النظام القضائي السعودي، اعدامات وافراجات انتقائية

النظام القضائي السعودي، اعدامات وافراجات انتقائية

في الوقت الذي تكثف فيه السلطات السعودية جهودها الإعلامية لترويج صورة “التطور والانفتاح” في ظل قيادة ولي العهد الامير محمد بن سلمان، تبرز تقارير حقوقية وشهادات ناشطين لتسلط الضوء على ما تصفه بغياب الشفافية في النظام القضائي السعودي.

وتشير هذه المصادر إلى الاستمرار في استخدام القضاء كوسيلة لقمع المعارضين، بدلاً من أن يكون وسيلة لتحقيق العدالة، ما يثير تساؤلات حول جدية الإصلاحات المعلنة في الرياض.

وجاءت هذه التقارير خلال جلسة نقاشية نظّمتها المنظمة الاوروبية السعودية لحقوق الإنسان في 29 مايو 2025، تحت عنوان: “القضاء السعودي: اعدامات وافراجات”.

وشارك في الجلسة عدد من الحقوقيين والناشطين السعوديين، الذين ناقشوا التناقضات في المشهد الحقوقي داخل السعودية، بين ما وصفوه بتكثيف أحكام الاعدام من جهة، والافراجات الانتقائية من جهة أخرى.

النظام القضائي السعودي: الاعدامات

أدار الجلسة طه الحاجي، المدير القانوني للمنظمة الاوروبية السعودية لحقوق الانسان، حيث استهل النقاش بالإشارة إلى التزايد الملحوظ في عدد الاعدامات داخل السعودية، مؤكدا أن “غالبية هذه الاعدامات لا تتعلق بجرائم جنائية حقيقية، بل تستند إلى تهم سياسية أو اتهامات فضفاضة، من بينها زعزعة الامن والانتماء لتنظيمات”.

وأضاف الحاجي أن المحاكمات في السعودية تفتقر إلى أدنى معايير الشفافية، مشيرًا إلى أنها تُجرى في الغالب خلف أبواب مغلقة، دون تمكين المتهمين من ممارسة حقهم في الدفاع، أو الحصول على تمثيل قانوني مستقل، وهو ما يثير شكوكًا جدية حول نزاهة الإجراءات القضائية.

وأشار الحاجي إلى أن النظام القضائي السعودي يخضع بشكل مباشر لسلطة الاجهزة الامنية، موضحًا أن “النيابة الجزائية” تحولت إلى أداة بيد السلطات الامنية، وتُستخدم لاختلاق التهم وتبرير الانتهاكات بحق المعارضين والنشطاء، بدلًا من أن تضطلع بدورها في حماية العدالة وسيادة القانون.

الافراجات الانتقائية

من جانبها، أكدت الدكتورة مريم الدوسري، الباحثة والناشطة الحقوقية المشاركة في الجلسة، على أن الافراجات الأخيرة عن عدد من المعتقلين السياسيين “لا تعكس تحولًا سياسيًا حقيقيًا”، بل تُعد، بحسب وصفها، جزءًا من حملة علاقات عامة تهدف إلى تلميع صورة السعودية على الساحة الدولية، لاسيما مع اقتراب استحقاقات رياضية ودبلوماسية تطمح السعودية بـ استضافتها.

وأوضحت الدكتورة الدوسري أن خطة 2030، التي تروّج لها السلطات كخطة طموحة للتنمية، لم تتحول إلى مسار حقيقي للإصلاح السياسي، مشددة أن الخطة تحوّلت إلى “غطاء دعائي”، تُستخدم من خلاله الإنجازات الاقتصادية المحتملة لتبرير القمع الداخلي وتلميع صورة الحكم، في ظل غياب أي تقدم ملموس في مجال الحقوق والحريات.

وأضافت الدوسري أن هذه الافراجات الرمزية لا تُغيّر من واقع الحال، مشيرة الى أن المئات من المعتقلين السياسيين لا يزالون رهن الاحتجاز داخل السجون السعودية، بينهم من مضى على اعتقالهم سنوات دون محاكمة أو توجيه تهم واضحة، ما يعكس استمرار سياسة القمع وتجاهل أبسط معايير العدالة.

تصعيد القمع وغياب الحريات

بدوره، تناول علي الدبيسي، رئيس المنظمة الاوروبية السعودية لحقوق الإنسان، الجذور الأمنية للتصعيد القمعي في المملكة، موضحًا أن إنشاء “رئاسة أمن الدولة” في عام 2017 شكّل نقطة تحول خطيرة في مسار الحريات العامة.

وأعلن الدبيسي إلى أن هذه الهيئة الأمنية الجديدة أطلقت العنان لمرحلة من السيطرة الأمنية المطلقة، طالت مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك النساء والمدافعين عن حقوق الانسان، في سياق ما وصفه بتوسع غير مسبوق في أدوات القمع.

وأشار الدبيسي إلى قضية الناشط فاضل المناسف، الذي أُخلي سبيله مؤخرًا بعد سنوات من الاعتقال بسبب نشاطه الحقوقي، معتبرا أن اعتقال المناسف لم يكن له أي مبرر قانوني، بل جاء بدافع الانتقام السياسي، مضيفا أن تغييب ناشطين مثل فاضل يهدف إلى كسر إرادة المجتمع وتعميم حالة الصمت القسرية داخل البلاد.

وأوضح الدبيسي أيضاً إلى سياسة التعتيم الإعلامي التي تنتهجها السلطات داخل المملكة، مؤكداً أن تداول أخبار الاعدامات والاعتقالات ممنوع بشكل صارم، مضيفا أن أسر الضحايا غالباً ما تُحرم من معرفة تفاصيل ما جرى، ولا يُسمح لها حتى بإقامة مراسم العزاء، في محاولة واضحة لإخفاء حجم الانتهاكات وإخماد أي صوت معارض.

الضغط الدولي على السعودية

واعتبر الناشط الحقوقي محمد العمري أن الافراجات التي أعلنت عنها السلطات السعودية مؤخراً لا تمثل تراجعًا حقيقيًا عن سياسة القمع، بل تأتي في إطار محاولة استباقية لاحتواء الضغوط الدولية المتزايدة، موضحا أن هذه الافراجات “جاءت نتيجة تصاعد النشاط الحقوقي الخارجي وتزايد التغطية الاعلامية على الانتهاكات داخل المملكة، وليست نتاج إرادة سياسية داخلية”.

وأكد العمري أن النظام لا يزال يعامل المواطنين كـ رعايا بلا حقوق، مستغلًا الاعتقال والافراج كأدوات لضبط الصورة السياسية أكثر من كونهما وسيلتين لإنفاذ القانون. وأضاف أن “المنظومة القضائية بأكملها مسيّسة، وتخدم مصالح مراكز القرار الأمني”، مما يعكس عمق التدخل الأمني في الجهاز القضائي السعودي.

وتناول العمري أيضاً موضوع ما وصفه بـ الاعدامات غير المعلنة، التي تتجلى في أشكال متعددة مثل الإهمال الطبي المتعمد داخل السجون، مشيرا إلى قضية الدكتور موسى القرني، الذي توفي داخل السجن نتيجة حرمانه من الرعاية الطبية اللازمة، بالرغم من كونه معتقل سياسي ولم يصدر بحقه حكم اعدام رسمي، ما يطرح تساؤلات حول ظروف الاحتجاز وحقوق المعتقلين في المملكة.

وأشار العمري إلى أن العديد من قضايا الاعدام المتعلقة بجرائم المخدرات أو الولاء للدولة تُحاط بسرية تامة، موضحًا أن هذه الأحكام تُستخدم في كثير من الأحيان كوسيلة لتصفية خصومات داخلية أو لإرسال رسائل ترهيب للمجتمع، لا سيما في المناطق التي شهدت احتجاجات مثل المنطقة الشرقية.

السعودية تحت مراقبة المجتمع الدولي

وخلصت الجلسة الحوارية إلى أن النظام القضائي السعودي بات يشكل واحدًا من أبرز مصادر القلق الحقوقي على المستوى الدولي، في ظل استمرار تنفيذ الإعدامات الجماعية، وغياب ضمانات المحاكمة العادلة، وانتشار الاعتقالات التعسفية، بالإضافة إلى استمرار احتجاز معتقلي الرأي دون محاكمة أو مبرر قانوني واضح.

واتفقت المداخلات على أن التحركات الرمزية، مثل الافراج عن بعض المعتقلين، لا تُغّير من الواقع القائم، حيث يظل القضاء السعودي يفتقر إلى أبسط ضمانات العدالة القانونية. وأكد المشاركون أن الاصلاح الحقيقي يتطلب فصل السلطات، وتحرير القضاء من سطوة الاجهزة الامنية، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار لحقوق الانسان كمبدأ أساسي لا مجرد شعار.

وفي ظل هيمنة السلطات الامنية المستمرة واستخدام النظام القضائي السعودي كأداة لقمع المعارضين، يبقى المجتمع السعودي محرومًا من أبسط أشكال الحماية القانونية، ومقيدًا حتى في حقه بالتعبير عن معاناته، مما يعكس عمق الأزمة الحقوقية في البلاد.

مصدر: قطر عاجل + الجزيرة