القضية الفلسطينية هي واحدة من أكثر القضايا تعقيدا واستمرارية في التاريخ الحديث. تمثل فلسطين رمزا للصراع الطويل بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، حيث تتشابك أبعاد سياسية، دينية، اقتصادية، وإنسانية في مسار هذا النزاع. سنستعرض في هذا المقال المحطات الرئيسية للقضية الفلسطينية منذ بدايتها وحتى يومنا هذا.
جذور القضية الفلسطينية
الانتداب البريطاني ووعد بلفور (1917)
بدأت القضية الفلسطينية تأخذ شكلها الحديث بعد إصدار بريطانيا “وعد بلفور” في 2 نوفمبر 1917، الذي أعلنت فيه دعمها لإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين.
بعد انهيار الدولة العثمانية، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني بموجب اتفاقية سايكس-بيكو (1916) التي قسمت الأراضي العربية بين القوى الاستعمارية.
الهجرة اليهودية إلى فلسطين
خلال فترة الانتداب البريطاني (1920-1948)، شجعت بريطانيا الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ما أدى إلى زيادة نسبة اليهود في فلسطين بشكل ملحوظ. في المقابل، قاوم الفلسطينيون هذه الهجرة عبر ثورات واحتجاجات، أبرزها ثورة 1936-1939.
إعلان دولة الاحتلال وحرب 1948
قرار التقسيم (1947)
في عام 1947، أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بتقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة عربية وأخرى يهودية، مع وضع القدس تحت إدارة دولية. رفض العرب القرار، بينما قبله اليهود.
نكبة 1948
في 15 مايو 1948، أعلن اليهود قيام “دولة إسرائيل”، مما أدى إلى اندلاع حرب بين الجيوش العربية والقوات الإسرائيلية. انتهت الحرب بهزيمة الجيوش العربية، وتمكنت إسرائيل من السيطرة على 78% من أراضي فلسطين التاريخية.
خلال هذه الفترة، هجّر حوالي 750 ألف فلسطيني من ديارهم، فيما عُرف بـ”النكبة”.
الاحتلال الكامل لفلسطين (1967)
نكسة يونيو 1967
خلال حرب يونيو 1967، احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين: الضفة الغربية، القدس الشرقية، وقطاع غزة، بالإضافة إلى أراض عربية أخرى (هضبة الجولان السورية وسيناء المصرية).
تركت هذه الحرب الفلسطينيين بلا دولة تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل.
بروز منظمة التحرير الفلسطينية
أُسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بقيادة أحمد الشقيري، ثم لاحقا ياسر عرفات. أصبحت المنظمة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وقادت النضال السياسي والمسلح لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
الانتفاضات الفلسطينية
الانتفاضة الأولى (1987-1993)
اندلعت الانتفاضة الأولى نتيجة القمع الإسرائيلي المستمر والمستوطنات المتزايدة. تميزت بالاحتجاجات الشعبية والعصيان المدني. أدت الانتفاضة إلى تسليط الضوء الدولي على القضية الفلسطينية وفتح الباب أمام مفاوضات أوسلو.
اتفاقية أوسلو (1993)
في عام 1993، وقعت منظمة التحرير وإسرائيل اتفاقية أوسلو، التي نصت على إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأجيل قضايا الحل النهائي (اللاجئين، القدس، المستوطنات).
الانتفاضة الثانية (2000-2005)
اندلعت الانتفاضة الثانية بعد اقتحام أريئيل شارون المسجد الأقصى. تميزت بعنف أكبر من الانتفاضة الأولى واستخدام المقاومة المسلحة. أسفرت عن استشهاد آلاف الفلسطينيين وتصاعد العنف الإسرائيلي.
غزة تحت الحصار والحروب
الحصار الإسرائيلي على غزة (2007)
بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، وفرض سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، فرضت إسرائيل حصارا خانقا على القطاع، مما أدى إلى معاناة إنسانية حادة.
الحروب الإسرائيلية على غزة
شهد قطاع غزة عدة حروب شنتها إسرائيل، أبرزها:
- حرب 2008-2009 (الرصاص المصبوب).
- حرب 2012 (عمود السحاب).
- حرب 2014 (الجرف الصامد).
كل هذه الحروب خلفت آلاف الشهداء والجرحى وتدمير البنية التحتية للقطاع.
القضية الفلسطينية اليوم
الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة
تواصل إسرائيل سياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، مع تهجير الفلسطينيين وهدم منازلهم. كما تتعرض المقدسات الإسلامية والمسيحية، وخاصة المسجد الأقصى، لانتهاكات متكررة.
التصعيد الإسرائيلي في غزة (2023)
منذ الثامن من أكتوبر 2023، صعدت إسرائيل من عدوانها على قطاع غزة في أعقاب التصعيد الذي شهدته المنطقة. شنت قوات الاحتلال سلسلة من الهجمات الجوية والبرية والبحرية، مما أسفر عن تدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمنازل.
أدى القصف الإسرائيلي المكثف إلى استشهاد الآلاف من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، وجرح عشرات الآلاف، إضافة إلى نزوح مئات الآلاف من سكان القطاع نتيجة لاستهداف المناطق السكنية بشكل مباشر.
الحصار الإنساني الكارثي
إلى جانب الهجمات، فرضت إسرائيل حصارا خانقا على القطاع، حيث منعت دخول الإمدادات الأساسية من الغذاء والماء والوقود والأدوية. تفاقمت الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق، إذ تواجه المستشفيات نقصا حادا في الموارد، مما جعل تقديم الرعاية الطبية للجرحى شبه مستحيل.
ردود الفعل الدولية
أثارت الجرائم الإسرائيلية في غزة استنكارا دوليا واسعا، لكن الجهود لوقف العدوان ظلت محدودة. لا تزال الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، تدعم إسرائيل سياسيا وعسكريا، مما يعقد مسار الحلول الدولية.
الصمود الفلسطيني
ورغم كل ذلك، يواصل الشعب الفلسطيني في غزة الصمود في وجه العدوان، مؤكدين تمسكهم بحقوقهم الوطنية والإنسانية، وسط دعوات لإغاثة عاجلة وإنهاء الاحتلال.
هذا التصعيد الأخير يُظهر أن القضية الفلسطينية لا تزال حية ومشتعلة، وأن الحاجة إلى حل عادل وشامل أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
الخاتمة
القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي صراع من أجل الحرية والكرامة والعدالة. تاريخها الممتد مليء بالنضال والتضحيات، ولا تزال محط أنظار العالم كمثال حي على مقاومة الاحتلال.
يتطلب الحل العادل للقضية الفلسطينية إنهاء الاحتلال، إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وهو ما يجب أن يظل هدفا أساسيا لكل الجهود الدولية والإقليمية.
المصدر: قطر عاجل