تساؤلات عدة أثارها إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر “تحرير” المنطقة الخضراء من الفاسدين، ودعوته العراقيين باستثمار هذه “الفرصة العظيمة” لتغيير النظام السياسي والدستور في البلد، وذلك بعد سيطرة أنصاره على مبنى البرلمان وإعلانهم الاعتصام المفتوح.
وعلى ضوء ذلك، دعت قوى “الإطار التنسيقي”، العراقيين إلى التظاهر سلميا، الاثنين، أمام المنطقة الخضراء في بغداد، للدفاع عن دولتهم، “ضد تطورات تنذر بانقلاب مشبوه؛ لأنها تلغي شرعية الدولة والعملية الديمقراطية”، في إشارة إلى اعتصام أنصار الصدر بالبرلمان.
“انقلاب شعبوي”
وتعليقا على الأسباب التي دفعت الصدر لاتخاذ هذه الخطوة، قال السياسي المعارض أحمد الأبيض لـ”عربي21″ إن “النظام السياسي في العراق مات سريريا والآن انتهى، فعندما يدخل الباعة المتجولين السلطة التشريعية فهو انقلاب شعبوي بامتياز قاده الصدر”.
وأضاف أن “الصدر يريد مساندة شعبية لأنه يعرف أنه لا يستطيع أن يمضي بمفرده كتيار، لكن الكثير من شرائح المجتمع لا تثق بخطواته أو بقادة التيار الصدري، وهناك تجارب سابقة، ففي عام 2016 خرجت القوى المدنية للاعتصام قبل الصدر، لكن عندما اعتصم الأخير في الخضراء، انسحب مقابل إعطائه 8 وزارات وإبقاء حيدر العبادي في رئاسة الحكومة”.
ورأى الأبيض أن “الشعب العراقي يعتقد اليوم أن أفضل فرصة للإطاحة بالنظام أن يتقاتلوا فيما بينهم (الإطار والتيار)، لأن الطرفين وباقي القوى السياسية الممثلة للمجتمع العراقي هم من كانوا سببا في تدمير العراق ووصوله إلى هذه المرحلة وجعل إيران تحتله وتهيمن عليه”.
وأشار السياسي العراقي إلى أن “المخرج الوحيد أمام الصدر هو أن يكون صادقا في النوايا ويتبنى ما طرحته المعارضة العراقية لتشكيل كيان يتكون من ثلاثة أضلاع هي: القوى الوطني الحقيقية، وثوار تشرين الحقيقيين، والمجتمع المدني، وهذه الأطراف باستطاعتها أن تعمل تحت المظلة الدولية إذا كانت هناك نية حقيقية للإصلاح”.
ونوه الأبيض إلى أن “رئيس الوزراء الكاظمي هو حليف الصدر، وما يجري هو بترتيب بين الطرفين، لأن القوى الشعبية عندما أرادت أن تتخطى جسر الجمهورية نحو المنطقة الخضراء عام 2019، فإنها قدمت أكثر من مئتي شهيدا واستخدمت ضدنا كل أنواع الأسلحة وبعضها محرّم دوليا”.
ولفت إلى أن “تغيير النظام يحتاج إلى ثلاثة شرعيات، الأولى الشرعية الدولية، وللأسف العراق صار يأخذ الشرعية المرجعية في النجف، ويبدو أن هناك لقاء سري بين ممثلة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت مع المرجعية رفضت فيه الأخيرة تغيير النظام إلى رئاسي وقبلت بشبه رئاسي، والثالث وهي الشرعية الشعبية”.
اقرأ أيضا: بعد تحركات الصدريين.. “الإطار التنسيقي” يدعو للتظاهر ببغداد
وأعرب الأبيض عن اعتقاده بأن “تحرك الصدر نحو المنطقة الخضراء وسيطرته على البرلمان كان مستعجلا وهي ردة فعل، وأن هناك أطراف تدفع نحو الاقتتال مع الإطار التنسيقي، وربما يحصل هذا في حدود المنطقة الخضراء وبعض المحافظات الجنوبية”.
وأكد السياسي العراقي أن “الصراع حاليا صراع وجودي والأطراف الأخرى تعتقد أن الصدر إذا تمكن سوف لن يبقيها، لذلك ربما تحصل أشياء مهمة خلال 24 ساعة، وأعتقد أن الكاظمي في موقف حرج لأنه سهّل تحركات الصدر”.
وأردف: “أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية موقفها غير واضح، لكن بالتأكيد غير مؤيد للصدر، لأن حركة الأخير كان يجب أن تكون خاطفة وهو بالاستيلاء على كل مقاليد السلطة وإعلان حكومة إنقاذ، لكن اتفاقه مع الكاظمي قد يكون حال دون ذلك”.
“تكسير عظام”
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي الدكتور سعدون التكريتي لـ”عربي21″ إن “إعلان الصدر تحرير المنطقة الخضراء ودعوته للشارع العراقي لمساندته يشير إلى أن التيار الصدري ماض في فرض سيطرته على المشهد بالكامل، وإقصاء الإطار التنسيقي، وتقديم نفسه على أنه المخلّص للعراقيين”.
وأوضح التكريتي أن “بيان الصدر يؤكد انقلابه على النظام بشكل كامل، وأن حديثه عن تحرير المنطقة الخضراء يعني أنه لا عودة لأعضاء البرلمان إليها، وأن وصف ما جرى بأنه فرصة عظيمة، تؤكد سعيه إلى تغيير النظام السياسي والدستور والوضع الانتخابي في البلد”.
ولفت إلى أن “رسالة الصدر تؤكد أنه لا تفاوض ولا لقاء مع الإطار ووصلت المرحلة إلى تكسير العظام بين الطرفين، ففي المقابل فإن خيارات قوى الإطار باتت أقل وأصعب، وأن الحل لن يكون دون إنهاء قوة التيار الصدري، وهذا لن يتحقق”.
اقرأ أيضا: الصدر يشيد باقتحام برلمان العراق و”الإطار” يصفه بـ”الانقلاب”
وأوضح التكريتي أن “ما يمنع الإطار من إنهاء قوة الصدر، هو أنه يفتقد لغطاء السلطة التي لا تزال بيد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي- ليس كما كانت عليه في عهد عادل عبد المهدي- إضافة إلى الدعم الشعبي الشيعي، والدعم الدولي، وهذه كلها غير متوفرة للإطار”.
وأشار الباحث إلى أن “الإطار التنسيقي اليوم مكبّل حتى في عقد جلسة للبرلمان خارج بغداد لانتخاب رئيس الجمهورية وتسمية رئيس للحكومة، رغم أنه يمتلك الأغلبية، ذلك لأن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ونائبه شاخوان عبد الله القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، حلفاء للصدر”.
واستبعد التكريتي “ذهاب قوى الإطار التنسيقي إلى خيار الصدام المسلح، لأنها ستعتبر قوة متمردة على أوامر وتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة وساعتها تكون حجة قوية للدولة في محاصرتهم والإجهاز عليهم”.
وخلص الباحث إلى أن “الصدر يبد كان ينتظر وقوع الإطار التنسيقي في خطأ ترشيح محمد شياع السوداني، الذي سبق أن رفضته مظاهرات تشرين عام 2019، ليتحرك بعدها نحو إسقاط البرلمان، والمطالبة بتغيير النظام والدستور وإنهاء الفاسدين والمليشيات والتبعية للخارج”.
وحشّدت الحكومة العراقية قوات كبيرة من الجيش والشرطة في محيط المنطقة الخضراء ببغداد، الاثنين، بالتزامن مع دعوات قوى الإطار التنسيقي الشيعي لجماهيرها للخروج بمظاهرة قرب الخضراء للحفاظ على الدولة وشرعيتها.
المصدر: العربي 21