المشروبات الكحولية في السعودية، حياة الاثرياء فوق سلطة القانون

المشروبات الكحولية في السعودية، حياة الاثرياء فوق سلطة القانون

في الوقت الذي تسعى فيه المملكة العربية السعودية إلى ترسيخ صورتها كدولة تشهد تحولًا جذريًا نحو الانفتاح والتطور، تكشف التجربة اليومية للاجانب، ولا سيما المواطنين البريطانيين، عن واقع يتسم بتناقضات جوهرية.

حيث تتداخل مظاهر الرفاهية المفرطة مع قيود اجتماعية صارمة، في ظل بيئة يشوبها نوع من الفساد غير المعلن، يتمثل في ممارسات كـ تهريب المشروبات الكحولية في السعودية وشراء الولاءات بالمال، ما يعكس تعقيد المشهد بين الخطاب الرسمي والممارسات الفعلية على الأرض.

ووفقًا لصحيفة ذا صن البريطانية، أصبحت المملكة وجهة مفضلة لعشرات الآلاف من المغتربين البريطانيين، مستقطبةً إياهم من خلال نظام ضريبي معدوم الدخل ورواتب عالية توفر فرص مالية مغرية.

وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من الوظائف، لا سيما في مجالات الطاقة والرياضة والتعليم، تقدم عروض مالية مغرية تصل إلى 90 ألف جنيه إسترليني سنويًا، معفاة من الضرائب، وهو ما يمثل فرصة يصعب التغاضي عنها بالنسبة للمهنيين الطامحين إلى تحقيق عوائد مالية مجزية في فترة زمنية قصيرة.

غير أن ما يبدو كفرصة مالية ذهبية يخفي في طياته مشهدًا اجتماعيًا وسياسيًا بالغ التعقيد، فبينما تسوّق الدولة رؤية 2030 كخطة طموحة للتحديث والانفتاح، يصطدم الوافدون بواقع يومي يتسم بقيود اجتماعية صارمة وازدواجية في تطبيق القوانين.

وفي هذا السياق، تبرز أنماط حياة موازية داخل مجتمعات المغتربين، تتحكم فيها عوامل كالثروة الشخصية وتداول الكحول، لتشكّل شبكة من العلاقات غير المعلنة، لكنها مؤثرة في حياة هؤلاء الأجانب.

المشروبات الكحولية في السعودية

وعلى الرغم من الحظر الرسمي المفروض على الكحول في المملكة، يؤكد عدد من المقيمين الأجانب وجود سوق مخفية لتوفير المشروبات الكحولية في السعودية، لا سيما داخل المجمعات السكنية الخاصة.

ويطلق على المهربين لقب ساخر متداول بينهم هو موزع الحليب، في إشارة رمزية للتخفيف من حساسية الموضوع، وتُسلَّم الكحول إلى المنازل بسرّية تامة، ويتم تداولها تحت غطاء ما يُعرف بـ”الخدمات اللوجستية”، في مشهد يعكس وجود اقتصاد موازٍ يتجاوز القيود القانونية المفروضة.

المال يشتري القانون 

تقول احدى المقيمات في الرياض، إن كل شيء في السعودية يُشترى، بما في ذلك الولاء السياسي والاجتماعي.

وتضيف: “نحن، كمغتربين، نتبع المال”. غير أن الجانب غير المعلن هو أن المال في السعودية لا يقتصر على شراء الرفاهية فقط، بل يمتد ليشمل الصمت والتغاضي، وأحيانًا الولاءات العابرة للحدود، ما يعكس شبكة معقدة من المصالح والعلاقات تتجاوز الحدود التقليدية.

ويُمنح الأجانب الأثرياء امتيازات تتجاوز القوانين التي تُفرض على المواطنين، تشمل حق امتلاك العقارات، وتسهيلات في إصدار التأشيرات، فضلاً عن توفر المشروبات الكحولية داخل المجمعات المغلقة.

هشاشة المجتمع السعودي

لا شك أن مشاريع كبرى مثل نيوم وسدرة تسهم في تغيير المشهد العمراني بالمملكة، حيث توصف بعض هذه المناطق بـ”المالديف الصحراوية” لجمالها الفريد ورفاهيتها العالية، إلا أن هذا الازدهار يظل محصورًا داخل فقاعة من الامتيازات الطبقية، حيث يعيش الأجانب في واحات منفصلة عن الواقع المحلي، ما يعكس فجوة كبيرة بين التجارب المعيشية المختلفة داخل المملكة.

حيث تباع الفيلات في مشروع سدرة بملايين الريالات، مصحوبة بامتيازات تشمل تخصيص غرف للخدم والسائقين للسكان. غير أن هذه الصورة الراقية تخفي أزمة إسكان حقيقية تعاني منها شرائح واسعة من السعوديين، ولا سيما الشباب منهم، حيث تشكل الأسعار المرتفعة سدا منيعا أمام حصولهم على مساكن لائقة تناسب احتياجاتهم.

مؤامرات غربية

ويعكس الوجود الغربي المكثف، خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة، نوعًا من التواطؤ المتزايد مع مشاريع “التحديث السلطوي” في المملكة، إذ تحتفي وسائل الإعلام الغربية بمشاريع مثل نيوم وسدرة، لكنها غالبًا ما تغفل عن التناول الجاد لتداعياتها الاجتماعية والبيئية، مما يساهم في تقديم صورة منحازة تخدم مصالح هذه المشاريع على حساب الواقع الفعلي للسكان المحليين.

تستفيد الشركات الكبرى من العقود الضخمة في المملكة دون خضوع فعلي للمحاسبة، فيما يظهر السياسيون، من دونالد ترامب إلى بوريس جونسون، تأييدهم العلني للتحولات السعودية، متغاضين عن الانتهاكات الحقوقية المتكررة.

ان هذا التجاهل يعكس توازنًا دقيقًا بين المصالح الاقتصادية والسياسية على حساب القيم والمبادئ الأساسية.

التحرر في خدمة الظلم

تسعى السعودية، من خلال مشروع رؤية 2030، إلى تقديم نفسها كدولة حديثة، متسامحة ومنفتحة. إلا أن الواقع يعكس نموذجًا هجينًا يجمع بين اقتصاد حرّ، مجتمع محافظ، تطبيق انتقائي للقانون، وفساد متغلغل يُمارس خلف أبواب فاخرة.

إن ظاهرة تهريب المشروبات الكحولية في السعودية وانتشار ثقافة “كل شيء يشترى” ليست مجرد تفاصيل هامشية، بل تعكس خللًا عميقًا في البنية السياسية والاجتماعية للمملكة، فهي بلد يسعى لشراء صورته عبر المال، لكنه لم ينجح بعد في تأسيس شرعية داخلية ترتكز على العدالة، والمساواة، والحريات الحقيقية.

مصدر: قطر عاجل + ذا صن