تسرب من مختبر أم تطور بشكل طبيعي؟ السؤال المحير عن أصل فيروس كورونا المستجد الذي لم يجد إجابة قاطعة حتى الآن بعد مرور أكثر من 3 سنوات على ظهور الفيروس.
وعادت القضية للظهور بعد الكشف عن تقرير سري لوزارة الطاقة الأميركية استنتج بدرجة “ثقة منخفضة” أن الفيروس تسرب من مختبر.
هذا الاستنتاج لم يحدد بشكل قاطع أن الفيروس نتج عن حادث في مختبر ووهان، حيث ظهر الفيروس لأول مرة في ديسمبر 2019، بل أضاف إلى حالة الغموض، فالوكالات الحكومية الأميركية لاتزال منقسمة بهذا الشأن.
ورصدت أولى الإصابات بفيروس SARS-CoV-2، أواخر عام 2019، في مدينة ووهان، وسط البلاد، وانتشر في ما بعد في أنحاء العالم كافة، موديا بحياة الملايين.
ومنذ ذلك الوقت، يبذل العلماء جهودا حثيثة لتحديد منشأ الوباء، والإجابة على سؤال: هل انتقل الفيروس من حيوان؟ هل تسرّب من مختبر؟ بينما تعترض بكين بشدة على الفرضية الأخيرة.
كانت صحيفة وول ستريت جورنال قد أوردت، الأحد، أن تقريرا استخباراتيا سريا قدم مؤخرا إلى البيت الأبيض وأعضاء بارزين في الكونغرس وجد أن جائحة كوفيد نشأت على الأرجح نتيجة تسرب عرضي من مختبر في الصين.
ما الفرضيات المتاحة؟
يقول بعض العلماء إن الفرضية الأكثر إقناعا اليوم أن الفيروس انتقل من حيوانات حية كانت في سوق كبير في ووهان، وفي المقابل، هناك فرضية أن الفيروس تسرب من معهد ووهان لفيروسات.
لكن العديد من العلماء، ومن بينهم محققو منظمة الصحة العالمية، لم يجدوا دليلا يربط الوباء مباشرة بمختبر.
ومع ذلك، لاتزال الشكوك قائمة بشأن بسبب منشأتين بحثيتين في ووهان تعاملتا مع أمراض شديدة العدوى.
ويقول بعض العلماء إن معهد ووهان لعلم الفيروسات أجرى تجارب محفوفة بالمخاطر، لكن شي جينجلي، رئيس المختبر، عالم الفيروسات الصيني البارز، رفض حدوث ذلك.
كما رفضت بكين مرارا النظرية، واعتبرتها معلومات تغذيها دوافع سياسية تهدف إلى تشويه سمعة الصين، وأشارت إلى تقرير منظمة الصحة العالمية، الصادر في مارس عام 2021 والذي قال إنه “من غير المحتمل للغاية” ظهور الوباء عن طريق الخطأ من مختبر صيني، وفق نيويورك تايمز.
واتهمت الصين الولايات المتحدة مرة أخرى بتسييس القضية عقب ظهور تقرير وزارة الطاقة الأخير. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ: “تعقب كوفيد قضية علمية لا ينبغي تسييسها”، ثم كررت دعوات للولايات المتحدة “للتوقف عن تشويه سمعة الصين”.
وكان تقرير منظمة الصحة العالمية عن أصل فيروس كورونا في 2021 أثار الكثير من الجدل، مع اتهام بكين بالتأثير على نتائجه من خلال تعيين نصف العلماء المشاركين في المشروع.
وقالت رويترز في فبراير 2021 إن فريق المحققين زار مستشفيات ومنشآت أبحاث وسوق المأكولات البحرية الذي سجل أول انتشار للفيروس، لكن كانت اتصالاته في ووهان مقصورة على زيارات ينظمها الصينيون.
وفي حين أن التقرير لم يقدم إجابات نهائية، فقد قال إن السيناريو الأكثر ترجيحا هو انتقال الفيروس من الخفافيش إلى البشر عبر حيوان وسيط، وأكدت أنه من “المستبعد” أن يكون الفيروس قد جاء من المختبر.
وفي مواجهة انتقادات واسعة النطاق لعدم بذل المزيد من الجهد لمنع الوباء، روجت الصين لفكرة أن الفيروس قد يكون نتيجة بحث في مختبر عسكري أميركي في ولاية ميريلاند.
وبعد سبعة أشهر من صدور التقرير، شكلت منظمة الصحة العالمية مجموعة استشارية علمية، أصدرت تقريرا أوليا في يونيو 2022 شكى من ندرة البيانات، وأن ذلك أثر على الفهم الكامل لكيفية حدوث الوباء.
وفي ذلك الوقت، دعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الصين إلى التعاون بشكل أكبر، بينما أكدت بكين أنها تتعاون بشكل كامل. في الوقت ذاته، كشفت تحليلات وكالات الاستخبارات الأميركية نتائج متباينة.
وبالإضافة إلى وزارة الطاقة، خلص مكتب التحقيقات الفيدرالي “أفي بي آي” أيضا “بثقة منخفضة” إلى أن الفيروس ظهر لأول مرة عن طريق الخطأ من معهد ووهان للفيروسات، لكن لا تزال 4 وكالات أخرى ترى أن الفيروس انتقل بشكل طبيعي، واثنتان لم تحسما أمرهما بعد، حسبما أعلن مدير مكتب الاستخبارات الوطنية في أكتوبر 2021.
لماذا يصعب حسم القضية؟
قالت بلومبرغ في تقرير، الاثنين، إنه قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تحديد أين ومتى وكيف بدأ المرض في الانتشار بين البشر، فعلى الرغم من أن SARS-CoV-2 يشبه جينيا فيروسات كورونا الأخرى التي تم رصدها في الخفافيش، فقد يكون قد اتبع مسارا معقدا إلى ووهان، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة
كما أنه ليس بالضرورة أن يكون مكان انتشار الفيروس هو مكان نشأته، مثلما حدث مع فيروس نقص المناعة البشرية الذي يعتقد أنه نشأ في الشمبانزي في جنوب شرق الكاميرون، ولم يبدأ في الانتشار إلا في مدينة كينشاسا بالكونغو الديمقراطية على بعد مئات الأميال.
ولم تجد بعثة منظمة الصحة العالمية أي دليل على انتشار الفيروس على نطاق واسع في ووهان قبل ديسمبر 2019، لكن من المحتمل أن المرض قد انتقل عدة مرات وتوقف عندما لم ينقله الأفراد المصابون، وفقا لباحثين في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو.
وقال علماء في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو إن الفيروس انتشر من الحيوانات في حدثين منفصلين، مما أدى إلى ظهور سلالات مميزة للفيروس المستجد انتشرت في أواخر نوفمبر 2019 أثناء بيع الحيوانات.
وكان علماء بعثة منظمة الصحة العالمية حددوا أربعة سيناريوهات لما قد يكون قد حدث بالترتيب: انتشار الفيروس عبر أنواع مضيفة ” وسيطة”، أو الانتقال إلى البشر مباشرة من مستودع حيواني، أو عبر السلسلة الغذائية بواسطة الأغذية الملوثة أو التغليف، والأخير وهو “غير محتمل للغاية”: حادث متعلق بمختبر.
ونظرا لعدم العثور على مثل هذا الحيوان المضيف الوسيط حتى الآن، قالوا إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث، بما في ذلك الدور المحتمل الذي قد تلعبه تجارة الحيوانات والأطعمة المجمدة، لكنهم استبعدوا فكرة التسرب من المختبر، مع الإشارة إلى أن الفيروس لا يمتلك التوقيعات الجينية لفيروس مصمم معمليا، كما أن مختبرات ووهان فحصت موظفيها بحثا عن أدلة على الإصابة ولم تعثر على أي دليل.
لكن فرضية التسرب حظيت باهتمام كبير، حتى من قبل صدور تقرير وزارة الطاقة الأخير. وما زاد الشكوك أن الصين وافقت فقط على التعاون مع تحقيق منظمة الصحة العالمية بعد شهور من المفاوضات.
كما اعتبر رئيس المنظمة في عام 2021 أن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات والدراسات للوصول إلى استنتاجات أقوى.
وأصدرت دول عدة،من بينها الولايات المتحدة، بيانا مشتركا في نفس يوم صدور التقرير، دعا الصين إلى أن تكون أكثر شفافية.
وأشار تقرير يونيو 2022 للمجموعة الاستشارية العلمية لمنظمة الصحة العالمية إلى أن يونغوي يانغ، نائب مدير معهد بكين لعلم الجينوم في الأكاديمية الصينية للعلوم، وعضوين آخرين في اللجنة لم يوافقوا على التوصية بإجراء مزيد من الدراسات حول حادث تسرب محتمل.
ورغم ذلك، فإن ماريتجي فنتر، رئيسة المجموعة الاستشارية العلمية قالت للصحفيين في عام 2022 إن أقوى احتمال لايزال هو “انتقال عدوى حيوانية المنشأ”.
واتفق مع ذلك علماء بارزون مثل خوان لوبروث، كبير الأطباء البيطريين السابق في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
كما أن فيروسات كورونا البشرية السابقة لها أصول حيوانية المصدر. وقال علماء يدرسون تطور الفيروسات إن ظهور فيروس SARS-CoV-2 يحمل العديد من الإشارات على الأحداث حيوانية المنشأ السابقة، ولاسيما فيروس السارس، الذي انتقل من خلال أسواق بيع الحيوانات الحية في ظروف مشابهة لما حدث في أسواق ووهان في عام 2019.
وكانت هناك شبكة كبيرة من المزارع التي تزود أسواق ووهان بالحيوانات، بما في ذلك من الموردين الموجودين في المناطق التي من المعروف أن الخفافيش فيها تأوي فيروسات كورونا.