أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن الانتهاء من نشر نتاج المرحلة الثانية من عمل معجم الدوحة التاريخي، وذلك (من العام 201هـ وحتى 500 هـ)، ليكتمل بذلك نشر عشرة قرون من تاريخ الكلمة العربية في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، متما بذلك المرحلة الثانية، بحصيلة من المداخل المعجمية تبلغ زهاء مائتي ألف مدخل معجمي.
وقد تأسس معجم الدوحة التاريخي للغة العربية في الخامس والعشرين من مايو 2013 في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بهدف رصد ألفاظ اللغة العربية، مقرونة بمعانيها وشواهدها وتواريخ استعمالها وأسماء مؤلفيها، منذ ظهورها في النصوص حتى عصرنا الراهن.
وجاء الإعلان عن الانتهاء من المرحلة الثانية من المعجم بعد مرور أربع سنوات على نشر المرحلة الأولى من المعجم في بوابة إلكترونية مع نهاية العام 2018، والتي شملت إعداد زهاء مئة ألف مدخل معجمي، مرتبة ترتيبا تاريخيا من أقدم نقش أو نص إلى عام 200 للهجرة.
وأوضح بيان صادر اليوم عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن العمل في المرحلة الثانية تميز بضخامة المدونة النصية ونوعيتها، حيث بلغت الزيادة فيها عن مدونة المرحلة الأولى أكثر من عشرة أضعاف من 12 مليون كلمة إلى 150 مليون كلمة، وقد جرى العمل في بنائها على انتقاء المصادر واختيار أفضل الطبعات، وتأريخ النصوص (شعر، ورجز، ورسائل، وخطب، وترجمات ومؤلفات في شتى التخصصات، ونحو ذلك)، وهيكلتها وتوسيمها واستخلاص الألفاظ منها مربوطة بسياقاتها.
وأشار البيان إلى أن المعجم قد عكس في مرحلته الأولى الممتدة حتى العام 200 هـ، هذه المواكبة، ممثلة في لغة الأدب الجاهلي، ولغة القرآن الكريم والحديث النبوي، والعلوم الشرعية واللغوية عامة فيما عكس المعجم في مرحلته الثانية الممتدة حتى العام 500 هـ تلك المواكبة، ممثلة في رصد التطور الذي طرأ على لغة الأدب بفنونه المختلفة، وعلى لغة العلوم كالفلك والكيمياء والرياضيات والطب والفلسفة والمنطق وغيرها ليكون المعجم بذلك مرآة لحضارة أمة يمثل لغتها وتحولاتها الطارئة عليها عبر الزمن في فكرها وآدابها وفنونها وعلومها ومعارفها كافة.
كما يعكس معجم الدوحة التاريخي أوجه التفاعل الحضاري بين الأمة العربية وأمم الحضارات الأخرى التي احتكت بها، وذلك برصد ما أفرزته حركة الترجمة من الألفاظ والمعاني والمصطلحات والمفاهيم الجديدة، وكذا الألفاظ الأعجمية التي دخلت العربية وانصهرت فيها، واستعملت في نصوصها، من اللغات اليونانية والإغريقية والفارسية والهندية وغيرها.
وقد ترتب على ضخامة عدد السياقات مضاعفة الجهد في تتبع معاني الألفاظ الجديدة والمصطلحات المضمنة فيها بحسب المجالات المعرفية من الآداب والعلوم والفنون.
وذكر البيان أن أهم العوامل التي مكنت من إنجاز معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، تجاوز مرحلة الوعي بالتحديات الكثيرة، واقتحام العقبة بابتداع الحلول الممكنة وتجريبها واختيار أنسبها، ومن ذلك توفير المصادر والنصوص وجمعها جمعا واحدا في مدونة نصية كبيرة، على ما في ذلك من صعوبة العثور على المصادر وعسر توفيرها أحيانا، وجهد التحقق منها، ومن ذلك التثبت من صحة المصادر والنصوص، وصحة نسبتها إلى مؤلفيها، مع ما يتطلبه ذلك من جهد التحقيق والتدقيق ومن ذلك الوصول إلى معرفة تاريخ تأليف النصوص لأهميتها البالغة في معجم تاريخي للغة، مع ما يستلزمه ذلك من جهد البحث والتقصي.
ومما أمكن تجاوزه من العقبات وضع ضوابط صناعة معجم تاريخي للغة العربية على غير منوال سابق، وتمكين نخبة من الأساتذة الباحثين من استيعاب تلك الضوابط، وتوحيد فهمهم وممارستهم لها، بفضل جهود التدريب والمتابعة، بالإضافة إلى تطوير برامج حاسوبية للمعالجة الآلية للغة العربية، وتصميم منصة تتضمن قواعد بيانات كبيرة، وأدوات بحث متقدمة، وخدمات متنوعة لتيسير عملية التحرير المعجمي، وكذا تصميم بيئة حاسوبية تسمح باستخدام صلاحيات الإشراف على العمل، وصلاحيات التحرير والمراجعة، والاعتماد التي هي مستويات إعداد المعجم، فضلا عن تصميم بوابة إلكترونية لنشر مواد المعجم، ومدونته النصية ومصادره وضوابطه المنهجية المضمنة في المقدمة، وغير ذلك من الوثائق والمعلومات والخدمات.
كما أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات البدء في إنجاز المرحلة الثالثة المفتوحة، وسيتم خلالها استكمال تحرير مداخل معجمية للألفاظ والمعاني وللمصطلحات والمفاهيم الجديدة، التي استعملت في النصوص العربية ابتداء من بداية القرن السادس الهجري حتى عصرنا الراهن حيث اكتمل العمل على إعداد مدونة المرحلة المفتوحة، وتطوير المنصة الحاسوبية، وتحديث البيئة الحاسوبية لاستيعاب قواعد البيانات الضخمة من النصوص، وإدارتها واستخدامها في بناء المعجم.
وتجدر الإشارة إلى أن للمعجم مجلس علمي يضم ثلة من كبار علماء اللغة في العالم العربي، يعنى بإصدار القرارات العلمية والمنهجية، والبت في المسائل اللغوية والمعجمية، واعتماد مواد المعجم، ويرأسه العالم المعجمي الدكتور رمزي البعلبكي، ويدير المعجم تنفيذيا منذ تأسيسه العالم اللساني الدكتور عزالدين البوشيخي، الذي يشرف على هيئة تنفيذية تضم نخبة مختارة من خبراء اللغة والمصطلح داخل الدوحة وخارجها، بالإضافة إلى نخبة من خبراء الحوسبة والتقنيات الحديثة.
وقد أقام المعجم منذ تأسيسه ثلاثة مؤتمرات علمية دولية، ومن المقرر انعقاد المؤتمر الدولي الرابع في مدينة مكناس في المملكة المغربية في شهر مايو 2023، كما عقد المعجم العديد من الدورات التدريبية في الصناعة المعجمية والمحاضرات التعريفية بالمعجم التاريخي في عدد من الدول العربية والغربية.