إنه لمن الوهم أن نقول إن الولايات المتحدة ألقت بروسيا في مستنقع . ما يحدث في أوكرانيا هو تضليل إعلامي أكثر منه عسكري وفبركة حقائق وطمس وقائع. الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية وزيلينسكي غير مهتمين بإنهاء الحرب، والعقوبات ضد روسيا تجعل بوتين أقوى وأكثر تسلط. والهدف الوحيد الذي يسعى إليه البيت الأبيض هو تمزيق الدول الأوروبية وجرها لحرب لا نهاية لها.
وفي حديث مع “قطرعاجل”، قال “ احمد الكبيسي” الخبير في الشؤون الإقليمية، عشية اليوم الأربعين، لشن روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا: “اطلقت روسيا عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، أو بالأحرى رفعت علم أمنها القومي في العاصمة الأوكرانية كييف، ووصلت إلى شفا حرب وتهديد نووي مع أوروبا والولايات المتحدة”. وأضاف: “إنه لمن الوهم أن نقول إن أوكرانيا هي مستنقع خْدع فيه الأمريكيون روسيا لإغراقها فيه حتى تتمكن واشنطن من تحديد مصير أحد منافسيها العالميين (روسيا والصين) قبل الموعد المحدد”. وأكد الكبيسي أن روسيا من خلال دفاعها عن أمنها القومي، شكلت فصلًا جديدًا في التطورات العالمية ودقت جرس نهاية الحرب الباردة. حسب وصفه.
إذا كان الأمريكيون أغبياء ، فإن أبعاد هذه الحرب ستتجاوز استخدام الأسلحة التقليدية
وأشار الخبير الإقليمي في حديثه إننا نشهد اليوم صراعًا خطيرًا في الغرب وقال: ” نزاع الیوم لو كان فیه الأمريكيون حمقى ستكون أبعاد هذه الحرب أبعد من استخدام الأسلحة التقليدية، وسنشهد حربًا نووية شاملة وتسرب كبير للمواد المشعة التي ستطال أجزاء كبيرة من العالم.
نهاية الهيمنة الأمريكية على العالم
وأكد الخبير في الشؤون الإقليمية أن هذه الحرب هي نهاية وهم الهيمنة الأمريكية على العالم وبداية فصل جديد في العلاقات الدولية والاستقطابات، وذكر خطاب بوتين قائلاً: “يقول الرئيس الروسي بوتين: حرب أوكرانيا هي رد على تهديد لأمن روسيا. نحن لا نقبل استمرار توسع الناتو شرقا، لقد مددتم مراحل الناتو الخمس إلى حدودنا. لقد فعلنا كل ما في وسعنا لتوطيد العلاقات مع الغرب. لكننا لم نر شيئًا سوى الأكاذيب والخداع. عمليتنا العسكرية في أوكرانيا نرد فيها على تهديد. نحن نعمل على حماية أمننا لا اكثر “.
وأما بخصوص فيما قاله بوتين “أنه اتخذ عملا عسكريا جريئا ضد الولايات المتحدة والغرب”، قال الكبيسي: ” لقد قلب بوتين معادلات القوة في أوروبا والغرب بشكل خاص وفي العالم بشكل عام. وأكمل: لا أعتقد أن زعماء العالم لن يقبلوا بمنطق بوتين في الدفاع عن أمن الشعب الروسي ، وفي مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية ، وخاصة في المجال الأمني ، فلا أحد يستطيع إدانة الروس بلا سبب.
تأثير العقوبات الغربية على روسيا
وحول تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا قال الكبيسي: من المتوقع أن يكون للعقوبات الاقتصادية تأثير سلبي على الاقتصاد الروسي على المدى القصير. ويمكن أن يكون للتوترات الجيوسياسية أو المزيد من التهديدات بالعقوبات أو العقوبات المفروضة مسبقا تأثير معاكس على بلد مثل روسيا ذات الموارد الطبيعية الوفيرة والتكنولوجيا والعمالة الماهرة. باختصار ، تمتلك روسيا جميع العوامل التي تحتاجها تقريبًا للمضي قدمًا بسبب العقوبات”. وأضاف: “قد يتعين على البلاد الاستثمار في قوتها النسبية، من القدرات التكنولوجية إلى الموارد”.
وفي إشارة إلى العواقب المحتملة للعقوبات الاستراتيجية على روسيا والصين، قال الخبير في القضايا الإقليمية: “يمكن للعقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب على روسيا أن تكون مؤلمة بلا شك، لكن الآثار السياسية للعقوبات أقل وضوحًا من آثارها الاقتصادية. بينما تلعب العوامل الاقتصادية دورًا في نجاح العقوبات، أما العوامل السياسية التي تم تحديدها لها آثار غامضة وسلبية على احتمالية نجاح العقوبات التي تفرضها الخزانة الأمريكية”.
يمكن للعقوبات ضد روسيا أن تجعل بوتين أقوى
وشدد على أن العقوبات يمكن أن تؤدي إلى وحدة أكبر بين الصين وروسيا ، موضحا: “قد يكون لهذه العقوبات في البلد المستهدف تأثير معاكس ، مما يجعل روسيا ورئيسها أقوى. من ناحية أخرى، تمتلك الصين وروسيا كل ما يحتاجون إليه لإنتاج المنتجات النهائية التي استوردوها سابقًا. في الواقع ، يمكن أن يؤدي استبدال الواردات الآن إلى زيادة الإنتاجية في العديد من القطاعات الرئيسية ، بما في ذلك الهندسة والبتروكيماويات والصناعات الخفيفة والأدوية والزراعة وما إلى ذلك.
وأشار إلى أن العقوبات الروسية والتهديدات المحتملة ضد الصين ستسرع من زيادة التعاون بين البلدين مع دول البريكس (البرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا) وكذلك منظمة شنغهاي للتعاون ، وأضاف: بالطبع، في السياق الحالي للمشروع الروسي المشترك الذي يضم الدول العربية الغنية وفي مقدمتها الخليجية، تعد زيادة الصادرات والواردات من الهند وإيران إحدى الفرص التي درستها روسيا أيضًا. وأكمل: “بالتالي، قد لا تفشل العقوبات الغربية ضد روسيا في تغيير الوضع في أوكرانيا فحسب، بل قد تساهم أيضًا في التحول الهيكلي الذي طال انتظاره لروسيا”.
وذكر الخبير في القضايا الإقليمية أن الأزمة في أوكرانيا والعمليات الخاصة التي نفذتها روسيا في هذا البلد أدت إلى أحد أكثر التحليلات تعقيدًا: “إن تعقيد الأزمة هو من الدرجة التي لا يستطيع فيها أي من المحللين السياسيين والاستراتيجيين أن يعالج بسهولة وصراحة جميع جوانب الأزمة”.
الأزمة الأوكرانية لها جذور تاريخية
وأردف الكبيسي إن أزمة أوكرانيا لها تاريخ يمتد لثلاثين عامًا وأن الدور المخادع والعلني والسري للغرب، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، ملون للغاية. قائلا: “انتشرت العديد من التحليلات المغالطة والمسيسة بداية الأزمة الأوكرانية عندما بدأت القوات الروسية بالزحف للبلاد، في حين أن هذه القضية لها جذور تاريخية وتعود إلى زمن انهيار الاتحاد السوفيتي، ومنذ ذلك التاريخ أدى الإهمال والتجاهل للاتفاقيات بين روسيا وحلف الناتو إلى خلق هذه الظروف لواحد من أهم أجزاء الاتحاد السوفيتي”. وأضاف: ” قد تكون هذه الأزمة بداية لتغيير كبير في تشكيل هندسة القوة”.
ما يحدث في أوكرانيا هو إعلامي أكثر منه عسكري
وأشار الخبير في الشؤون الإقليمية إلى عدم وجود شفافية في تقديم التقارير الميدانية خلال الأربعين يوما الماضية ، فقال: ” خلال هذه الفترة، إذا جمعنا الاحصاءات التي تتداولها وسائل الإعلام الغربية معًا، فعلى أساسها جميع مناطق أوكرانيا قد أبديت وقتل من فيها. ومن ناحية أخرى ، يمكن ملاحظة أن الأعمال العسكرية الروسية ضد أوكرانيا تركز فقط على القواعد العسكرية والبنية التحتية التي يمكن تسليمها إلى دول الغرب ضد الأمن القومي لروسيا. وأردف: “على الرغم من الصراعات التي نشهدها اليوم، يمكن القول إن ما حدث في أوكرانيا هو إعلامي أكثر منه عسكري، ويبدو أن هجومًا شرساً وعنيفًا تشنه وسائل الإعلام الغربية ضد الدول الشرقية”.
وفيما تتداوله تقارير وسائل الإعلام الغربية بارتكاب روسيا جرائم حرب في أوكرانيا ، قال الكبيسي: “ومع ما تبثه وسائل الإعلام العربية والغربية ذلك ، لم يتم ملاحظة هذه الادعاءات في الميدان، وبناءً على ذلك ، تجدر الإشارة إلى أن المفاوضات الجارية بين روسيا وأوكرانيا قد وصلت أولاً إلى نقاط مقبولة، وثانيًا ، التقارير والشبهات المشبوهة تظهر أن الغرب يبدو وكأنه يريد خلق مستنقع لروسيا في هذه الأزمة التي خلقها بطريقة غير شفافة، وغير مهتم بإنهاء هذه الأزمة”. وأضاف: “وتشير شحنات الأسلحة والدعم الإعلامي القوي لأوكرانيا، والتغطية المحدودة للمنطقتين المؤيدتين للاستقلال في أوكرانيا، إلى أن الولايات المتحدة والغرب لا يبدو أنهما مهتمان بإنهاء الحرب”.
الولايات المتحدة ليست مهتمة بتوحيد الدول الأوروبية
وفي إشارة إلى أحد أهم أسباب عدم قيام الولايات المتحدة بإنهاء الحرب في أوكرانيا ، قال: “الولايات المتحدة ليست مهتمة بتوحيد الدول الأوروبية لكي لا تضر بمصالحها، وفي هذه الحالة يمكن أن تخلق المزيد من الفجوات بين هذه الدول. بعبارة أوضح: تسعى أمريكا إلى كسب اعتماد أوروبي أكبر لنفسها. وأكد الكبيسي على تواجد دلائل مهمة في المجالين العسكري والاقتصادي على أن الولايات المتحدة توسع هيمنتها في أوروبا.
وشدد على أن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين يريدون مواصلة هذه الحرب في المنطقة عن طريق إرسال الأسلحة وتحريض أوكرانيا حكومة وشعبا ، حيث قال: إذا أتت شروط روسيا المتعددة التي عرضت على طاولة الحوار ثمارها، بما في ذلك عدم كون أوكرانيا “غربية” وعدم معادتها لروسيا، وإيقاف التهديد الذي تمثله لروسيا وشعبها، فيبدو أن روسيا ستوقف عمليتها. وأضاف: “لكن الأمريكيين يريدون أن تفشل روسيا في تحقيق أهدافها في مناطق مختلفة وأن تستحوذ أوروبا على هذه المنطقة وتزيد من اعتماد أوروبا على الطاقة فضلاً عن القضايا السياسية بشأن الولايات المتحدة.
زيلينسكي يسعى لإطالة أمد الحرب
واختتم الكبيسي حديثه حول إصرار رئيس أوكرانيا على إرسال أسلحة إلى هذا البلد، قائلا: “ومن أسباب إصرار زيلينسكي على إرسال السلاح إطالة أمد الحرب وإيذاء المزيد من الناس، في هذا الصدد حتى يتمكنوا من إدانة روسيا في الأوساط الدولية واعتبار تصرفات روسيا جرائم حرب ما أصبح واضحًا في هذه الأيام الأربعين هو أن روسيا غير مهتمة بنشر الحروب في أجزاء مختلفة من أوكرانيا وإلحاق الضرر بالشعب الأوكراني. تحاول روسيا تركيز معظم هجماتها على القواعد العسكرية لتدمير القدرات العسكرية لأوكرانيا”.
المصدر: قطرعاجل