في أجواء تحكمها الضبابية والتشكيك لم يخب ظن الصحافة العربية المناهضة لإسرائيل هذه المرة، فالتوقعات التي أفضت بجمع الطرف السعودي والإسرائيلي على طاولة واحدة قد حدثت بالفعل، والاحتمالات بتصعيدها أكثر وأكثر وسط مخاوف عربية من جعل منطقة الخليج ساحة لنزاع إقليمي لا يحمد عقابه بين إيران وحلفاء إسرائيل.
عشية زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتل أبيب وأثناء القاء خطابه وجه رئيس الوزارء الإسرائيلي يائير لابيد رسالة للسعودية ولا شك أنه كان قاصداً “ولي العهد السعودي” فيها كونه الآمر والناهي في المملكة قائلاً: “إسرائيل منفتحة على السلام مع السعودية”. وخاطب بايدن قائلاً: “سيادة الرئيس بايدن ستلتقي بقادة السعودية وقطر والكويت وعمان والعراق. أود منكم أن ترسل إليهم جميعا رسالة منا أن أيدينا ممدودة من أجل السلام، فالسعودية مهمة لإسرائيل ولاستقرار الشرق الأوسط وبناء عليه ستسافر طائرات إسرائيلية اليوم إلى السعودية”.
اقرأ ايضا
في وقت سابق وقبل أن تهبط طائرة الرئاسة الأمريكية الأراضي الفلسطينية المحتلة نشر الإعلام الأمريكي مقالة لجو بايدن أكد فيها مسبقا هدفه الأهم من الزيارة للشرق الأوسط وهو التقريب بين السعودية وإسرائيل، قائلا: “سأكون أول رئيس يطير من إسرائيل إلى جدة في السعودية. سيكون هذا السفر أيضاً رمزاً صغيراً للعلاقات الناشئة والخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، والتي تعمل إدارتي على تعميقها وتوسيعها”.
التطبيع العربي ذريعة للحماية من إيران
بحجة كبح جماح التمدد الإيراني في المنطقة، ومد جسور سلام مع الدول العربية بدأت الدول العربية واحدة تلو الأخرى بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وبتر يد المقاومة والقضية الفلسطينية. فمنذ توقيع أول اتفاق تطبيع بين الإمارات وإسرائيل في أغسطس عام 2020 وإلى الآن يتم تبرير جريمة التطبيع مع عدو غاصب قاتل للانسان ومنتهك للمقدسات على أنه واجب ولا بد منه بسبب التهديد الإيراني للخليج.
اقرأ ايضا
“إيجاد حرب وتأزيم الأوضاع”… ماذا يفعل بايدن في الشرق الأوسط؟
في ضوء هذا يرى رئيس تحرير صحيفة “إيران دبلوماتيك” وخلال مقابلة تلفزيونية له مع روسيا اليوم، أن التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل قائم منذ زمن بعكس ما يروج بأنه لمواجهة التهديد الإيراني، قائلا: “هذه الدول التي يتم التكلم عن أنها تفتح علاقاتها خوفا من ايران هو هراء وهروب من الواقع. هذه الدول وأخص هنا الحكام كان لديها علاقات مع الكيان الصهيوني منذ القدم ودوماً كانوا يخونون القضية الفلسطينية واليوم يريدون أن يدفنوا القضية الفلسطينية بحيث يكتبوا إيران تقرأها الشعوب فلسطين، يعني هم يريدون أن يدمروا القضية الفلسطينية بحجة محاربة ايران”. وأكمل: “وكما قال أنور السادات أن من أسباب توقيع معاهدة كامب ديفيد هو هذه الدول، وخيانة الحكام العرب للقضية الفلسطينية وللأمة العربية”. واختتم حواره بقوله: كان العرب يخونون مصر وسوريا في حربهم مع لإسرائيل قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران أما اليوم فهم يتخذون الأخيرة ذريعة لتطبيعهم”.
وتبع زيارة بايدن لإسرائيل توقيع اتفاق مشترك بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد سمي بـ اعلان القدس، يتعهدان فيه بمنع إيران من حيازة سلاح نووي، في استعراض للوحدة بين الحليفين بعد خلافات طويلة بشأن الدبلوماسية العالمية تجاه طهران، إلا أن ذلك لا يبدد التباين بشأن آليات تنفيذ ذلك.
رواية التطبيع بحجة إيران يصدقها العرب
وفيما يتعلق بالتهديد الإيراني لدول الخليج أشار الكاتب والمحلل السياسي “سعد راشد” إلى أن دول الخليج تطالب بايدن بتعهد لتوفير حماية من ايران، قائلاً: “هناك مطالب واضحة من دول الخليج لأمريكا بأن تقوم بالتعهد بحماية دول مجلس التعاون الخليجي من أي مخاطر تتعلق بإيران، وأكمل قوله: “لازالت الإدارة الامريكية لا تقدم اي تعهدات واضحة بشأن هذا، لكن هناك تعهد حسب الصحف الأمريكية أن الكونغرس الأمريكي رفض هذه النوعية من التعهدات تجاه دول مجلس التعاون ما يعني أن زيارة بايدن إلى السعودية لم تقضي بإقرار تعهدات بالحماية من التمدد الايراني”.
وخلال فترة ليست بالبعيدة، نشرت وسائل إعلام إيرانية مشاهد لصواريخ بالستية وطائرات مسيرة يعدها الحرس الثوري الإيراني لمواجهة أي تهديد، وقد تكون السعودية أول أهدافها بعد توقيعها اتفاق التطبيع الذي يجعل إسرائيل بموقع يسهّل عليها رصد التحركات الإيرانية مما سيدفع إيران لفتح جبهة على المواقع الإسرائيلية ما يعني جر منطقة الخليج لحرب وتصعيد لنزاع لا يحمد عقباه.
في الختام، هل تلجأ السعودية للاعتماد على دولة دون الأخرى ولماذا لا تقتدي بجارتها دولة قطر وتصبح منفتحة عالمياً أكثر؟ وهل صحيح أن بايدن لم يقدم تعهدات وضمانات بعدم تعرض دول الخليج لمخاطر من قبل إيران؟ وهل نجح حقاً المطبعون بترويج رواية “التطبيع بحجة كبح إيران” على الشعوب العربية؟ أسئلة تحتاج إلى أجوبة.
المصدر: قطرعاجل