يُعد دونالد ترامب شخصية استثنائية في المشهد السياسي الأمريكي، ليس فقط بسبب خلفيته كرجل أعمال وشخصية إعلامية، ولكن أيضا بسبب أسلوبه غير التقليدي في الحكم. عندما انتُخب رئيسا للولايات المتحدة في عام 2016، وعد بإحداث تغييرات جذرية في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد. ومع فوزه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، يستعد ترامب لتولي منصب الرئاسة مرة أخرى في يناير المقبل، مما يفتح الباب لمزيد من النقاش حول توجهاته السياسية وأهدافه المستقبلية.
أولاً: السياسة الداخلية
1. الاقتصاد
خلال فترة رئاسته (2017-2021)، ركز ترامب على تعزيز النمو الاقتصادي من خلال سياسات داعمة للشركات وتخفيف الأعباء الضريبية. قانون التخفيضات الضريبية والوظائف لعام 2017 كان واحدا من أبرز إنجازاته، حيث خفّض معدلات الضرائب على الشركات والأفراد. هذه السياسات ساعدت في تحقيق نمو اقتصادي قوي قبل جائحة كوفيد-19.
ترامب أكد دائمًا على أهمية تقوية الصناعة الأمريكية وتقليل الاعتماد على الواردات. سياسات “أمريكا أولاً” شملت فرض تعريفات جمركية على العديد من المنتجات المستوردة، خاصة من الصين. إذا تولى ترامب الرئاسة مجددًا، فإنه من المتوقع أن يُعيد التركيز على هذه السياسات لتعزيز الإنتاج المحلي.
2. الهجرة
أحد المواضيع الأكثر إثارة للجدل خلال رئاسته الأولى كان سياساته المتعلقة بالهجرة. من بناء الجدار الحدودي مع المكسيك إلى تشديد القيود على اللاجئين والمهاجرين من دول معينة، كان هدف ترامب تقليل تدفق المهاجرين غير الشرعيين. إذا عاد إلى البيت الأبيض، من المحتمل أن يُعيد إحياء هذه السياسات وربما يتخذ خطوات إضافية لتعزيز أمن الحدود.
3. النظام الصحي
ترامب وعد خلال حملته الانتخابية الأولى بإلغاء قانون الرعاية الصحية المعروف بـ “أوباما كير” واستبداله بنظام أفضل. على الرغم من أن إدارته فشلت في تمرير خطة بديلة، فإنه من المتوقع أن يُعيد المحاولة لتطوير نظام صحي أكثر تنافسية إذا عاد إلى السلطة.
4. القضاء والقوانين
خلال فترة رئاسته الأولى، عين ترامب ثلاثة قضاة في المحكمة العليا، مما أعطى الأغلبية المحافظة تأثيرًا قويًا على السياسة الأمريكية لسنوات قادمة. إذا عاد للرئاسة، فقد يواصل تعيين قضاة محافظين في المحاكم الفيدرالية الأخرى.
ثانيا: السياسة الخارجية
1. الصين
ترامب جعل من الصين محط أنظاره في السياسة الخارجية. فرض تعريفات جمركية وعقوبات اقتصادية وركز على تقليص العجز التجاري بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك، كان لإدارته دور كبير في تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان في الصين، مثل أزمة الأويغور. من المتوقع أن يُواصل ترامب سياساته المتشددة تجاه بكين إذا عاد إلى الرئاسة.
2. الشرق الأوسط
سياسات ترامب في الشرق الأوسط تميزت بتوجه جديد، أبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل. كما لعب دورا في تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية من خلال “اتفاقيات أبراهام”. بعودته إلى السلطة، قد يواصل هذه الجهود ويضغط لتوسيع دائرة التطبيع.
3.فلسطين
ترامب تبنى موقفا داعما لإسرائيل بشكل غير مسبوق، حيث أعلن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في خطوة أثارت غضب الفلسطينيين ورفضا دوليا واسعا. كما أوقف الدعم المالي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وسعى إلى تقويض القضية الفلسطينية من خلال خطة السلام المعروفة بـ “صفقة القرن”، التي اعتبرها الفلسطينيون منحازة تماما لإسرائيل. بعودته للرئاسة، من المتوقع أن يواصل هذا النهج، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة.
4. العلاقات مع الحلفاء
ترامب تبنى نهجا ناقدا تجاه الحلفاء التقليديين مثل الناتو والاتحاد الأوروبي، مطالبًا إياهم بزيادة مساهماتهم المالية في الدفاع. هذا النهج قد يستمر في ولايته القادمة مع تعزيز السياسات التي تخدم المصالح الأمريكية أولاً.
5. إيران
خروج ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في 2018 كان خطوة أثارت جدلا واسعا. تبنى استراتيجية الضغط القصوى لفرض عقوبات قاسية على إيران. إذا عاد للرئاسة، فمن المتوقع أن يستمر في نفس النهج وربما يسعى إلى اتفاق جديد بشروط أكثر صرامة.
ثالثا: التحديات المستقبلية
1. التعامل مع الانقسام الداخلي
ترامب شخصية مثيرة للجدل، وكان لسياساته أثر في تعميق الانقسامات السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة. إذا تولى الرئاسة مجددا، سيكون عليه التعامل مع هذا التحدي الكبير ومحاولة توحيد البلاد.
2. إدارة الأزمات العالمية
جائحة كوفيد-19 أبرزت أهمية الاستعداد للأزمات الصحية العالمية. على الرغم من نجاحه في تسريع تطوير اللقاحات من خلال برنامج “Operation Warp Speed”، إلا أن إدارة الأزمة تعرضت لانتقادات. إذا عاد للرئاسة، سيحتاج إلى تحسين استجابة الولايات المتحدة للأزمات العالمية.
3. التغير المناخي
خلال رئاسته الأولى، انسحب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ وقلل من أهمية التغير المناخي في السياسات الأمريكية. إذا عاد للرئاسة، سيكون عليه مواجهة الضغوط المتزايدة من الداخل والخارج لاتخاذ خطوات أكثر جدية تجاه البيئة.
رابعا: ما يمكن توقعه في ولايته المقبلة
إذا تولى ترامب الرئاسة مجددًا، فإن التركيز سيكون على استكمال ما بدأه في ولايته الأولى. قد تشمل أهدافه:
- تعزيز سياسات “أمريكا أولاً”: سيواصل التركيز على تقليل الاعتماد على الصين وتعزيز الصناعات الأمريكية.
- إصلاح النظام الانتخابي: بعد ادعاءاته المتكررة بوجود تزوير في الانتخابات، قد يسعى إلى إدخال تغييرات كبيرة في النظام الانتخابي.
- إعادة تشكيل السياسة الخارجية: من خلال تعزيز علاقات جديدة وتقليل الالتزامات الدولية التي لا تخدم المصالح الأمريكية المباشرة.
الخاتمة
دونالد ترامب شخصية سياسية أثارت الجدل وأحدثت تغييرات كبيرة في الولايات المتحدة والعالم. سياساته خلال فترة رئاسته الأولى وضعت بصمة واضحة، وإذا عاد إلى البيت الأبيض، فإننا على أعتاب فصل جديد في السياسة الأمريكية. التحديات أمامه كبيرة، لكن أسلوبه غير التقليدي قد يكون العامل الذي يُحدث فرقا في إدارة هذه التحديات.
المصدر: قطر عاجل