أعلن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، الخميس، إنشاء لجنة مشتركة مع الجزائر، تضم مؤرخين من البلدين، لدراسة الأرشيفات حول الاستعمار وحرب الاستقلال.
وقال “ماكرون”، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الجزائري “عبدالمجيد تبون”، من العاصمة الجزائر: “لدينا ماض مشترك معقد ومؤلم”، وقد “قررنا معا” إنشاء “لجنة مؤرخين مشتركة” من أجل “النظر في كامل تلك الفترة التاريخية (…) منذ بداية الاستعمار إلى حرب التحرير، بدون محظورات”.
وكان “ماكرون” قد وصل إلى الجزائر، في وقت سابق الخميس، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام هدفها “إعادة بناء” العلاقات الثنائية.
ويواصل “ماكرون”، الجمعة، زيارته الرسمية إلى الجزائر، بجولة في مقبرة سان أوجين (بولوغين حاليا، بقرب حي باب الوادي الشعبي) المعروفة سابقا باسم “المقبرة الأوروبية”.
وقد دشنت هذه المقبرة في 1849، وتقدر مساحتها بحوالي 3.5 هكتارات.
وتحولت منذ استقلال الجزائر عام 1962 إلى مزار ديني بالنسبة للعديد من عائلات “الأقدام السود”، بين يهود ومسيحيين.
وكان “ماكرون” و”تبون” أجريا، الخميس، محادثات بقصر “المرادية” استمرت أكثر من ساعتين، وصفها الطرفان بأنها “بناءة” و”واعدة”.
وتحدث الرئيسان عن نيتهما إرساء “علاقات استراتيجية” تقوم على “مبادئ الاحترام والثقة” ومن شأنها طي صفحة القطيعة التي شهدتها العلاقات المتذبذبة بين البلدين.
وحطّت طائرة “ماكرون”، نحو الساعة 15:30 (14:30 بتوقيت غرينيتش)، الخميس، في مطار “هواري بومدين” بالعاصمة الجزائر، برفقة وفد يشمل 90 شخصا بينهم 7 وزراء.
واستقبل “تبون”، نظيره الفرنسي قبل التوجه إلى “مقام الشهيد”.
والهدف الرئيسي من الزيارة بالنسبة لباريس، هو طيّ صفحة الخلافات الأخيرة و”إعادة بناء” علاقة لا تزال مثقلة بأعباء الماضي.
أما الجزائر فهي تعتبرها اعترافا بأهميتها الاستراتيجية والدبلوماسية في شمال أفريقيا والساحل.
تأتي زيارة “ماكرون” للجزائر، وسط تدهور مستمر للعلاقات بين البلدين، وتقلب للوضع الجيو-استراتيجي في المنطقة المغاربية، فضلا عن الأزمة السياسية الأمنية في منطقة الساحل والحرب الروسية على أوكرانيا التي أثرت في العلاقات الدولية بشكل عام.
وتضطلع الجزائر بدور محوري في المنطقة، نظرا لامتداد حدودها آلاف الكيلومترات مع مالي والنيجر وليبيا، كما أنها مقربة من روسيا مزودها الرئيسي بالأسلحة.
ورغم تأكيد الرئاسة الفرنسية، أن الغاز الجزائري “ليس موضوع الزيارة”، وأنه “لن يتم الإعلان عن عقود كبرى أو مفاوضات هامة”، إلا أن الجزائر باتت مُحاورا مرغوبا به للغاية من جانب الأوروبيين الساعين إلى تقليل اعتمادهم على الغاز الروسي، وهي من بين أكبر 10 منتجين للغاز في العالم.
وهذه الزيارة هي الثانية لـ”ماكرون” إلى الجزائر منذ توليه الرئاسة، في ديسمبر/كانون الأول 2017.
وكان قد وصف الاستعمار الفرنسي للجزائري (من 1830 لغاية 1962) بأنه “جريمة ضد الإنسانية”.
وضاعف “ماكرون” المبادرات في ملف الذاكرة، معترفا بمسؤولية الجيش الفرنسي في مقتل عالم الرياضيات “موريس أودين”، والمحامي الوطني “علي بومنجل”، خلال “معركة الجزائر” عام 1957.
كما أنه استنكر “الجرائم التي لا مبرر لها” خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961.
لكن الاعتذارات التي تنتظرها الجزائر عن الاستعمار “لم تأت أبدا”، ما أحبط مبادرات “ماكرون”، وزاد سوء التفاهم.
وتفاقمت القطيعة مع نشر تصريحات للرئيس الفرنسي في أكتوبر/تشرين الأول 2021، اتهم فيها “النظام السياسي العسكري” الجزائري بإنشاء “ريع للذاكرة”، وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار.
واستمرت قضية التأشيرات، التي تمنحها فرنسا والتي انخفض عددها إلى النصف، في التأثير على العلاقات الفرنسية الجزائرية، لكن “ماكرون” ألمح إلى المسألة، الخميس، مشيرا إلى قرارات ستتخذ بشأن تسهيل “تنقل فنانينا ورياضيينا ورجال أعمالنا وباحثينا وعلمائنا وجمعياتنا وقادتنا السياسيين ممّا يسمح لنا ببناء المزيد من المشاريع المشتركة”.
المصدر: وكالات