التطبيع على أنه ضرورة من أجل السلام، بينما تتجاهل هذه الرواية حقوق الشعب الفلسطيني.
الإعلام الإسرائيلي كأداة لبناء الروح القومية الإسرائيلية
تعتبر إسرائيل إعلامها أداة مركزية من أدوات بنائها الأيديولوجي والقومي، حيث يُستخدم الإعلام لتوحيد وتوجيه الروح القومية وتعزيز التماسك الاجتماعي داخل إسرائيل. فعندما تتعرض إسرائيل إلى صراعات مع غزة أو لبنان، يسخر الإعلام الإسرائيلي جهوده ليعرض رواية محددة تعتمد على وجهة النظر العسكرية الإسرائيلية بشكل كامل. يتم التركيز بشكل شبه حصري على التغطية العسكرية للأحداث، وذلك بناءً على ما يصرح به المتحدث الرسمي للجيش أو ما ينقله الصحفيون المرافقون للقوات الإسرائيلية. يتجنب الإعلام الإسرائيلي في معظم الأوقات إظهار المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها السكان الفلسطينيون في غزة أو المدنيون في لبنان.
هذه التغطية المنحازة تسهم في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، مما يسهم في خلق انطباع سلبي عنهم في أوساط الرأي العام العالمي. فهي تسعى إلى إقناع الجمهور بأن العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان يهدف إلى القضاء على “الإرهاب”، وفق الرواية الإسرائيلية. إلا أن هذا الترويج لا ينقل الصورة الحقيقية على الأرض، حيث تتعرض المناطق الفلسطينية واللبنانية لأضرار جسيمة، ويعاني المدنيون من أوضاع إنسانية مأساوية، لكن الإعلام الإسرائيلي لا يكترث بإظهار هذه الجوانب من الصراع، مما يسهم في تعزيز الرؤية الأحادية للنزاع وتغييب صورة الواقع الإنساني.
خلاصة
في الختام، تتجلى سياسة إسرائيل الإعلامية في تسخير وسائل الإعلام لترسيخ رواية مشوهة عن العرب والمسلمين وتحريف جوهر القضية الفلسطينية. تهدف هذه الآلة الإعلامية إلى بناء صورة مقبولة عن إسرائيل على المستوى الدولي، رغم ممارساتها القمعية ضد الفلسطينيين. وتأتي أهمية فهم أدوات الدعاية الإسرائيلية في أنها لا تقتصر على التحريف فحسب، بل تعمل على تشكيل الوعي العام وتوجيه الرأي العام العالمي، وتستدعي وقوف العالم العربي والإسلامي بجدية لمواجهة هذه الآلة الإعلامية المضللة وتصحيح الصورة الحقيقية للصراع وأبعاده الإنسانية والسياسية.
المصدر: قطر عاجل