عادت قضية اللاعبين التونسيين المولودين في أوروبا والحاملين للجنسية المزدوجة لتطفو على سطح الأحداث الكروية في تونس من جديد، وذلك تزامنا مع قرب انطلاق تحضيرات منتخب نسور قرطاج للمشاركة في كأس العالم 2022 بقطر.
والنزاع حول اللاعبين الذين تلقوا تكوينهم في أندية الكرة وأكاديمياتها في القارة العجوز قضية قديمة كثيرا ما أثارت سجالا لا ينتهي حول أحقية المنتخب التونسي بالاستفادة من خدمات لاعبين يحملون الجنسية المزدوجة، ولكن بعضًا منهم كثيرا ما كانوا تحت طائلة إغراءات بلدان المنشأ للدفاع عن ألوان منتخباتها.
وبعد ضمان المنتخب التونسي تأهله لمونديال قطر 2022، كثّف اتحاد الكرة جهوده لإقناع هؤلاء باللعب لتونس ووضع حد لمحاولات المنتخبات الأوروبية، بخاصة فرنسا، من أجل ضمهم إليها.
المجبري اختار معسكر النسور
ونجح منتخب تونس في إقناع عدد من اللاعبين الناشئين بأوروبا الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من تعزيز منتخب بلد الإقامة، ويأتي في مقدمة هؤلاء حنبعل المجبري، متوسط ميدان مانشستر يونايتد الإنجليزي، الذي اختار الدفاع عن الألوان التونسية ورفض دعوة كان وجهها له منتخب فرنسا (دون 21 عاما) في سبتمبر/أيلول 2021.
وشارك المجبري، الذي اختير ضمن أفضل 3 لاعبين شبان في أفريقيا للعام الحالي، مع المنتخب التونسي الأول في 18 مباراة، كما كان حاضرا بقوة في تشكيلة النسور في كأس العرب للمنتخبات 2021 في قطر وكأس أمم أفريقيا 2022 بالكاميرون.
كما ضمّت تونس المدافع الحامل للجنسية الهولندية عمر الرقيق، لاعب سبارتا روتردام، وهو شقيق كريم الرقيق اللاعب الحالي لإشبيلية الإسباني الذي كان اختار الدفاع عن ألوان هولندا.
وبجانب الرقيق والمجبري، ضم المنتخب التونسي لاعبين آخرين مزدوجي الجنسية مثل حمزة رفيعة وإلياس العاشوري وأنيس بن سليمان وسيباستيان تونكتي ومعز حسن ورامي كعيب.
وفي نهائيات كأس أمم أفريقيا 2022، كانت قائمة نسور قرطاج قد ضمت 10 لاعبين حاملين للجنسية المزدوجة، يتقدمهم هداف المنتخب ومونبيليي الفرنسي وهبي الخزري الذي لعب لمنتخب فرنسا لأقل من 19 عاما، ونعيم السليتي وسيف الخاوي وديلان برون ونادر الغندري وعمر الرقيق وعيسى العيدوني ومحمد دراغر وحنبعل المجبري ويوهان توزغار.
القادري يحدد أولوياته
ويسعى المنتخب التونسي إلى مواصلة الاستفادة من الأقدام الكروية المهاجرة، وذلك قبل انطلاق الإعداد لمونديال قطر في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، حسب تصريح مدرب نسور قرطاج جلال القادري للجزيرة نت.
وقال القادري للجزيرة نت “المقاييس التي يعتمدها الجهاز الفني تقوم على المستوى الفني والقدرة على الاندماج، كل لاعب يملك جواز سفر تونسيا تظل فرصة اللعب مع المنتخب قائمة أمامه، لكن عليه أن يبدي رغبته واستعداده من دون شروط للدفاع عن بلده الأم”.
وعن إضافة لاعبين جدد في الفترة المقبلة، أجاب القادري “العد التنازلي للمونديال بدأ ولم تعد تفصلنا سوى أسابيع معدودة لحسم اختياراتنا، وهذا يدفعنا إلى الحفاظ على قائمة متجانسة، لكن إذا كان هناك فعلا من يستحق الحضور لأول مرة في المنتخب فيبقى باب المنتخب مفتوحا”.
يشار إلى أن اتحاد الكرة أعلن بداية العام الجاري أنه نجح في إقناع 6 لاعبين من المولودين في أوروبا بحمل قميص المنتخب التونسي وهم: مارك اللمطي من هانوفر 96 الألماني وإلياس الدامرجي حارس مرمى رين الفرنسي وحسين العياري (شيفيلد الإنجليزي) وأمين الشارني (باريس إف سي) ونبيل مقني (كييفو الإيطالي) وسيف الله اللطيف (نوتروير السويسري).
خلية استقطاب
ونجحت تونس في ضم عشرات المواهب الكروية المزدوجة الجنسية، لكنها فشلت في المقابل في إقناع كثير من اللاعبين من أصول تونسية ممن اختاروا اللعب لبلد الإقامة ورفضوا نسور قرطاج، في وقت أشارت فيه أصابع الاتهام إلى مسؤولي الكرة بالتأخر في استقطاب اللاعبين والتهاون في ضمهم.
ويعدّ سامي خضيرة الذي اختار حمل قميص منتخب ألمانيا بعد منافسة مع تونس من أشهر هؤلاء اللاعبين، وأسهم خضيرة الذي لعب لريال مدريد ويوفنتس في تتويج المانشافت بكأس العالم 2014، كما رفض شقيقه راني اللعب مع تونس تماما مثل كريم الرقيق الذي لعب لمنتخب هولندا ونسيم بن خليفة مع سويسرا.
وقبل هؤلاء، اختار صبري اللموشي وحاتم بن عرفة الدفاع عن منتخب فرنسا، وفي 2018 نسج وسام بن يدر على منوالهما مما أفرز موجة من الجدل حول تهاون المسؤولين في استقطابه، لكن اتحاد الكرة نشر آنذاك تقريرا كشف فيه أن كل محاولات ضم بن يدر اصطدمت بعدم رغبة اللاعب وتمسكه بأمل اللعب مع فرنسا.
ولوضع حد لاتهامه بإهدار فرص الاستفادة من المواهب التونسية، أطلق اتحاد الكرة بتونس في 2020 خلية لمتابعة اللاعبين المهاجرين بأوروبا واستقطابهم، هدفها تقصّي أخبار ذوي الأصول التونسية وإقناعهم باللعب لفائدة منتخب نسور قرطاج، بعد أن كانوا دافعوا عن ألوان منتخب أوروبي آخر طوال مرورهم بفئات الناشئين والشبان.
ونجحت الخلية التي يشرف عليها محمد سليم بن عثمان في إقناع عدد من اللاعبين المحترفين بأوروبا الحاملين للجنسية المزدوجة باللعب مع نسور قرطاج.
ويرى محمد سليم بن عثمان أن “خلية استقطاب اللاعبين التونسيين في أوروبا مهمتها تكمن في متابعة المواهب الحاملة للجنسية التونسية وانتقائها وتقييمها، وخصوصا التي تبدي استعدادها لحمل قميص المنتخب الوطني. نجحنا في ضم العديد من اللاعبين سواء في منتخبات الشبان أو في المنتخب الأول، وذلك بعد أن كانوا انتموا لمنتخبات أوروبية للفئات السنية”.
وفي مقطع نشره اتحاد كرة القدم على صفحته الرسمية، قال بن عثمان “نعوّل في المقام الأول على عنصر الانتماء، من المهم جدا أن يشعر اللاعب بانتمائه إلى تونس ورغبته في الدفاع عن رايتها، الجانب الإنساني مهم جدا، هناك لاعبون كانت العائلة وراء إقناعهم، وآخرون وقفوا على تجارب ناجحة لزملائهم فنسجوا على منوالهم”.
وتابع “نسعى في اتحاد الكرة لإنشاء مناخ من الثقة بيننا وبين هؤلاء اللاعبين لتحفيزهم أكثر وإقناعهم بجدوى اللعب للمنتخب وأثره على مسيرتهم مع أنديتهم. من السابق لوقته الحديث عن نتائج هذه التجربة، لكن هناك مؤشرات إيجابية تؤكد أننا نسير على طريق النجاح”.
الجزيرة – مونديال 2022