شهدت جزيرة الوراق بالعاصمة المصرية القاهرة، إحدى أكبر الجزر النيلية على نهر النيل، اشتباكات عنيفة بين الأهالي وقوات الأمن في إطار مساعي الحكومة لنزع ملكيات المواطنين وإخلائها من السكان لصالح مشروع تحويل الجزيرة إلى منطقة تجارية وسياحية تحت مسمى “التطوير”.
وتداولت حسابات تابعة لأهالي الجزيرة على مواقع التواصل مقاطع مصورة لمداهمة قوات الشرطة بعربات مصفحة للجزيرة وبعض المنازل واشتباكها مع الأهالي وقيامها بالتعدي على السكان بالضرب، واستخدام قنابل الغاز المسيلة للدموع لتفرقة المحتجين، واعتقال عدد من الأهالي.
وأطلقت تلك الحسابات نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل من أجل دعمهم في مواجهة محاولات السلطات تهجيرهم من منازلهم، ونددوا باقتحام القوات لعدد من المنازل وقيام عناصر من الأمن باعتقال عدد من الأهالي بسبب مقاومتهم لمحاولات أخذ قياسات المنازل المراد هدمها وإزالتها.
— الاشتراكيون الثوريون (@RevSocMe) August 15, 2022
ونقل موقع مدى مصر المحلي (مستقل) عن سكان الجزيرة إلقاء القبض على 14 من أهالي جزيرة الوراق أثناء مقاومتهم قوات الشرطة التي كانت ترفع قياسات عدد من المنازل في منطقة حوض القلمية تمهيدًا لنزع ملكيتها، قبل أن تُفرج عن سبعة منهم لاحقًا وتبقي على السبعة الباقين.
وتتمتع الجزيرة الواقعة في قلب النيل بموقع استراتيجي وسط العاصمة وتعد أكبر الجزر النيلية ولا يربطها بالبر سوى بعض المراكب والمعديات، ويقطنها آلاف المواطنين وتضم مدارس ووحدات صحية ومراكز شباب ولكنها تفتقر إلى الخدمات الأساسية والبنية التحتية.
في عام 2017 تحولت أنظار السلطات المصرية إلى الجزيرة، وقررت استغلالها من أجل الاستفادة من إيراداتها، وتردد طوال تلك السنوات أن إحدى شركات التطوير العقاري الإماراتية، وفي صيف ذات العام نشرت شركة “آر إس بي” الهندسية التي تمتلك فروعا في دبي وعدة مدن كبرى أخرى على موقعها على شبكة الإنترنت تصميم مقترح لتطوير جزيرة الوراق.
ومنذ ذلك الحين اقتحمت قوات الشرطة مدعومة بقوات من الجيش الجزيرة الاستراتيجية وأزالت عشرات الأفدنة والمنازل والمباني الخدمية لإجبار الأهالي على مغادرتها، وانتزعت العديد من العقارات وأرغمت البعض الآخر على بيع ممتلكاتهم، واعتقلت خلالها المئات وقدمت بعضهم لمحاكمات عاجلة وحبسوا لفترات زمنية مختلفة.
وتفاعل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مع أهالي الجزيرة ضد اعتداء قوات الأمن على بعض السكان، وأعربوا عن دعمهم للسكان في الدفاع عن منازلهم وأراضيهم ضد محاولات انتزاع أملاكهم وتهجيرهم وتغريبهم عن جزيرتهم.
— 🅰🅼🆁 عمرو عبد الهادي (@amrelhady4000) August 15, 2022
استبعاد الجزيرة من المحميات الطبيعية
وأعلنت الحكومة المصرية قبل أيام استحواذها على 71% من أراضي جزيرة “الورّاق”، في إطار مخطط امتلاكها كل أراضي الجزيرة بعد أن أصبحت 888.65 فدان تحت حيازة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التي تبلغ نحو 1295.5 فدان، وبدأت بالفعل أعمال التطوير.
وأوضح بيان للحكومة أن عدد المنازل التي تم نقل ملكيتها، أو جار نقل ملكيتها، بلغ نحو 2458 منزلاً، مشيراً إلى أنه تم استلام أراضي الأوقاف بالكامل عدا مساحة 23.5 قيراط، كما أنه تم استلام 32.5 فدان من الأراضي أملاك الدولة، البالغ مساحتها 68 فداناً، ومتبق استلام 35.5 فدان.
تتضمن خطة تطوير جزيرة الوراق في المرحلة العاجلة منها، وفق الحكومة، تنفيذ 94 برجاً سكنياً، تضم 4092 وحدة سكنية، بمساحات مختلفة، حيث يتم حالياً تنفيذ 40 برجاً، بإجمالي 1744 وحدة سكنية، إلى جانب تنفيذ عدد من الخدمات مثل المدارس ووحدات طب الأسرة، ومراكز الشباب، ومراكز تجارية وخدمية وترفيهية.
تتبع جزيرة الوراق لمحافظة الجيزة إداريا، وتقع شمال القاهرة، وتعد أحد أهم المناطق من الناحية الجغرافية، ولا يوجد حصر دقيق لعدد سكانها لكن وسائل إعلام محلية قالت إنه في حدود 60 ألف شخص يعتمد معظمهم على الزراعة والصيد والحرف.
ورغم صدور قرار حكومي بجعلها محمية طبيعية إلى جانب عدد من الجزر وخضوعها لإدارة بيئية من قبل الجهات الحكومية المعنية إلا أنه صدر قرار في عام 2017 باستبعادها من قرار المحميات الطبيعية وتحويلها إلى منطقة استثمارية، وفي عام 2018 صدر قرار بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق.
أملاك الدولة أم الأهالي
وهناك معارك قضائية بين الأهالي والحكومة، ويمتلك بعض السكان عقودا وصكوك ملكية للحيازات الزراعية والمباني، ويقولون إنهم لم يعتدوا على أراضي الدولة، وفي هذا الصدد أكد المحامي والحقوقي خالد علي في منشور سابق له في صفحته على موقع فيسبوك أن الأهالي أصحاب حق وليسوا معتدين.
ونشر صورا لعقود ملكية تؤكد ما ذهب إليه، وأوضح أن أهالي الجزيرة أصحاب ملكيات خاصة على الأرض ولم يعتدوا على أراضي الدولة كما تزعم الحكومة، فمساحة الجزيرة 1850 فدانا، منها 1810 فدادين ملكيات خاصة و 40 فدانا فقط هي ملك الحكومة وشاغليها لم يشغلوها غصباً لملك الدولة وإنما مقابل انتفاع يسدد للدولة بانتظام.
وكان هناك نزاع سابق فى بداية عام 2000، بحسب علي، لنزع ملكية المواطنين بالجزيرة، ولكن مجلس الدولة حكم بوقف وإلغاء قرارات نزع الملكية، كما أنه صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 848 لسنة 2001 بعدم جواز إخلاء أي مبنى مقام حتى تاريخه بجزيرتي الذهب والوراق، وعدم جواز التعرض لحائزي الأراضي الزراعية بالجزيرتين.
مخطط سياحي تجاري
نهاية الشهر الماضي، نشرت الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية)، عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، صورا لمخطط تطوير جزيرة الوراق التي اختير لها اسم جديد هو “مدينة حورس”. وقالت إن “الصور ليست لجزيرة مانهاتن الأمريكية!! هل تصدق أن هذه الصور لتصميمات مدينة “حورس”.. الوراق سابقاً نعم.. مدينة ومركز تجاري عالمي على أرض مصرية يضاهي أبرز مراكز التجارة حول العالم”.
تصل التكلفة التنفيذية للمشروع 17.5 مليار جنيه (الدولار يساوي 19.16 جنيه) ومن المتوقع أن تصل الإيرادات الكلية إلى 122.54 مليار جنيه مصري، مع إيرادات سنوية تبلغ 20.422 مليار جنيه مصري لمدة 25 سنة.
بحسب الهيئة يضم المشروع ثماني مناطق استثمارية، ومنطقة تجارية ومنطقة إسكان متميز كما أنه سيتم إنشاء حديقة مركزية ومنطقة خضراء ومارينا 1 و2، وواجهة نهرية سياحية، كما أنه سيشمل منطقة ثقافية وكورنيشا سياحيا.. وإسكانا استثماريا.
وسيقام “برج حورس” في مقدمة الجزيرة بالجزء الجنوبي، على مساحة 80 فدانا ويمثل 5.7% من مساحة الجزيرة، وفيه قاعة “مؤتمرات حورس”، وفنادق 7 نجوم تحتوى أجنحة وشققا فندقية، وقطاع أعمال تجارية، ومهبط طائرات هليكوبتر.
واستهجن أهالي الجزيرة حجم التعويضات التي تعرضها الحكومة عليهم مقابل إخلاء منازلهم وأراضيهم، حيث حددت الحكومة 250 ألف جنيه كتعويض عن قيراط الأرض الذي يقول السكان إنه يساوي عشرة أضعاف هذا المبلغ، إلى جانب وحدات سكنية صغيرة في أحياء بعيدة بالمدن الجديدة.
رغبة إماراتية قديمة
وفي هذا الصدد انتقد الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، الطريقة الأمنية الوحشية في التعامل مع مواطنين سلميين يدافعون عن ممتلكاتهم، قائلا: “نزع الملكية دون مبرر أمر يجرمه القانون ويمنعه الدستور، ويكون الجرم أكبر إذا كان هذا النزع من أجل بيع الجزيرة لمستثمرين إماراتيين أو تحويلها لمنطقة تجارية وسياحية على حساب الملاك الأصليين ليس ذنبهم أنهم ولدوا وعاشوا في جزيرة تتمتع بموقع استراتيجي”.
وأوضح لـ”عربي21″ أنه “فتش عن الإمارات، كلما وجدنا سطوًا على ميناء أو شركة ناجحة أو موقع متميز سواء كان محمية طبيعية أو أثرا تاريخيا فإن الإمارات المتعطشة والمتوحشة تنقض عليه وفي وقت يحكم مصر نظام سلطوي فاشل اقتصاديًا، فإن رغبات الكفيل أوامر، وهي رغبة إماراتية قديمة”.
واعتبر يوسف أن “الإمارات لا تتوانى عن امتلاك كل شيء في مصر ليس بهدف التطوير أو المساعدة بل من أجل السيطرة والاستحواذ على كل ما هو استراتيجي وحيوي في البلد من مواقع أو شركات أو مصانع أو صناعات أو موانئ بهدف تحييد الاقتصاد المصري وتكبيل البلاد في مخطط لا يخدم الإماراتيين بل الإسرائيليين بالمقام الأول”.
— أمنية خليل (@OmniaKhalil) August 15, 2022
المصدر: العربي 21