“حيادية إسرائيل من الحرب في أوكرانيا آخذة بالتآكل، وقرار روسيا إغلاق الوكالة اليهودية رسالة تحذير”.. هكذا خلص تقرير مجلة “إيكونوميست” البريطانية، متحدثا عن التوتر في العلاقات بين موسكو وتل أبيب، على خلفية هجوم الأولى على أوكرانيا.
وتحت عنوان “معضلة إسرائيل الروسية”، قالت المجلة إن العلاقات بين البلدين كانت “قوية”، حتى صدر قرار الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” غزو أوكرانيا.
ولفت التقرير إلى أن إسرائيل وروسيا، نسّقتا خلال السنوات السبع الماضية في الأرض والسماء في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا.
وحتى بعد إرسال موسكو قواتها في عام 2015 لإنقاذ النظام السوري الذي كان في طريقه للانهيار، تم التوافق على تسوية مؤقتة.
فرغم سيطرة روسيا على المجال الجوي السوري، إلا أنها سمحت لإسرائيل بقصف حلفاء إيران الذين يقاتلون إلى جانب “بشار الأسد”.
لكن الحرب في أوكرانيا بدأت بهز الترتيبات هذه.
ففي مايو/مايو، أطلقت بطارية روسية مضادة للطائرات، صاروخا ضد مقاتلة إسرائيلية، في واقعة وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس” بأنه “حادث واحد”.
وبعدها طلبت روسيا من إسرائيل وقف كل عمليتها في روسيا، إلا أن الأخيرة استمرت في الغارات.
وتصاعد هذا التوتر، مع قرار محكمة روسية، في 15 يوليو/تموز، بإغلاق مكاتب الوكالةَ اليهودية في روسيا.
والوكالة ليست بالمعنى الفني جزءا من الحكومة الإسرائيلية، ولكنها تعمل نيابة عنها، وتحافظ على صلات إسرائيل مع يهود الشتات في العالم، وتعمل على تسهيل الهجرة إلى إسرائيل.
ويقول الكرملين إن قرار إغلاق الوكالة اليهودية “ليس سياسيا”، ولكنه أمر يتعلق بالقانون.
وتتهم السلطات الروسية، الوكالة بخرق القوانين من خلال جمع معلومات عن مواطنين روس، إلا أن الإسرائيليين متشككون، حيث قال مسؤول بارز: “موضوعات قانونية كهذه تم حلها في الماضي بطريقة هادئة وبدون عناوين أخبار”.
وأضاف: “الواضح أن الضغط جاء من القمة، والتأكد بعدم وقوف إسرائيل مع روسيا في الحرب”.
وظلت إسرائيل منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، متفرجة، ورفضت المطالب الأوكرانية تزويدها بالأسلحة، وتجنبت الحديث علنا عن الحرب.
والسببان الرئيسان لحيادية إسرائيل، هما وجود روسيا العسكري على الجانب الآخر من الحدود مع سوريا، والتجمعات اليهودية الكبرى في كل من روسيا وأوكرانيا.
وهاجر حوالي مليون روسي من دول الاتحاد السوفييتي السابق، بعد انهياره قبل 3 عقود، إلى إسرائيل، وأصبحوا “قوة انتخابية” لا يستهان بها.
والتزم رئيسا الوزراء السابقان “بنيامين نتنياهو” و”نفتالي بينيت” بالحياد مع روسيا.
لكن وزير الخارجية “يائير لابيد”، شجب في أبريل/نيسان جرائم الحرب قرب العاصمة كييف.
ومنذ تعيينه رئيسا للوزراء في مطلع يوليو/تموز، لم يظهر “لابيد” أي رغبة أو ميل لترتيب لقاء أو الاتصال مع “بوتين”.
خاصة أن وسائل إعلام عبرية نقلت، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي “يائير لابيد” قوله، إن إغلاق مكاتب الوكالة اليهودية “سيعد حدثاً خطيراً، وسينعكس سلباً على العلاقات الثنائية”، التي وصفها بـ”المهمة” لبلاده.
كما تخلى “لابيد” إلى حد كبير عن محاولات “بينيت” للتوسط في الحرب، وقال إن روسيا ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا.
والأسبوع الماضي، بدأت إسرائيل في توفير الخوذات وغيرها من المعدات الوقائية لقوات الإنقاذ الأوكرانية والمنظمات المدنية بعد أن رفضت في وقت سابق القيام بذلك،
ووقع “لابيد” إعلانا مشتركا مع الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، يعبر عن “مخاوف بشأن الهجمات المستمرة ضد أوكرانيا”.
وعليه، فمشاكل الوكالة اليهودية في روسيا هي “رصاصة تحذير لـ”لابيد”، بعدم الخروج عن الخط، وفق “إيكونوميست”.
وعانى اليهود من مذابح في عهد القياصرة الروس، ومن معاداة السامية في فترة الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أن “بوتين” أكد خلال فترة حكمه منذ عقدين، على علاقات جيدة مع الجاليات اليهودية.
كما عمل “بوتين”، على رعاية العلاقات مع الجالية اليهودية وإسرائيل، وأيد بناء متحف يهودي في موسكو، واستضاف “نتنياهو” كضيف شرف بموكب “يوم النصر”، في العاصمة، عام 2018.
ومع ذلك فإن الهجرة إلى إسرائيل تزايدت، ووصلت هذا العام إلى 30 ألفاً.
وعلى أية حال، فقد استحضر “بوتين” شياطين التاريخ عندما وصف النظام الأوكراني بزعامة “فولديمير زيلينسكي”، بـ”النازية”، فهو إما يعود إلى طقوس القياصرة السابقين، أو أنه يريد استخدام اليهود الروس كورقة ضغط.
وبعد الحرب، وحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أصبحت إسرائيل واحدة من الوجهات الرئيسية لموجة الهجرة، وهي موجة نزوح شملت العديد من العمال في صناعة التكنولوجيا الروسية.
وتم تسجيل حوالي 16 ألف مواطن روسي كمهاجرين في إسرائيل منذ بداية الحرب، أي أكثر من 3 أضعاف ما تم تسجيله في العام الماضي بأكمله، كما وصل 34 ألفا آخرون كسائحين.
في المقابل، جعلت الحرب في أوكرانيا، “بوتين” يتلمس الحلفاء في صراعه المتصاعد مع الغرب، بينما يغذي حملة موسعة ضد أي شخص داخل روسيا لديه ولاءات مشبوهة.
وقبل أيام، زار “بوتين” إيران، العدو اللدود لإسرائيل، واحتفل بتوطيد العلاقات بسرعة في اجتماع مع المرشد الأعلى للبلاد.
المصدر: وكالات