شهدت منطقة الشرق الأوسط على مدار عقود من الزمن أطماعاً إسرائيلية مستمرة تهدف إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية، سواء من خلال التوسع العسكري، أو التغلغل السياسي، أو فرض الأمر الواقع على الأرض. تتنوع أهداف هذا المشروع التوسعي لتشمل الأراضي المحتلة مثل الجولان وفلسطين، والدول المجاورة مثل لبنان وسوريا، فضلاً عن السعي إلى تحقيق نفوذ واسع في الإقليم بشكل عام.
تستند الأطماع الإسرائيلية إلى رؤى استراتيجية تهدف إلى ضمان الأمن القومي الإسرائيلي، وتأمين الموارد الطبيعية، وفرض تفوق دائم على جميع دول المنطقة. في هذا المقال، نستعرض أبرز محطات المشروع الإسرائيلي في الشرق الأوسط، ونحلل تداعياته على الأمن والاستقرار الإقليميين.
الجولان: احتلال في عهد الأسد وشرعنة أمريكية
تُعد هضبة الجولان السورية واحدة من أبرز القضايا التي تجسد الأطماع الإسرائيلية في الشرق الأوسط. احتُلت الجولان في عام 1967 خلال حرب الأيام الستة، حيث أدركت إسرائيل أهمية المنطقة من الناحيتين العسكرية والاقتصادية. فالهضبة توفر لإسرائيل ميزة جغرافية دفاعية، فضلاً عن كونها غنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه.
خلال حكم الأسد الأب والابن، لم تشهد الجبهة السورية-الإسرائيلية أي تحرك فعلي لاستعادة الجولان، مما أثار تساؤلات حول جدية النظام السوري في مقاومة الاحتلال. وعلى الرغم من التصريحات الرنانة حول استعادة الأرض، بقي الوضع على حاله لسنوات طويلة. مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، وجدت إسرائيل فرصة لتعزيز قبضتها على الجولان، مستغلة الفوضى التي عصفت بالبلاد.
في عام 2019، أقدمت الولايات المتحدة على خطوة غير مسبوقة باعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان، في قرار لقي استنكاراً دولياً واسعاً. جاء هذا الاعتراف ضمن سلسلة من السياسات الأمريكية التي هدفت إلى دعم إسرائيل، بغض النظر عن الشرعية الدولية. ويُنظر إلى هذا الاعتراف على أنه محاولة لفرض واقع جديد يجعل استعادة الجولان أكثر صعوبة بالنسبة لسوريا.
التوغل في سوريا بعد انهيار النظام
مع تدهور الأوضاع في سوريا عقب اندلاع الثورة، وجدت إسرائيل نفسها أمام فرصة ذهبية لتحقيق أهداف إضافية داخل الأراضي السورية. تحت ذريعة منع توسع النفوذ الإيراني وتواجد حزب الله، كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية على مواقع داخل سوريا، مستهدفة ما تصفه بمنشآت عسكرية إيرانية أو شحنات أسلحة متجهة إلى حزب الله.
التدخل الإسرائيلي في سوريا ليس مجرد عمليات استباقية لمواجهة تهديدات أمنية، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى ضمان السيطرة على المناطق الحدودية وإضعاف الدولة السورية بشكل يجعلها عاجزة عن تهديد إسرائيل مستقبلاً. وبالإضافة إلى ذلك، تحاول إسرائيل ترسيخ وجودها في الجولان عبر زيادة النشاط الاستيطاني وتطوير البنية التحتية في المنطقة.
الأطماع في لبنان: بين الموارد الطبيعية والسيطرة السياسية
لطالما كان لبنان هدفاً رئيسياً للأطماع الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط. بدءاً من الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي أسفر عن احتلال العاصمة بيروت لأول مرة في التاريخ العربي الحديث، وصولاً إلى الحروب المتكررة مع حزب الله، تسعى إسرائيل إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية في هذا البلد.
تركز الأطماع الإسرائيلية في لبنان على محورين رئيسيين: الموارد الطبيعية والحدود الأمنية. فلبنان يتمتع بثروة نفطية وغازية كبيرة في مناطقه البحرية، وهو ما جعل حدوده البحرية مع إسرائيل محلاً للصراع والتفاوض. إلى جانب ذلك، تسعى إسرائيل إلى تقويض نفوذ حزب الله، الذي يُعد أبرز قوة مقاومة تهدد مشاريعها في المنطقة.
الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006، التي ألحقت دماراً واسعاً بالبنية التحتية اللبنانية، كانت تهدف إلى إضعاف حزب الله بشكل حاسم، ولا تزال إسرائيل تعمل على استغلال أي فرصة لإضعاف لبنان وإبقائه في حالة من عدم الاستقرار.
فلسطين: القضية المحورية للأطماع الإسرائيلية
تمثل فلسطين جوهر الأطماع الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، إذ بدأ المشروع الصهيوني على أرضها منذ وعد بلفور عام 1917. مع إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، تعرض الفلسطينيون لواحدة من أكبر عمليات التهجير القسري في التاريخ، حيث طُرد مئات الآلاف من منازلهم وقراهم.
تسعى إسرائيل بشكل مستمر إلى توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية، في انتهاك واضح للقانون الدولي. ويُعتبر تهويد القدس من أبرز ملامح هذه الأطماع، حيث تعمل إسرائيل على تغيير الطابع الديموغرافي للمدينة المقدسة عبر مصادرة الأراضي وهدم المنازل الفلسطينية.
ورغم الاتفاقيات السياسية التي وُقّعت بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مثل اتفاق أوسلو، إلا أن إسرائيل لم تُبد أي التزام حقيقي بإنهاء الاحتلال أو السماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. بدلاً من ذلك، استمرت في فرض سياسة الأمر الواقع من خلال تعزيز المستوطنات وتشديد الحصار على قطاع غزة.
الشرق الأوسط: تطلع إلى الهيمنة الإقليمية
لا تقتصر الأطماع الإسرائيلية على الدول الحدودية فقط، بل تمتد إلى مختلف أرجاء الشرق الأوسط. تسعى إسرائيل إلى تحقيق التفوق العسكري والاقتصادي في المنطقة، وضمان أنها القوة المهيمنة التي لا تُنازع. وقد استغلت التحالفات الإقليمية والدولية لتحقيق هذه الغاية.
التطبيع الأخير بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين، يُعد خطوة استراتيجية تهدف إلى تغيير طبيعة الصراع في المنطقة. فبدلاً من التركيز على القضية الفلسطينية، تحاول إسرائيل إعادة تشكيل الخطاب الإقليمي ليتمحور حول التهديد الإيراني. هذا النهج يخدم المصالح الإسرائيلية عبر تقويض الوحدة العربية وتحويل الأنظار عن الاحتلال.
تداعيات الأطماع الإسرائيلية على المنطقة
إن استمرار الأطماع الإسرائيلية في الشرق الأوسط يُشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي. فالتوسع العسكري والتدخلات السياسية تعزز من حالة التوتر والصراعات في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي السياسات الإسرائيلية إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، خصوصاً في فلسطين ولبنان وسوريا.
تؤدي هذه الأطماع أيضاً إلى زيادة التوترات بين إسرائيل والدول الإقليمية الكبرى مثل إيران وتركيا. كما أن استمرار هذه السياسات يُضعف من قدرة الدول العربية على تحقيق التكامل الإقليمي أو بناء مشروع موحد يُواجه التحديات المشتركة.
ما العمل؟
التصدي للأطماع الإسرائيلية يتطلب موقفاً عربياً وإقليمياً موحداً، يستند إلى رؤية استراتيجية تُعطي الأولوية للحفاظ على الحقوق والسيادة الوطنية. كما أن تعزيز التعاون الدولي من خلال المنظمات الأممية يُعد خطوة أساسية للضغط على إسرائيل لاحترام القوانين الدولية وإنهاء احتلالها للأراضي العربية.
على المستوى الشعبي، يجب أن تستمر الجهود لزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية.
ختاماً
إن الأطماع الإسرائيلية في الشرق الأوسط ليست مجرد طموحات آنية، بل هي جزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم مصالحها. مواجهة هذا المشروع تتطلب تكاتفاً عربياً وإقليمياً ودولياً، وإعادة التركيز على قضايا العدالة والشرعية الدولية. فالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط لن يتحققا إلا بالتصدي لهذه الأطماع واحترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
المصدر: قطر عاجل